مقاربات فنية وحضارية
مولد فينوس .. لمحات مضيئة في تأريخ الفـن (5)
- التفاصيل
- كتب بواسطة: ا. د. مصدق الحبيب
من اشهر لوحات عصر النهضة لوحة "مولد فينوس" The Birth of Venus التي رسمها عام 1486 الفنان الايطالي ساندرو بوچيللي Sandro Botticelli - 1445-1510 بتكليف من لورنزو مديچي Lorenzo Medici احد اعيان عائلة مديچي الفلورنسية الموسرة والمتنفذة آنذاك.
كان لورنزو مديچي يعتبر نفسه سادنا مخلصا للمشهد الثقافي في فلورنسا، وكان من مظاهر رعايته للثقافة ديوانه العامر الذي يلتقي فيه كبار الشعراء والادباء والفنانين ليتداولوا في مختلف شؤون الثقافة. في عام 1486 وجد لورنزو نفسه مفتونا بقصيدة من قصائد الشاعر الرقيق انجلو پوليزيانو Angelo Poliziano التي كانت تصف جمال ورقة فينوس التي خرجت من البحر في يوم خريفي صاف حملت فيه النسائم الناعمة دفقا من اوراق الشجر الذهبية والزهورالملونة، فيما ظهر اله وآلهة الريح زفير Zephyr و أورا Aura لينفخا فينوس وهي عائمة على صدفة سكالوب فيأخذانها الى الشاطئ حيث الحورية التي ستقدم لها الرداء لتغطية مفاتنها.
من فرط افتتان لورنزو بالقصيدة الجميلة دعا صديقه بوچيللي لتحويلها الى واقع تراه العين فيكتمل الابداع بين الكلمة والصورة. وهكذا جسد بوچيللي بامانة ومهارة عالية ما كان في القصيدة من وصف عن قدوم فينوس الى الارض ، وهو الامر الذي جاء متوافقا مع الميثولوجيا الرومانية واعمال اشهر الادباء امثال فرجل Virgil وهومر Homer وهيسود Hesiod.
يذهب نقاد ومؤرخو الفن الى ان قصيدة پوليزيانو ولوحة بوچيللي جسدتا بامانة فلسفة الحب الافلاطوني التي صورت فينوس كآلهة للحب والجمال في مظهرين: مظهر سماوي ملائكي يبعث الحب الطاهر في القلب والضمير ومظهر دنيوي يثير العاطفة ويشعل الشهوة في الجسد، وهذا مالايبتعد عما قاله افلاطون بان اشباع الرغبة في جمال الجسد يلهم العقل ويبث فيه الحب الروحي. ولاشك فان مغزى تقديم الرداء من قبل الحورية الى فينوس هو ايذانا بقدومها الى الارض حيث يكون من المناسب تغطية مفاتنها انسجاما مع دورها الدنيوي.
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.