حوار مفتوح
المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (196): إنسانية الأخلاق
- التفاصيل
- كتب بواسطة: صحيفة المثقف
خاص بالمثقف: الحلقة السادسة والتسعون بعد المئة، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف، حيث يجيب على أسئلة الأستاذ الدكتور صادق السامرائي:
الإلزام والأخلاق
ماجد الغرباوي: كانت العلاقة بين الدين والأخلاق أحد مشاغل علم الكلام قديما، ومازال الباحثون يقاربونها من زوايا مختلفة، دينية أو عقلية، باعتبارها إحدى مدركات العقل العملي. وخلاصة المسألة كما تقدم: قال المعتزلة وتبعهم الشيعة بالحُسن والقُبح العقليين. ولازمه اتصاف الفعل بالحُسن والقُبح بذاته، بغض النظر عن الأوامر والنواهي الإلهية. وأيضا سيكون ملزما للفرد إما عقلا أو شرعا، حيث يكون حكم الشرع مرشدا لحكم العقل، أو كلاهما. بينما نفى الأشاعرة قدرة العقل على تشخيص الحُسن والقُبح بعيدا عن الأوامر والنواهي الإلهية. وأن الحسن ما حكم الشرع بحُسنه، والقبيح ما حكم الشرع بقُبحه، ولازمه عدم اتصاف الفعل بالحُسن والقُبح بذاته. وهذا القدر من البحث في مجال الأخلاق ما عاد يكفي في ظل تطور العلوم الإنسانية وتعدد الاتجاهات الفلسفية. وثمة قضايا مهمة لم يتطرق لها علم الكلام القديم، أهما تحديد مصدر الإلزام في الفعل الأخلاقي الذي نحن بصدده؟ وما هو مفهوم الفعل الأخلاقي وما هي شروطه. وإذا كانت الشريعة مصدر الإلزام بالنسبة للاتجاه الثاني، فإن الاتجاه الأول مطالب بتحديد مصدر الإلزام. إذ لا يكفي اتصاف الفعل بالحُسن والقُبح الذاتيين وجوب الإتيان به كفعل أخلاقي. فيجب تحديد مصدر الإلزام، هل هو العقل أو الفطرة أو كلاهما؟ وكيف؟ وما هي آلية العقل في ذلك؟. لذا فإن العقل العملي عند كانط مسؤول عن تحديد الموقف العملي في سؤال: "ماذا يجب أن أفعل". كما لو توقف نجاة شخص على الكذب وعدم بيان الحقيقة، ففي هذه الحالة يطرح على نفسه: ماذا يجب أن أفعل؟. وهل سيخرج الكذب عن كونه قبيحا في حالات الضرورة أم لا؟. فالعقل هو مصدر الإلزام عنده. وأن نفس الإدراك العقلي موجب للإلزام. ويعتقد كانط أن (شعورنا الأصلي بالإلزام الأخلاقي هو جزء من طبيعتنا التي خلقها الله). ولدى محمد باقر الصدر كما تقدم: أن (العقل العملي هو ما يكون لمُدركه تأثير عملي مباشر دون الحاجة لتوسّط مقدّمة خارجيّة). فيكون نفس الإدراك موجبا للتكليف. ورغم أهمية هذا التعريف لكنه لا يفسر كيفة إدراك العقل للفعل الأخلاقي. لذا اقترحت تعريف العقل العملي: "مبدأ إدراك "ماذا يجب أن أفعل؟" أو تحديد الموقف العملي. فيؤخذ العقل كمعيار لتمييز الصواب عن الخطأ، وتمييز الخير عن الشر، وتمييز الحُسن عن القُبح. غير أن عملية إدراكه تتوقف على استلهام ما تستشعره النفس البشرية في التمييز بين الخير والشر، كما تقدم بيانه. لأن مدركات العقل العملي ليست مدركات تجريدية محضة، بل لها علاقة بالواقع وانعكاساته، لذا هو عقل عملي وليس عقلا نظريا تجريديا، وعندما يكون عمليا يأخذ بنظر الاعتبار الجانب الموضوعي، ليأتي الفعل متوازنا، منسجما مع الفطرة الإنسانية. أو ما يحقق شمول العقل العملي وكونيته. لذا فإضافة للفطرة والعقل كمبدأ للإدراك هناك وعي الذات، التي تمثل فضاء لإدراك العقل من خلال ما تمده الفطرة بمشاعر. فهي من الناحية النظرية تبدو عملية مركبة، وأما عملا فهما شيء واحد، يقتصر فيه دور الفطرة على استشعار انعكاسات الفعل الأخلاقي، مثلها مثل الخلايا الكهربائية التي تتحسس الضوء، كما تقدم بيانه، فهي ليست مرجعية مستقلة، ولا توجد اثنينية، بل عملية واحدة. وهذا يختلف ما إذا كان حكم العقل العملي مرتهنا لجهة خارجية، تملي عليه إرادتها. الفطرة هنا لا تملي شيئا، سوى استشعار انفعالات النفس البشرية من خلال مجسات مجهزة بها فطريا. لذا يشترط أن يكون الإنسان حرا، قادرا على تحديد الموقف الأخلاقي، في جواب سؤال: "ماذا يجب أن أفعل"، دون الحاجة إلى مقدمات وإملاءات خارجية. فالكلام إذاً عن آلية عمل العقل العملي، وما هي مرتكزاته. فيأتي استشعار الفطرة ضمن آلية عمله، وليست مرجعية مستقلة، فيصدق أن العقل العملي يقع في امتداد الفطرة أو الجانب الشعوري لدى الإنسان. ونحن بالوجدان نستشعر طبيعة الفعل، ما إذا كان خيرا أو شرا. عدلا أو ظلما من خلال انفعالات النفس قبل تقرير العقل العملي، ماذا يجب أن أفعل، بغض النظر عن الدين أو أية جهة خارجية، ونشعر بتأنيب الضمير، وشعور عميق في نفوسنا يعكس مدى تأثرها بالفعل الخارجي. فالعقل يلحظ ما تشعر به النفس، ويحكم وفقا لمبادئه. فقد تتعاطف مشاعر الإنسان مع الكاذب عندما تتوقف حياته على الكذب، غير أن للعقل منطقه الخاص، في ضوئه يصدر أحكامه، دون تجاهل ما تشعر به النفس تجاه الفعل، فهي تبتهج للخير والجمال، وتبتئس من الشر والقبح، ومزودة بمجسات، تميّز بها الخير عن الشر، والحُسن والقُبح، فيكشف شعورها النابع من طبيعتها واستعدادها الفطري للخير والشر عن خصائص الفعل. والتمييز الذي يمهد لكليهما، هو لازم استعدادها الفطري، فتسمو النفس بالعمل الأخلاقي، وتتلوث الفطرة بإدمان العمل الطالح.
خلاصة ما تقدم أن مصدر إلزام الفعل الأخلاقي هو العقل العملي ارتكازا على مشاعره الفطرية. بمعنى أدق أن آلية العقل العملي في تحديد الموقف العملي في سؤال ماذا يجب أن أفعل؟ ترتكز على المشاعر الفطرية، التي هي مشاعر أصيلة، وكونية، وشاملة. فالعقل يكون معيارا، يستمد معياريته من المشاعر الإنسانية الأصيلة، التي هي مشاعر فطرية وقانون أخلاقي كوني. وشرط الأصالة شرط احترازي لاستبعاد ما يطرأ فيما بعد على فطرة الإنسان، من خلال بيئته الثقافية. فيكون الفعل الأخلاقي مشروط بالحرية، بمعنى التحرر من جميع القيود، وانعتاقه من أي حكم مسبق.
بهذا نفهم أن الأخلاق سابقة على العقيدة، كامنة في الطبيعة البشرية للإنسان، وهي مشاعر كونية مشتركة. وبالتالي فالمفاهيم الأخلاقية ومدركات العقل العملي، نابعة من الطبيعة البشرية، وليست قضايا متفق عليها بين أبناء الجنس البشري تبعا لمصالحهم العامة، كما يذهب لذلك بعض الباحثين. فهي مفاهيم متعالية، بينما المصالح البشرية نسبية، تختلف من فئة إلى أخرى، ومن مجتمع لغيره، تبعا لمختلف الظروف الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية. فتنعدم المشتركات الكونية، بينما المفاهيم الأخلاقية الأصيلة هي مفاهيم مشتركة، وأحكام شاملة تصدر عن العقل العملي، الذي يرتكز في أحكامه على الطبيعة البشرية. فينبغي دراسة مدركات العقل العملي كأحكام مستقلة عن العرف والعادة، لأننا بصد قانون عام، وهذا لا يتحقق في ظل تباين المصالح العامة للفئات والمجتمعات.
الفعل الأخلاقي
يرى كانط أن الفعل الأخلاقي هو "الفعل النابع من الشعور بالواجب"، فيستثنى الفعل الصادر عن رغبة أو ميل أو عاطفة أو منفعة. ويعرف مذهبه الأخلاقي بمذهب الواجب في مقابل مذهب اللذة والمنفعة. ويقصد بالواجب "ضرورة أداء الفعل احتراما للقانون العقلي في ذاته"، بغض النظر عن نتائجه، تحققت أم لا؟ المهم أنك أتيت بالواجب احتراما للقانون العقلي. وعنده أن المبدأ الأخلاقي الوحيد الذي لا تشوبه شائبة هو "الإرادة الخيرة" (كتابه: أسس ميتافيزيقا الأخلاق). فهي الخير الوحيد لذاته، والمطلوبة لذاتها دون قيد أو شرط. بخلاف غيرها من الأمور التي يمكن أن تستخدم للخير أو الشر. وهي الخير الوحيد الذي يستمد خيره من ذاته لا من المقاصد التي تحققها. فالارادة الخيرة غاية في حد ذاتها وليست وسيلة. وهذا أشبه بالقول المأثور: "نية المرء خير من عمله".
لا شك في أهمية النية بالنسبة للعمل، ولا شك أنها خير بذاتها، غير أن الفعل الأخلاقي كما أعتقد هو الفعل الذي يحقق إنسانية الإنسان، ولا يكفي التوقف عند الإرادة الخيرة، لأننا نتطلع لموقف عملي. وما لم يحقق إنسانية الإنسان يُستبعد الفعل، مهما كان ظاهره الخير، كالرياء الذي يصعب رصده بسهولة، فإنه يخرج عن كونه فعلا أخلاقيا. الفعل الأخلاقي يترك أثرا تكونينا حينما يزكي النفس ويجردها من أنانيتها وطموحاتها المخلة بالأخلاق، ويغدو الآخر نفسه عندما يتعامل معه على أساس إنساني. وهذا الفهم ينسجم مع رؤيتي للمشروع السماوي الهادف لإقامة مجتمع الفضيلة، بل ينسجم مع كل مشروع مثالي، يسعى لتحقيق السعادة. وبالتالي فالإرادة الخيرة تتحقق بالفعل الإنساني، الذي لا يقصد منه سوى تحقيق إنسانية الإنسان. فمن يمد المساعدة للآخرين رغم ما فيها من تبعات أحيانا، فإنه يفعل ذلك بدافع أخلاقي، نابع من إنسانيته. أي بما أنه إنسان أولاً وقبل كل شيء، فإن إنسانيته تفرض عليه الإلتزام بالفعل الإخلاقي لتأكيد صدقية إنسانيته. فإن مجرد إرادة الخير التي يعتبرها كانط الفعل الأخلاقي الوحيد المطلوب لذاته، يواجه مشكلة نسبية مفهوم الخير بلحاظ مصاديقه. بينما الفعل الأخلاقي بدافع إنساني يختزل الخير بما يحقق تراكم الخير الإنساني. الخير العصي على التوظيف لمقاصد شريرة. فيكفي نسبية الخير بلحاظ مصاديقه ولو تصورا، في العدول عن مفهوم الفعل الأخلاقي عند كانط إلى ما هو أكثر تمحضا للخير. فالعمل الأخلاقي "ما يحقق إنسانية الإنسان". وعندما تتحقق إنسانية الإنسان بالفعل الأخلاقي يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار والسعادة، وهي أهداف سامية، يطمح لها الإنسان السوي. لا خلاف حولها بين السماوي والأرضي، فتكون قانونا عاما، ومشتركا إنسانيا، ينبثق عن إنسانية الإنسان، ويكون الإلزام فيه إلزاما إنسانيا، يحقق به الإنسان إنسانية دون قصد منه. بمعنى أدق أن شأن الفعل الأخلاقي تحقيق إنسانية الإنسان، وحينما لا يحققها لا يعد فعلا أخلاقيا. فيبقى الفعل الأخلاقي مطلوبا لذاته، لا يستمد خيره من مقاصد. وتحقيق إنسانية الإنسان هي الخير الأسمى، ذلك الجوهر الذي ترتهن له صدقية الإنسان. وبهذا التعريف للفعل الأخلاقي نخلق روح المبادرة والاندفاع الذاتي لعمل الخير. وقد أكدت التعاليم الدينية على إنسانية الإنسان، بعيدا عن أية خصوصية دينية أو إيمانية، ليأتي الفعل بدوافع إنسانية خالصة، كما في قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) لا تمييز على أساس ديني. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)، فأيضا مطلقة، دون لحاظ أية خصوصية سوى إنسانية اليتيم والسائل. غير أن فتاوى الفقهاء ارتهنت الفعل الأخلاقي لدوافع طائفية وسياسية، فقالوا مثلا بعدم جواز إعطاء الزكاة للمخالف، ويقصدون به من خالف مذهبهم. وأجازوا استباحة المحرمات الإنسانية بذات الدوافع، حتى فقد الدين تأثيره، وصار متهما، تنسب له كل مآسي الخطابات الدينية خاصة الفقيهة منها.
فنخلص أن الدافع الإنساني، وليست الإرادة الخيرة فقط، هو شرط صدقية الفعل الأخلاقي. وبالتالي: "الفعل الأخلاقي ما يحقق إنسانية الإنسان". وبهذا تنفتح الأخلاق على مساحات واسعة في الحياة، ويمكنها أن تكون رهانا ناجحا لتحقيق الخير الأسمى، حيث تختفي الرذائل، ويتحقق السلام والوئام الإنساني، وتترسخ استراتيجية الأمن الإنساني على أساس أخلاقي، إذ لا مبرر لاقصاء الفعل الأخلاقي مادام يحقق إنسانية الإنسان. خاصة التعريف المنطقي للإنسانية الجامع لكل فعل يجسد إنسانية الإنسان، ويمنع دخول الأغيار، وهو كل فعل لا يجسد إنسانية الإنسان، فيقتصر ما هو حسن بذاته، وهي مجموعة قيم إنسانية متعالية وليست مكتسبة. بل أن الأخلاق المكتسبة لا يصدق عليها تعريف الفعل الأخلاقي. وبهذا نفهم خطأ التعميم في النظرة الوضعية التي ترى الأخلاق ظاهرة اجتماعية، وإن القيم الأخلاقية مكتسبة. والصحيح ثمة قيم أصيلة تجسد معالم إنسانية الإنسان، بها يصدق على الإنسان إنسانا، وبها يختلف عن غيره من الكائنات، وإلا لا معنى آخر لمفهوم الإنسانية سوى تجلياتها الاجتماعية وعلاقة الإنسان بذاته وبالآخر. فالقول المأثور: (حب لأخيك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك)، وأيضا في وصية الإمام علي لولده الحسن، نهج البلاغة: 31: (يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ). كل هذا يؤكد أن هدف الإنسان وخيره الأسمى تحقيق إنسانية الإنسان، فتراه يبادر لعمل الخير، بدافع إنساني ذاتي، مجرد، محض، سواء تحققت أهدافه أم لا؟ فيأتي بالفعل لذاته لا لغيره، لا خوفا ولا طمعا. لذا يبادر لمساعدة الآخرين بعيدا عن أية خصوصية، ويعتبر مساعدتهم واجبا أخلاقيا محضا، ويمد يد المساعدة لكل محتاج. فهو لا يسأله عن دينه وخصوصيته حينما يهمُ بمساعدته، بل يبادر فورا لمساعدته، وهذا هو الاندفاع الذاتي الذي يصدق مفهوم الفعل الأخلاقي عليه. وهذا ما ذهب له كانط في تحديد القانون الأخلاقي: "افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانيّة في شخصك وفي شخص كلّ إنسان سواك بوصفها دائما وفي نفس الوقت غاية في ذاتها، ولا تعاملها أبدا كما لو كانت مجرّد وسيلة". (ينظر المصدر السابق). ولا يتحقق هذا ما لم يتمتع الفرد برؤية إنسانية تدفعه لعمل الخير. فعندما تساعد فقيرا، تارة تنظر للمساعدة بما هي مساعدة، قد تبادر أو لا تبادر لها، وأخرى تنظر للفقير بمنظار إنساني تتحسس معاناته من الفقر والحاجة والخصاصة، وتبادر لاسعافة بدافع إنساني محض، تنسى معها كل خصوصية، فلا تسأل عن دينه وإيمانه وانتمائه، وتنظر له إنسانا مثلك، يعاني قساوة الحياة. فالعمل الأخلاقي يزكي النفس، ويفتح لها آفاق السمو والرفعة الإنسانية، وبهذا، تتحقق السعادة، من خلاق تحقق إنسانية الناس جميعا. فينبغي لحاظ ما بإزاء الإرادة الخيرة، وهو تحقق إنسانية الإنسان.
وينبغي التأكيد أن الدوافع الإنسانية للفعل الأخلاقي، لا تُخصص، ولا يمكن توظيفها أو تزيورها، فالكذب مثلا يبقى كذبا، مهما كانت ضرورته، ومهما كان تعاطفنا مع المضطر، فهو يبقى كذبا وقبيحا لا يتصف بأية صفة أخلاقية. ومهما كان مبررات الكذب لا تحقق إنسانية الإنسان، فيصنف ضمن أفعال الاضطرار من باب تقديم الأهم على المهم. وتقديم الأهم على المهم استثناء، فلا يشمله مفهوم الفعل الأخلاقي. بمعنى آخر لا يوجد في قاموس الأفعال الأخلاقية انقلاب القبيح إلى حسن بفعل الاضطرار. ويبقى فعل المضطر مجرد استثناء تتوقفت عليه مصالح كبرى. ويبقى استثناء اقتضته الضرورة، لتوقف مصلحة أهم، كإنقاذ نفس محترمة من الموت أو الهلاك. لذا لا يتلاشى تأنيب الضمير، ويكفي بتأنيب الضمير مؤشرا على الفعل الأخلاقي.
يأتي في الحلقة القادمة
............................
للاطلاع على حلقات:
للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.