صحيفة المثقف
  • مدخل
  • الاولى
  • مقالات
    • أقلام حرة
    • آراء
    • أقلام ثقافية
    • قضايا
    • أقلام فكرية
    • شهادات ومذكرات
    • كتب واصدارات
    • علوم
    • دراسات وبحوث
    • ثقافة صحية
    • تنوير واصلاح
  • أدب
    • نصوص
    • ترجمات
    • هايكو
    • روافد
    • قراءات نقدية
  • حوارات
    • حوارات عامة
    • مدارات حوارية
    • نص وحوار
    • مرايا حوارية
    • حوار مفتوح
  • تقارير
    • تقارير وتحقيقات
    • أوركسترا
    • يوتيوب المثقف
    • اخبار ثقافية
  • استفهامات
    • مواربات
    • استطلاع
  • فنون
    • مقاربات فنية وحضارية
    • لوحات فنية
    • معارض تشكيلية
  • ملفات
    • المرأة في أسر العبودية
    • المرأة والسياسة
    • مستقبل الديمقراطية
    • المثقف والانتخابات
    • ملف: المثقف 10 سنوات عطاء زاخر
    • ملفات سابقة
  • تكريم
    • يحيى السماوي
    • وفاء عبد الرزاق
    • عبد الرضا علي
    • شوكت الربيعي
    • فرج ياسين
  • المؤسسة
    • رئيس التحرير
    • إصدارات المثقف
    • كتب ماجد الغرباوي
    • نشاطات المثقف
    • مناسبات المثقف
    • جوائز وشهادات
    • جائزة الابداع
    • ملتقى المثقف
    • ساهم معنا
  • كتّاب مشاركون
  • اتصل بنا

السطر الاول من روايتك

التفاصيل
كتب بواسطة: قيس العذاري

ملحق: محاضرات وامسيات ادبية وثقافية حية "2"

التحليلات والمقالات والقصاصات "الدروس، الامسيات الثقافية،المحاضرات ..الخ" الملحقة التي تسبق الاصدارات او تعقبها، تتناول اشياء ربما لا تخطر على بال الكاتب او المؤلف من صنف: اكتب سطرا "السطر الاول" من رواية تنوي تأليفها او كتابتها . وجه مارتن السؤال لي بالخطأ لانني لست كاتب روايات ولانه ليس سؤالا خاصا تجاهلت التوضيح بانني لست كاتب روايات ولكن من المتابعين لورش وتحليلات والامسيات الثقافية والادبية .

لا اتوقع في الكتابة ان السؤال يخطر ببال المؤلف او الروائي، السطر الاول في رواية ربما تتجاوز عدد صفحاتها 200 او 300 صفحة . هناك بالتأكيد بعض الشخصيات والاحداث مهيئة بذهن الروائي ولكن كيف يبدأ؟ او ما هو السطر الاول الذي يبدأ به روايته ابعد ما يكون عن ذهن المؤلف لانه يأتي بشكل تلقائي طالما انه يختزن مجموعة من شخصياته التي يود تجسيدها روائيا اضافة الى الاحداث المرتبطة بها او تدور في مدارها .

العملية منذ البداية، عملية تلقين عن ما يمكن ان يكون عليه السطر الاول من الرواية او ما يجب ان يكون علية، ولماذا؟

ماذا ستكتب في السطر الاول من روايتك؟ السؤال من التعقيد يسبب تعدد الاجابات بعدد الروايات التي سوف تكتب والاجابة عليه متعددة وستكون غير سهلة وغير مقنعة، هل يلجأ المؤلف او الروائي الى التلقين؟ وهل هذا ما يسعى اليه السؤال ان تدفع دار النشر المؤلف لتقبل ما يلقن حول ما يجب ان يكون عليه السطر الاول من روايته .

لم يسبق ان خطر في بالي ماذا سأكتب في السطر الاول لهذا المقال او البحث او النص كانت فكرة السطر الاول تنبثق بشكل تلقائي الى مخيلتي مجرد ان افكر بالكتابة عن موضع محدد حتى لو كان المقال يتوقف على مصادر خارجية متعلقة بالمقال او البحث .يشير مارتن بدعوته الى هذه النقطة بطريقة غير مباشرة :"إذا لم يكن لديك سطر أول لتقديمه، فلا يزال هناك الكثير الذي يمكنك تعلمه" من الصعب فهم "تعلمه" لانه يحيل الابداع الى التعلم او امكانية تعلم كتابة السطر الاول .

ويوكل المهمة الى المحررة "Rebecca Heyman" ويشير الى عملها وقدرتها على "تفكيك السطر" و"الاسطر الافتتاحية" وستقدم رأيها الصريح للمشاركين خلال امسية ثقافية مسجلة بثت في 21 يناير "5 مساءً بتوقيت جرينتش" . وستشاركك خطوات عملية تحسن الاسطر الاولى لافتتاحية روايتك. وستكون : "الافتتاحيات الروائية لجميع المشتركين متاحة" اي بالامكان قرائتها او الاطلاع عليها .من الصعب فهم مثل هذه الورشات الكتابية والابداعية لانها اشبه بتعليمات للمبتدئين بكتابة الرواية ولكنها ليست كذلك لان دار النشر تقوم بنشر اكثر هذه الروايات على نطاق واسع على قدم المساواة مع المؤلفين والروائيين المشاهير وطنيا وعالميا . وتنفي ان يكون الابداع فرديا انطلاقا من مفهوم من المستحيل ان "تكتمل ادوات الكتابة" لدى المؤلف بدون الاستعانة بخبرات الاخرين . ويؤكد فهمنا الخاطيء عن عملية التأليف او الكتابة الابداعية بمختلف الاجناس الادبية .

"استحالة اكتمال ادوات الكتابة" من هذا المفهوم نعرف ان هذه الورشات الكتابية والابداعية غير مخصصة للمبتدئين فقط وانما لاصحاب التجارب الطويلة بالكتابة ولهم حضورهم الثقافي الراسخ في المشهد الثقافي الوطني او العالمي . ويمكننا توقع ان ادباءنا او معظمهم حتى من صدرت له رواية واحدة يرفضون المشاركة بهذه الورشات لو اتيحت لهم في بلداننا العربية لا عتقادهم باكتمال ادواتهم الكتابية وليسوا بحاجة لخبرات الاخرين وتخصصاتهم لكتابة رواية او نوفيل قصيرة او طويلة .

ويوصي مارتن من يشارك او يشاهد الامسية ارسال افتتاحيته لكتابة رواية مستقبلا الى Rebecca Heyman" او دار النشر! ليدخل بورشات الكتابة الابداعية الى ان تكتمل روايته وتتتكفل الدار بنشرها على قدم المساواة مع منشوراتها الروائية السابقة .

لماذا هذه الورشات؟ او هل الكتابة "الابداعية" مهنة يجب تعلمها او اتقانها؟

"يتبع"

 

قيس العذاري

21.1.2021

 

 

صلاح عبد الصبور ومحاولة التناول المتكاملة

التفاصيل
كتب بواسطة: د. يسري عبد الغني

يسري عبد الغنيمن منطلق أن الدراسة الأكاديمية تصدر أولاً عن محاولة تناول متكاملة، ولا يمكنها أن تصدر أحكاماً جزئية تتغير مع الوقت أو مع ظهور الأعمال المختلفة، وإن كان هذا لا يمنع من التعليق على عمل معين أو تناوله تناولاً فردياً، ولكن في ضوء ما تكون من رؤية المبدع .

ومثال على ذلك لو حاولنا تتبع مصادر تأثرات صلاح عبد الصبور الشرقية أو الغربية، سوف يجعلنا ذلك نقف عند ما كان أكثر جذباً له في الثقافات المختلفة بدءاً من ثقافات الدول الكبرى والعالم الثالث، وعليه فإنه من الواجب التعريف بمن يعرف، وبمن صاحب من شعراء وروائيين ومسرحيين، وبما تأثر من أعمالهم كملاحظات أولية تعين أو تساعد على اكتشاف عالمه من منظور الدراسات النقدية المقارنة .

وهي محاولة من أجل وضع الخطوط الرئيسية الخارجية لملامحه، أو تحدد الإطار العام لهذه الملامح معترفة بأن الجهد لا بد أن يكون متبوعاً بمحاولات تضع التفاصيل الداخلية، وتلقي الظلال والأضواء حتى تكتمل الصورة، من منظورها على أقل تقدير .

ودراسة مثل تلك يمكن أن تعتمد على دليل (الشاعر والكلمة)، الذي أصدرته مجلة فصول، بعد رحيل عبد الصبور أول رئيس تحرير لها، والذي يحتوي على رصد ببيلوجرافي لما كتب من مقالات أو أشعار أو مسرحيات أو كتب أو مترجمات، وما كتب عنه وما أجري معه من لقاءات وأحاديث، وما ترجم من أعماله إلى اللغات الأخرى .

وبلا ريب فإن عمل مثل هذا يكاد يكون جامعاً مانعاً، ولكن في الواقع فإننا عثرنا على مواد كثيرة لم يشر إليها الدليل أضف على ذلك ما نشر بعد وفاته مباشرة .

لقد ارتبط صلاح عبد الصبور ارتباطاً وثيقاً بحركة الشعر العالمي المعاصر، وارتبط أكثر بشعراء من العالم الثالث، في فترة من أكثر فترات التاريخ المعاصر اضطراما بالحركات التحررية والثورة .

عرف لوركا، وبابلو نيرودا، وإيفتو شينكو، كما عرف إليوت ووايتمان، ونشأت بينه وبينهم روابط فكرية وثقافية بلورتها طبيعة المتغيرات التاريخية العالمية من ناحية، وطبيعة المتغيرات العربية من ناحية أخرى، مع مراعاة أن صلاح عبد الصبور ولد سنة 1933 م، وقد تكون وجدانياً وفكرياً وثقافياً خلال فترة المد الثوري في مصر والعالم العربي والعالم الثالث في أفريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية، ومن هنا أطالب كل من يكتب عنه بضرورة الالتزام بهذه الحقيقة المهمة .

ولعل صلاح عبد الصبور كان أكثر شعراء مصر حساسية تجاه المتغير الثقافي العلمي، ومن هنا جاءت قيمته التي تفرد بها بين شعراء عصرنا، يدلنا على هذا وجهته الثقافية في الآداب الغربية، وطبيعة اختياراته لما يقرأ، وطبيعة ملاحظاته الفكرية في رحلاته وسياحاته المختلفة شرقاً وغرباً من الهند حتى الولايات المتحدة، كما يقول الدكتور / حلمي بدير، عندما يتحدث عن المؤثرات الوافدة في شعر عبد الصبور، وذلك في كتابه [المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث، دار المعارف، مصر، 1983 م].

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

سلمويه بن بنان طبيب المعتصم!!

التفاصيل
كتب بواسطة: د. صادق السامرائي

صادق السامرائيالطبيب الخاص للخليفة المعتصم، وترجم أعمال جالينوس من اليونانية إلى العربية، وقد وثق به المعتصم وإعتمد عليه كثيرا، وكان يحترمه إحترام الإبن لأبيه، ويناديه "يا أبي"!!

ويقول عنه: "هذا عندي أكبر من قاضي القضاة، لأن هذا يحكم في مالي، وهذا يحكم في نفسي، ونفسي أشرف من مالي".

يقول إبن أصيبعة: " لما إستخلف أبو إسحاق محمد المعتصم بالله، وذلك في سنة 218 هجرية، إختار لنفسه سلمويه الطبيب، وأكرمه إكراما كثيرا يفوق الوصف، وكان يرد إلى الدواوين توقيعات المعتصم في السجلات وغيرها بخط سلمويه، وكل ما يرد على الأمراء والقواد من خروج أمر وتوقيع من حضرة أمير المؤمنين، بخط سلمويه، ومما زاد من جور سلموية بن بنان في بلاط المعتصم، أنه نجح في تولية أخيه إبراهيم بن بنان خزن بيوت الأموال في البلاد، وخاتمه مع خاتم أمير المؤمينن".

وكانت علاقته بالمعتصم قوية، وكأنه واهبه الحياة والمحافظ على كيانه البدني والنفسي، فعندما إعتل سلمويه عاده المعتصم وبكى عنده، كما  بكى وصلى عند قبره بعد وفاته سنة 840 ميلادية، وربما دفن في سامراء ورافق المعتصم فيها، وتوفى المعتصم بعد وفاته بعشرين شهر!!

ويبدو أن المعتصم كان مرعوبا من الموت، ووجود الطبيب سلمويه بجانبه يبعث فيه الطمأنينة ويشعره بتمسكه بالحياة، فهو القوة النفسية التي تمده بطاقة الحياة والقدرة على الإنتصار على الموت، فبوجود طبيبه الخاص بقربه يزداد ثقة بصحته وقدرته على مجابهة الأمراض وتحدي العلل.

وهذا الإعتماد النفسي الكبير يتضح من مواقفه معه، وقلقه الشديد عند إعتلال طبيبه وبكائه عليه، وكأنه كان يبكي على نفسه، كما أنه مات بعده بأقل من سنتين.

كما يشير إلى الضعف الكامن في أعماق الخلفاء والسلاطين، وكأن الرعب يتملكهم والموت يحاوطهم، لأن تعاملهم مع الموت والحياة حالة يومية، فهم يأمرون بالقتل ويقتلون ويسفكون الدماء، وعندما يجالسون أنفسهم تخيم عليهم مشاهد الموت وصور ضحاياهم وقد بتروا أعناقهم.

وكان المعتصم قاسيا في عقوباته لمعارضيه ويقتلهم شر قتل، فأحرق قواده الذين خانوه، وقاتلَ وقتلَ المئات، وكلها تركت آثارا نفسية عنده، وربما مشاعر تأنيب الضمير والحيرة فيما إقترفه من صولات أباد بها عشرات الآلاف من الأرواح، إضافة إلى ممارسات السيف والنطع التي تكاد تكون يومية في قصور الخلفاء، كتعبير عن القوة والشدة وأنهم يحكمون.

وهذه ناجمة عن غياب الدستور الواضح ومنهج الحكم الراسخ، فكل خليفة يتصرف في الحكم على هواه، ولازلنا على هذه الحالة المأساوية الدامية الدامعة، التي تتسبب للحكام بعاهات نفسية قاسية يعكسونها على الذين يتحكّمون بمصيرهم، فيذيقونهم القهر والظلم والذل والهوان.

ولا أظن الذي يتصور نفسه الدستور والقانون، ويصدر الأوامر على هواه، ووفقا للوشايات، يشعر وذات نفسه براحة الضمير، ولهذا يحيط الخلفاء أنفسهم بالفقهاء ويعملون بموجب فتاواهم، للتخفيف من عذابات الضمير، وما تخلفه قراراتهم من آثار نفسية خطيرة، ووفقا لذلك يمكن تبرير موتهم المبكر، وسلوكيات بعضهم المنافية للقيم والأعراف والأخلاق.

فهل كان المعتصم مريضا، وليس كما تورده عنه كتب التأريخ وتصفه بالقوة والقابلية الجسمانية المتميزة؟

وهل كان أطباء آخرين في سامراء؟!

وهل بنى المعتصم فيها مستشفى؟!

لابد من قراءة علمية دقيقة للتأريخ، الذي ربما لا يشير إلى ما يؤكد ذلك، بل أن المعلومات عن طبيب المعتصم نادرة!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

انتصار الديمقراطية

التفاصيل
كتب بواسطة: د. منى زيتون

منى زيتونرأى كثير من الأصدقاء والمتابعين في اهتمامي بنتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية وتعويلي على فوز جوزيف بايدن إقرارًا بالهيمنة الأمريكية على دول العالم، وقبولًا بها، وأفرطوا في الحديث عن أن الأمريكان قد فعلوا بدولنا العربية كذا وكذا، حتى أنني لمست من بعضهم الفرحة التي لم يفلحوا في مداراتها عندما اقتحم الرعاع من أتباع ترامب مبنى الكابيتول؛ أن أراهم الله تعالى يومًا أسودًا في أمريكا!

وعن نفسي فأنا أرى أن الإقرار بأن رئيس أمريكا يلعب دورًا أساسيًا في قيادة العالم المعاصر هو إقرار بالواقع، وهو حال الأرض الذي لم يتغير عبر الأزمنة أن تكون هناك دول كبيرة محورية لمن يملكها سطوة على ما عدا دولته، ودول أصغر تتفاوت درجة قوتها وقوة تأثيرها في محيطها وفي العالم أجمع. والإقرار بقوة أمريكا وروسيا والصين وغيرها من الدول الكبرى ليس بالضرورة انبطاحًا ولا خيانة ولا تسليمًا دائمًا بكل ما يأمر به رؤساؤها، مع الأخذ في الاعتبار أن كل رئيس تكون له عهدة رئاسية ومسئول عن سياسة الدولة في فترة عهدته، ولا يُعقل أن تكره بايدن لأن جورج بوش الابن قد خرّب العراق أو لأن نظام أوباما قد دعم وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، علمًا بأنه لا أوباما ولا بايدن من ساهم في تزوير الانتخابات لصالح مرشحهم.

وعلى كثرة المساوئ السياسية التي كانت لبعض الأنظمة الأمريكية السابقة في حق العرب فلا يُقاس أي عهد منها بعهد دونالد ترامب؛ فترامب –وعلى عكس غيره من الرؤساء الأمريكيين- ديكتاتور بكل ما للكلمة من معنى؛ يريد أن يأمر فيُطاع، وهذا ما لم يستطعه مع حكام أوروبا أو الصين، فساءت علاقة بلاده بهذه الدول إلى أسوأ درجة في تاريخها، ولم يجد من يستطيع أن يمارس معه هيمنة المتسلطين إلا الخانعين الضعفاء من حكامنا، فأجبرهم على الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونهب ما شاء من أموال دولنا التي يديرونها كعزبهم الخاصة، وكان المقابل أن يغض الطرف عن مصائب هؤلاء الحكام، فكانت مقايضة لم نر لها مثيلًا من قبل، وبئست المقايضة!

وفي خلال حوالي سبعين سنة هي عمر دولة إسرائيل لم نر تسارعًا في وتيرة القرارات الأمريكية التي تصب في صالحها وكأنها طرقات فوق رءوسنا مثل ذلك التسارع في عهد دونالد ترامب، والقول بأن هذه عادة جميع رؤساء أمريكا وأنه لا يختلف عنهم هو ادعاء يدل على انعدام تمييز.

ولكن الأنكى –من وجهة نظري لأنه فاتحة شر علينا لم نعهدها من قبل- هو أن حكامنا الخانعين لم يكن لهم رادع طوال فترة عهدته الرئاسية؛ ففعلوا بنا من الأفاعيل ما كان يُعد ضربًا من الخيال لو تنبأ به أحد قبل سنوات لاتهم بالخرق والخرف؛ ومن كان قد نسي فليتذكر كيف وصل الحال إلى التجرؤ على خطف الأمراء ورئيس وزراء لبنان في السعودية، ومرشحي الرئاسة في مصر وأحدهم رئيس وزراء سابق والآخر رئيس أركان الجيش السابق، وكيف تم سجن المعارضين والحقوقيين والعلماء واختلاق القضايا لهم حتى وصلت أعدادهم للآلاف، ثم التبجح أمام جماعات حقوق الإنسان في العالم بأنه ليس لدينا سجناء رأي! وبلغ السيل الزبى بتقطيع أوصال المعارضين البارزين كجمال خاشقجي، وتعذيب وقتل الباحثين الأجانب في مجال حقوق الإنسان كريجيني، وما تبع ذلك من التستر دون خجل على مرتكبي هذه الجرائم.

لذا أرى أن تعشمي في رئاسة بايدن لها ما يبررها لأن هناك فارقًا كبيرًا بين أن يوجد بلطجي أبوه بلطجي مثله يشجعه ويؤازره وبين أن يكون للبلطجي أب محترم وقوي وبإمكانه أن يردعه ويرجعه عن حمقه وأفعاله الخرقاء البلهاء التي لا تليق بالعقلاء. والحوادث الأخيرة في أمريكا ذاتها تثبت أن المشكلة الرئيسية ليست في أن يحكم أخرق أحمق بل تكمن في أن يجد هذا الأحمق مساندة ودعمًا، فإن لم يجد من يسانده تم تحجيم حمقه وأمكن السيطرة عليه، وهو ما لم يجده حكامنا من ترامب ولا من جميع أشكال الحثالة البشرية التي تحيط بهم؛ وأعني فئة الطبالين والزامرين من السياسيين والإعلاميين في بلادنا، ولنتذكر ما جرى في انتخابات الرئاسة في مصر عام 2012 ثم في عام 2018 ونتحسر على حال بلادنا.

وعودة إلى يوم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن، وكنت في مقالي الأخير "بذرة الديكتاتورية التي لم تجد لها منبتًا" الذي كتبته بعد ساعات من اقتحام الرعاع أنصار ترامب مبنى الكابيتول قد تنبأت بأن ترامب سيحاول تجهيز مفاجأة جنونية قبل مغادرته البيت الأبيض، وكعادته لم يخيب ظني، فحاول رفع مقطع فيديو على موقع اليوتيوب يثير به أتباعه من جديد قبل يوم التنصيب وتم رفضه، وأوقف الموقع حسابه مؤقتًا لمدة أسبوع، ثم قرر اللعب بآخر ورقة في يده فتصرف كطفل يخبئ ما يعتبرها لعبته كي لا يُجبر على إعطائها لغيره! وقد شاهدت وشاهد معي العالم كيف سارع ترامب بترك البيت الأبيض قبل انتهاء فترة عهدته الرئاسية بساعات في طائرة رئاسية مصحوبًا بالحقيبة النووية التي يحق له الاحتفاظ بها كرئيس حتى الثانية عشرة من ظهر يوم تنصيب خلفه بتوقيت واشنطن، ولا يملك أحد مطالبته بها حتى ذلك الوقت، وكأنه أراد أن يهرب بها إلى بيته في فلوريدا، مانعًا من تسليمها إلى بايدن في حفل تنصيب الأخير! وإن كانت وكالات الأنباء قد ذكرت أن مسئولًا دفاعيًا قد رافقه لاستعادة الحقيبة منه على أن يتم إعطاء حقيبة بديلة لبايدن ضمن مراسم التنصيب، فإن هذا التصرف كافٍ وحده لتحديد مستوى النضج الانفعالي المتدني لهذا الطفل الكبير!

وقد عرّض بايدن بترامب في خطاب تنصيبه رئيسًا، وشبهه بهتلر –مع عدم التصريح بالمشبه به- عندما تحدث عن إثارة النعرات العرقية، وأنه كرئيس لكل الأمريكيين لن يسمح بتلك الدعوات العنصرية التي تتحدث عن سيادة العرق الأبيض في أمريكا، واستعان بقس أسود ليلقي كلمة في حفل التنصيب، وغنت كل من ليدي جاجا البيضاء وجنيفر لوبيز السمراء في الحفل، فالرجل لا يفوت فرصة دون التذكير بضرورة تقدير التنوع واحترام الآخر، وهو منفتح ثقافيًا مع درجة عالية من التدين، ومشكلتنا الوحيدة معه كعرب ستكون في أنه ككاثوليكي –ولا شك- مقتنع بأن الله قد كتب الأرض المقدسة لبني إسرائيل، وأن هذا الحكم الإلهي لم يُنسخ، ومع شديد الأسف أن لا يوجد سياسي أو مفكر عربي مقرب من الدوائر الأمريكية يحاول إفهام رؤساء أمريكا أن هذا الحكم قد نُسخ عندما خالف بنو إسرائيل أمره تعالى بدخول الأرض المقدسة ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: 22] ثم أكثروا الجدال حتى قالوا: ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]. ولكن مع ذلك –ومن خلال فهمي وتحليلي لشخصية الرجل- أثق أن بايدن سيحاول الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، وهو ما رأينا بوادره في تغيير مسمى منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل إلى سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وعودة المساعدات للأونروا.

في القرن العشرين لم يصل هتلر إلى منصبي المستشارية والرئاسة في ألمانيا على ظهر دبابة، وعانى العالم بأسره ويلات بسببه، وأمثال ترامب وهتلر يثبتون أن للديمقراطية مساوئها التي قد لا تقل عن مساوئ أعتى الديكتاتوريات، والخوف الآن أن يعود ترامب للتأثير على الرعاع من أنصاره وإثارتهم من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ودفعهم إلى العودة لإحداث الشغب، والمفترض أن يتم حظر هذا الرجل تمامًا من استخدام جميع أشكال هذه الوسائط، لا أن يُسمح له بإعادة استخدامها بعد أسبوع من يوم التنصيب ليتسبب في زوبعة جديدة، وهو الذي خرج من البيت الأبيض مرددًا لمن وقفوا في وداعه أنه سيعود بطريقة أو بأخرى!

 

د. منى زيتون

الجمعة 22 يناير2021

 

 

ما بعد الحداثة

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عدنان عويّد

عدنان عويدPostmodernism

By mary klages

ترجمة: د. عدنان عويّد

From Continuum Press، January 2007


ما بعد الحداثة، مفهوم معقد، حيث يبقى التعقيد قائماً في تقديم تعريف دقيق ومحدد لهذا المفهوم أو المصطلح، كونه قد ظهر أو تجلى في دراسات أو مجالات دراسية أكاديمية كثيرة ومتنوعة شملت، الفن، هندسة العمارة، الموسيقى، السينما، الأدب، السوسيولوجيا، الاقتصاد، الأزياء، التكنولوجيا...وغيرها، لذلك من الصعوبة بمكان تحديد موقع مفهوم ما بعد الحداثة، هل هو معاصر؟، أم قديم؟، بل أن الصعوبة نجدها أيضا في قدرتنا على تحديد بداية هذا المفهوم .

ربما يكون الطريق الأكثر وضوحاً في تحديد بداية التفكير أو النظر بمفهوم أو ظاهرة ما بعد الحداثة، يأتي مع التفكير بموضوع الحداثة ذاتها، وهو التيار الذي ظهرت أو خرجت من عباءته ما بعد الحداثة، علما أن الحداثة في الحقيقة امتلكت وجهين أو أنموذجين من التعاريف كلاهما متعلق بمفهوم ما بعد الحداثة .

الأول: وقد جاء من الاتجاه الجمالي الذي غالبا ما نعت أو ارتبط بالحداثة، وهذا الاتجاه تلامس بشكل حاد مع أفكار الغرب المتعلقة بالفن في القرن العشرين، علما أن آثار هذا التيار أو الاتجاه نجد إرهاصاته الأولية في القرن التاسع عشر.

والحداثة المعاصرة كما هو معلوم، هي على الأغلب، تيار يصب عموما في الفنون المرئية أو البصرية، مثل الموسيقى، الأدب، المسرح، وهي فنون ترفض مقاييس العصر (الفيكتوري) الذي يؤكد على ضرورة تحديد ماذا يجب أن يصنع الفن؟، وكيف يستهلك؟، وما هي أهدافه؟ . علما انه في فترة صعود الحداثة ما بين / 1910- 1930 / تقريبا، نجد أن معظم الشخصيات الكبيرة المهتمة في الحداثة الأدبية التي اعتبرت من مؤسسي حداثة القرن العشرين أمثال: ( Woolf، Joyce، Eliot، Pound، Stevens، Proust، Mallarme، Kafka، Rilke)، قد ساعدت بشكل متطرف مثلا على إعادة تحديد ماذا يجب على الشعر والرواية أن يكونا؟، بل وماذا يقدما أيضا؟ .

الثاني: وقد جاء من الاتجاه الأدبي، حيث نجد أن المميزات الأساسية للحداثة هنا تتضمن التالي:

1- التأكيد على الانطباعية والذاتية في الكتابة (والفن البصري أيضا)، ثم التأكيد على كيفية إمكان أن تأخذ الرؤيوية، وقراءة الذات، أو الملاحظة نفسها في الأعمال الأدبية، بدلا من التركيز على ما هو ملاحظ، أو معطى بشكل مباشر للأديب أو الفنان.

2- دعوة تيار الحداثة هنا للوقوف بعيدا عن الأهداف الظاهرية، وضرورة الإمساك قدر الإمكان بالشخصية الروائية الثالثة العالمة بكل شيء، مع التأكيد على وجهة نظر الرواية، و الجوانب الأخلاقية فيها .

3- بروز الضبابية في حالات التمايز بين الأنواع الأدبية، حيث بدا الشعر هنا أكثر وثائقية، والنثر أكثر شعرية .

4- جاء التأكيد هنا أيضا على تشضي الظواهر أو الأشكال، وعشوائية (الكولاج) للمادة المختلفة، ورفض استمرارية السرد الروائي .

5- التأكيد على الانعكاسية، أو الوعي الذاتي عند إنتاج الأعمال الأدبية أو الفنية، على اعتبار أن كل قطعة منتجة تلفت الانتباه لوضعها كمنتج شأنه شأن أي شيء ينتج ويستهلك في طرق خاصة.

6- رفض الأشكال الجمالية المتقنة الصنع، مع تفضيل الأشكال المتطرفة، والتأكيد أيضا على رفض العدد الأكبر من النظريات الجمالية التقليدية، والتركيز على ما يدعوا إلى استخدام العفوية في الكشف الإبداعي .

7- رفض التمايز بين الثقافات (العالية) و(المتدنية) أو الشعبية، فكلا الثقافتين عند اختيار مواد الإنتاج الفني أو الأدبي يستخدم هذه المواد في الإنتاج، وأساليب العرض، والتوزيع، والاستهلاك.

إن مفهوم مابعد الحداثة في سياقه العام يشبه حداثة القرن العشرين ويتضمن الكثير من أفكارها التي جئنا عليها أعلاه .فتيار ما بعد الحداثة يرفض الحدود بين الأشكال العالية والهابطة للفن، كما يرفض حالات التزمت الداعية إلى التمييز بين الأنواع الأدبية، ويؤكد على الآثار الأدبية والفنية الساخرة، الكولاج، المعارضة، التهكم،عدم الجدية، المزاح، الفعل الانعكاسي أو (الانعكاسية)، الذاتية عدم الاستمرارية (وبخاصة في التراكيب الروائية)، الغموض، المحاكاة، التشضي أو (التفكيكية)، ثم التأكيد أيضا على بناء ومركزة المواضيع اللا إنسانية .

نقول: في الوقت الذي راح فيه تيار ما بعد الحداثة يتقاسم أو يتشارك في قسم كبير من هذه الصفات أو الميزات مع تيار حداثة القرن العشرين المأتي عليها أعلاه، فهذا يعني في المحصلة انه راح يبتعد أيضا عن تيار الحداثة التقليدية في الكثير من النقاط، ففي الوقت الذي نجد فيه الحداثة التقليدية عند ميلها لعرض المشاهد الجزئية (التفكيكية) والذاتية في التاريخ الإنساني، نجد في المقابل ان هذا العرض للجزئيات بالنسبة لما بعد الحداثة شيئا تراجيديا... شيئا يدل على الفاجعة والندب والخسارة. ثم في الوقت الذي نرى فيه بعض الحداثيين التقليدين يعملون لدعم الفكرة التي تقول إن العمل الفني يستطيع دعم الوحدة والانسجام، وتحقيق الهدف الذي أصبح غائبا في معظم الحياة الحديثة أو المعاصرة، وأنه - أي الفن - سوف يعمل على إنجاز ما عجزت عنه المؤسسات الإنسانية الأخرى، نجد في المقابل أن ما بعد الحداثة هنا لم تفجع على الفكرة التجزيئية أو التفكيكية، وعلى الوقتية أو الظرفية، أو الفوضى بل راحت تعمل أو تشتغل على كل ذلك . وهي تتساءل، هل العالم بدون معنى؟، ثم تجيب عن تساؤلها قائلة: لا تدعنا ندعي أن الفن يستطيع عمل معنى، بل دعنا نلعب مع الهراء !!.

نظرة أخرى حول العلاقة مابين الحداثة وما بعد الحداثة تساعدنا على توضيح التمايزات بين التيارين، حيث يرى بعض المهتمين بهذا الشأن من الكتاب والباحثين أن الحداثة وما بعد الحداثة هما في المحصلة تشكيلات ثقافية تجمع بشكل خاص معطيات أو محطات من الرأسمالية، عمل الكاتب والباحث Frederic Jameson على تحديدها بثلاث محطات أساسية أنتج منها تجارب ثقافية خاصة تشير إلى نوع الفن والثقافة المنتجة .

المحطة الأولى: وهي محطة السوق الرأسمالية التي ظهرت في القرن الثامن عشر وأواخر القرن التاسع عشر في أوربا الغربية عموما، وفي بريطانية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص (وكل تأثيرات محيطاتها) . هذه المرحلة ترافقت مع التقدم التكنولوجي بشكل خاص، أي مع زمن الآلة البخارية، وما رافقها فنيا من جماليات ارتبطت بالمدرسة الواقعية.

المحطة الثانية: ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، حيث عرفت هذه الفترة بفترة الرأسمالية الاحتكارية، وهذه ترافقت بدورها مع الثورة الكهربائية وآلة الاحتراق الداخلي، وفنيا مع معطيات الحداثة .

المرحلة الثالثة: وهي المرحلة التي نحن فيها الآن، أي مرحلة الشركات المتعددة الجنسيات والمجتمع الاستهلاكي الرأسمالي (أي المرحلة التي يؤكد فيها على أوضاع التسويق والبيع والاستهلاك البضاعي)، هذه المرحلة ترافقت مع تكنولوجيا الذرة والاليكترونيات، و فنيا وأدبيا مع معطيات ما بعد الحداثة

مع هذا التعريف أو التوصيف الذي قدمه (Jameson) لما بعد الحداثة عبر أساليب الإنتاج أو التطور الذي حدث على التكنولوجيا، وما رافق هذا التطور من تغيرات أصابت الفن والأدب كما تبين لنا أعلاه، يأتي هنا تعريف آخر لما بعد الحداثة أيضا مرتبطا بتاريخ السوسيولوجيا أكثر من ارتباطه بتاريخ الأدب والفن.

إن اقتراب مفاهيم ما بعد الحداثة من المصطلح الاجتماعي كليا ووضعه في نطاق المواقف الاجتماعية/ التاريخية، جعل تيار ما بعد الحداثة على ما يبدو أكثر وضوحا عند مقارنته بمفهوم الحداثة، حيث يتبين لنا هنا أن مفهوم ما بعد الحداثة يصبح في الواقع أقرب للحداثة منه إلى ما بعد الحداثة .

على العموم إن الحداثة تشير إلى اتجاهات جمالية واسعة راحت تنتشر في القرن العشرين، والحديث يشير أيضا هنا إلى انطلاق أفكار فلسفية وسياسية وأخلاقية دعّمت أسس وجود الجمال للحداثة، والحديث كمفهوم، هو دائما أقدم من الحداثة كمفهوم أيضا،ومصطلح الحديث تم الحديث عنه سوسيولوجيا أول مرة في القرن التاسع عشر لتوضيح حالة التمايز بين العهد السابق الذي نعت بالعهد القديم، والعهد الحالي، ومع ذلك، فالفلاسفة والمفكرون المهتمون بهذا الشأن الثقافي يتساءلون دائما متى بالضبط بدأت فترة الحداثة؟، وكيف التمييز بين ما هو حديث وغير حديث؟

يبدو أن فترة الحداثة انطلقت مبكرة، وهذا ما أكده الكثير ممن أرخ لها، ولكن على العموم إن عهد الحداثة كما يقول بعض المؤرخين ارتبط مع التنوير الأوربي الذي بدأ بشكل فاعل في منتصف القرن الثامن عشر، وهناك من المؤرخين الذين تتبعوا عناصر التفكير التنويري، يقولون أن بدايته تعود لفترة عصر النهضة، أو لفترة أيكرمن ذلك بكثير. بيد أن الكثير ممن اشتغل على هذه المسائل يستطيع في الواقع القول بأن التفكير التنويري بدأ مع القرن الثامن عشر، وتحديدا منذ عام / 1750 /، وأن الأفكار الأساسية للتنوير تعتبر بشكل دقيق هي ذاتها الأفكار الأساسية للحركة الإنسية، هذه الأفكار التي يمكننا الإشارة إلى أهمها هنا وهي:

1- التأكيد على الثبات، التماسك، معرفة الذات، أو ما يسمى بالوعي العاقل المستقل ذاتيا، والكوني، والذي لا يوجد شروط فيزيائية، أو فروقات أو اختلافات كبيرة جداً تؤثر على كيفية عمل هذه الذات .

2- إن هذه النفس أو الذات تعرف نفسها، وأن العالم عبر العقل والعقلانية، قد َثَبُتَ كأعلى صيغة أو شكل للفعالية العقلية، وكصيغة ذاتية فقط .

3- إن أسلوب المعرفة قد أنتج من قبل العقل الذاتي نفسه، وهو (العلم) الذي يستطيع دعم الحقائق الكونية المحيطة بالعالم دون اعتبار لأوضاع الفرد العارف .

4- إن المعرفة المنتجة من قبل الِعلم تكون (حقيقية) ومطلقة .

5- إن معرفة الحقيقة أُنتجت بالعلم، (بالمعرفة العقلية الذاتية نفسها) الذي سوف يقود باتجاه التقدم والكمال، وكل الهيئات والخبرات الإنسانية يمكن أن تفسر أو تحلل بالعلم (العقل الذاتي) وتسير نحو التحسن .

6- إن العقل هو الحكم النهائي في تحديد ماهي الحقيقة،، وما هو الأصح والجيد وما هو القانوني وما هو الأخلاقي. والحرية هنا اشتملت على إطاعة القانون الذي يراعي المعرفة التي اكتشفت بالعقل .

7- في النظام العالمي، إن الحكم بالعقل، يعتبر حقيقة تدل دائما على الشيء الجيد والصحيح والجميل، وهذا يحول دون أن يكون هناك صراع ما بين ما هو حقيقي وما هو صحيح .

8- إن العلم وفق هذه المعطيات سيقف بالضرورة كمثال أو أنموذج لكل الصيغ المعرفية ذات الطابع الاجتماعي النافع. فالعلم في حقيقة أمره محايد، وذاتي، وهؤلاء العلماء الذين أنتجوا المعرفة العلمية عبر إمكانياتهم العقلية المجردة وغير المتحيزة، يجب أن يكونوا أحرارا في إتباع فوانيين العقل، وأن لا تؤثر في مواقفهم الحيادية اهتمامات المال والسلطة .

9- اللغة، أو الأسلوب الانطباعي الذي استخدم في إنتاج ونشرا لمعرفة، يجب أن يكون عقلانيا أيضا، ولكي يكون عقلانيا، يجب على اللغة أن تكون شفافة، وتعمل فقط لتمثيل العالم العياني الحقيقي الذي يلاحظه العقل المنطقي. وهنا يجب أن يكون الثبات والعلاقة الموضوعية بين المواضيع المشاهدة في الواقع أو العيانية، والكلمات التي تستعمل لتسميتها أو ترميزها .

هذه هي بعض المعطيات الأساسية للحركة الإنسية، أو لما سمي أيضا بالحداثة... هذه المعطيات قادرة في الحقيقة وإلى حد كبير أن تبرر وتوضح بشكل عملي كل بنانا أو تراكيبنا الاجتماعية ومؤسساتنا بما فيها الديمقراطية، القانون، العلم، الأخلاق، والجماليات .

على العموم، إن تيار الحداثة في سياقه العام إذا ما قيس بتيار ما بعد الحاثة يعتبر قريبا من التنظيم، والعقلانية، والانسجام، وهو يسعى لخلق النظام من الفوضى، على افتراض أن ذلك الخلق يكون أكثر عقلانية، وباعثا ومعينا على خلق مساحة أخرى أوسع للتنظيم، وذلك كون المجتمع الأكثر تنظيما، (عقلانية) هو من سيعمل أكثر. والمجتمعات الحديثة أو المعاصرة تظل دائما ملاحقة أكثر من غيرها بمستويات وأشكال عديدة من التنظيم، وهي تعمل بشكل مستمر على مقاومة أي شيء يدعي الفوضى التي ربما تعطل التنظيم أو النظام. من هنا نجد أن المجتمعات الحديثة أو المعاصرة تعتمد على تأسيس ذلك التناقض الثنائي بين (النظام) و (الفوضى)، لذلك هي تؤكد دائما على تفوق (النظام)، ولتحقيق ذلك، يتطلب منها أن تمتلك أشياء تمثل (الفوضى)، وهذا يعني، أن على المجتمعات الحديثة خلق حالات (الفوضى) باستمرار - وبخاصة في المجتمعات الغربية – هذه الفوضى التي أصبحت بالضرورة الطرف الآخر في طبيعة معادلة التضاد الثنائي المشار إليها أعلاه، أي نظام / فوضى . ومن هنا يقال إن كل شيء في المجتمعات الحديثة راح يحمل جزءا من الفوضى بالضرورة.

إن الطرق التي ذهبت فيها المجتمعات الحديثة لخلق تلك التصنيفات التي اتسمت بالنظام أو الفوضى يجب عليها أن تعمل بجد لإنجاز الاستقرار، الأمر الذي دفع أحد منظري ما بعد الحداثة وهو: ( Francois Lyotard) في أحد مقالاته المتعلقة بما بعد الحداثة ليساوي مسألة الاستقرار بالشمولية أو بالنظام الشمولي، وهذا ما أكد علية أيضا (جاك ديدرا) الذي ربط فكرة الشمولية بالنظام التام .

إن الشمولية، والاستقرار، والنظام، ناقشها (Lyotard) على أنها مصانة في المجتمعات الحديثة أو المعاصرة عبر الرؤى الشمولية التي يمثلها على المستوى الأدبي ماسمي ( grand narrative) أو (master narratives) أي ماسمي بـ (الروايات العظيمة)، وعلى المستوى السياسي بـ (الآيديولوجيا الشمولية) لتي تحاول نقل وتفسير كل شيء في المجتمع. فالرواية العظيمة في الثقافة الأمريكية ربما تكون قصة الديمقراطية، وهي صيغة الحكم الأكثر تنويرا و(عقلانية)، هذه الديمقراطية التي تستطيع أن تؤدي إلى السعادة العالمية كما تدعي هذه الرواية .

إن كل نظام يمتلك معتقداً أو أيديولوجيا، هو يمتلك (رواية عظيمة) وفقا لرؤية ( Lyotard)، وهذه (الرواية العظيمة) نجدها في الماركسية أيضا حيث جاء فيها أن الرأسمالية سوف تنهار من نفسها، وأن عالم مجتمع (اليوتوبيا) المساواة المطلقة سوف يتحقق . (إن القول بأن الماركسية تدعي بفكرة المساواة المطلقة، هو قول لا يمت إلى الماركسية بصلة، وهو تجني على الفكر الماركسي – المترجم)

إذن، إن (الرواية العظيمة) هي في المحصلة نوع من النظريات الخيالية أو الآيديولوجيا الخيالية، وهي في تطبيقاتها العملية والنظرية ليست في الأمر أكثر من أيديولوجيا تقوم بتفسير أيديولوجيا أخرى .

لقد ناقش ( Lyotard) معظم وجوه المجتمعات الحديثة بما فيها العلم كصيغة أولية للمعرفة، معتمدا على تلك الروايات العظيمة، فوجد أن (ما بعد الحداثة) هي ليست أكثر من نقد لهذه الروايات العظيمة، وإدراك يخدم في نهاية المطاف التناقضات وعدم الاستقرار اللذين راحا يتجذران في كل تنظيم أو خبرة اجتماعية .

إن تيار ما بعد الحداثة في الوقت الذي يرفض فيه الروايات العظيمة، فهو يعمل في الحقيقة على تفضيل الروايات (الصغيرة)، التي تروي الأحداث المحلية، أي هو يرفض المفاهيم الكبير ذات الطابع الكوني ويتبنى المفاهيم الصغيرة أو المفاهيم التي تتناول جزئيات الحياة، وذلك على اعتبار أن ما بعد الحداثة هي دائما مع المسائل الموضعية والمؤقتة والطارئة والمرحلية، أي هي مع (التفكيكية)، لذلك هي لا تدعي بأنها تتعامل مع القضايا ذات الطابع العالمي والحقيقي والعقلاني والمستقر .

في الفقرة التاسعة المتعلقة بسمات التفكير التنويري التي أشرنا إليها أعلاه، والتي تشير فكرتها إلى أن اللغة يجب أن تكون شفافة، فهذه الرؤية في الواقع لاتقد م اللغة إلا كونها رموزا للأفكار أو الأشياء، ولا يمكنها أن تمتلك القدرة على الفاعلية أكثر من ذلك. فالمجتمعات الحديثة تعتمد أساسا على الفكرة التي فيها يشير الدال على المدلول،على اعتبار أن الحقيقة هنا قد استقرت في الدلالة .

على أي حال، في مفهوم ما بعد الحداثة، نجد هناك فقط الدلائل، أما الفكرة الدالة على أي حقيقة بارزة فتختفي، ومع اختفائها يختفي أيضا جوهر الفكرة ذاتها التي تقول: إن الدال يدل على المدلول. ففي مجتمعات ما بعد الحداثة نجد هناك فقط المظاهر الخارجية التي تفتقد العمق أو الجوهر.

بتعبير آخر، في مجتمع ما بعد الحداثة لا يوجد هناك أصول أو جذور للظاهرة المعبر عنها فنيا أو أدبيا، هناك أشكال أو نماذج، أو ما يدعى بالصور الزائفة simulacra)) فقط . فلو أخذنا على سبيل المثال فن الرسم أو النحت فسنجد هنا أعمالا أصيلة، أو ربما آلاف الأعمال الأصيلة، بيد أن الأصالة هنا لا تتحدد بجذورها وبعمقها الإنساني أو بقيمتها التنويرية، وإنما تتحدد وبشكل خاص (بالقيمة النقدية)، وهذا ما نجده على سبيل المثال لاالحصر عند مقارنتنا لمفهوم الأصالة في الأعمال الفنية ما بين التسجيلات الموسيقية المعاصرة مثلا، واللوحات الزيتية في الرسم لكبار الرسامين الكلاسيكيين، ففي التسجيلات الموسيقية المعاصرة تُفتقد الأصالة، وربما تُستهلك هذه المقطوعة الموسيقية أو الأغنية خلال أسابيع أو أشهر أو عدة سنيين في أقصى الحالات، بينما نجد الأصالة قائمة في تلك الواحات الفنية التي تعلق على الجدران وتحفظ في الأماكن السرية أو المحاطة أمنيا .

نعم، إلى حد ما هناك فقط توجد صور أو أشكال مجسدة فنيا، ففي مرحلة ما بعد الحداثة راحت تقدر فيها قيمة اللوحة الفنية - على سبيل المثال - بملايين الدولارات، في الوقت الذي افتقدت فيه هذه الأشكال أو الصور أو اللوحات أصالتها وجوهر إبداعها لا لكونها تناولت أشكال الظواهر فحسب، بل كونها فقدت شعبيتها أيضا وأصبحت خاصة لمن يمتلك ثمنها، أي لمن يمتلك الجيب المليء .

على أية حال إن المعرفة في مجتمعات الحداثة تأتي من أجل المعرفة نفسها، فالمرء على سبيل المثال يكسب المعرفة هنا عن طريق التعلم كي يصبح واسع المعرفة... كي يصبح شخصا مثقفا أو متعلما، هذه هي الفكرة الليبرالية عن تعلم الفنون في المجتمعات الحديثة، أما في مجتمع ما بعد الحاثة، فالمعرفة في الواقع أصبحت عملية بحت، فأنت تتعلم أشياء ليس من أجل معرفتها، بل لتحويل هذه المعرفة إلى وسيلة أو مهارة. فتعليم السياسة للفرد مثلا، يؤكد على المهارات والتدريبات بدلا من تأكيده على تعلم قيم ومثل إنسانية وإبداعية لم تكن معروفة له من قبل، وهذا ما ينطبق عليه المثل القائل لحملة الشهادات العلمية (ماذا سوف تعمل بشهادتك العلمية؟)

إن المعرفة في مجتمعات ما بعد الحداثة لم تتميز بفائدتها (كمعرفة عملية)، وإنما تميزت بمسائل توزيعها وتخزينها وتنظيمها بشكل مختلف عما هي عليه في المجتمعات الحديثة، فوجود تكنولوجيا لاليكترونيات والكمبيوتر في مجتمعات ما بعد الحاثة قد أوجد ثورة في نماذج إنتاج المعرفة وتوزيعها واستهلاكها (البعض يقول: إن أفضل ما وصف به مجتمع ما بعد الحداثة هو ظهور تكنولوجيا الكومبيوتر التي انطلقت بشكل فاعل عام " 1960 " كقوة مسيطرة على معظم أوجه حياة المجتمع) .

في مجتمعات ما بعد الحداثة، إن أي شيء، لا يكون صيغا متميزة و قابلا للانتقال والتخزين في الكومبيوتر، - أي يتحول إلى شيء قابل للترقيم -، فسوف يتوقف عن أن يكون معرفة . فوفقاً لهذا المعطى، فإن عكس (المعرفة) لن يكون (الجهل) كما كان مقررا في الحركة الإنسية الحديثة، وإنما (الضجيج) هو من سيكون عكس المعرفة. فأي شيء في الواقع لا يعلن أهليته كنوع من المعرفة هو في حقيقة أمره (ضجيج)... هو شيء غير متميز داخل هذا النظام .

يقول (Lyotard) إن السؤال المهم لمجتمعات ما بعد الحداثة هو، من يقرر ماذا تكون المعرفة؟، وماذا يكون الضجيج؟، ومن الذي يعرف ما ذا نحتاج لنقرر قرارات حول المعرفة لا تشتمل هنا قابليات الحركة الإنسية القديمة التي تفرض المعرفة كحقيقة (سجية تكنولوجية) أو إصلاح وعدالة (سجية أخلاقية)، أو حالة جمالية (سجية إبداعية)؟، إن ما ناقشه (Lyotard) أو أراد قوله على الأغلب في هذا الاتجاه هو أن المعرفة تتبع أنموذج (لعبة اللغة) .

إن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح حول موضوعة ما بعد الحداثة، بيد أن هناك سؤالا هاما في الحقيقة من بين هذه الأسئلة، يتضمن آراء تطرح بكل بساطة مثل: هل سيكون هذا التيار باتجاه التشضي، الانطباعية، الوقتية، الشكلانية، وفوضوية أي شيء جيداً كان أم سيئاً؟ . وهناك العديد من الأجوبة أيضا تجيب على هذا السؤال. ففي المجتمعات المعاصرة نجد في الحقيقة الرغبة في العودة إلى عهد ما قبل مرحلة ما بعد الحداثة، أي إلى (الحركة الإنسية – التفكير التنويري)، بل هناك ميل للتواصل مع وشائج سياسية ودينية ورؤى أو نظريات فلسفية لها توجهات محافظة في الحقيقة، فواحدة من تجليات مرحلة ما بعد الحداثة هي ظهور التطرف الديني، كصيغة مقاومة تستجيب مع مفهوم (الرواية العظيمة) للحقيقة الدينية، والتطرف السياسي أيضا، هذا التطرف ربما نجده الآن أكثر وضوحا في سياسات المحافظين داخل الحكومة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما وجدنا التطرف الديني الإسلامي في الشرق الأوسط، الذي تصدى مثلا للعديد من الكتب التي تعبر عن مرحلة ما بعد الحداثة مثل كتاب (آيات شيطانية) للروائي (سلمان رشدي).

إن هذا الترابط بين مقاومة تيار ما بعد الحداثة والميل نحو النزعة المحافظة داخل تيار ما بعد الحداثة، ربما يوضح إلى حد بعيد لماذا يقر تيار ما بعد الحداثة التفتيتية، والتعددية، وامتلاك القدرة على جذب الليبراليين والراديكاليين معا .

على المستوى الأخر، يبدو أن تيار ما بعد الحداثة يَقدم على عرض بعض البدائل لتشارك الحضارة الكونية قضايا الاستهلاك، حيث نجد البضائع وصيغ المعرفة تعرض بالقوة في هذه السوق الكونية بعيدا عن التوجهات أو الرغبات الذاتية، هذه البدائل المقترحة أو المقدمة في تيار ما بعد الحداثة، ركزت على ضرورة أن يكون كل عمل أو نضال اجتماعي ذا طبيعة محلية، ومحدوداً، وجزئياً، وإلى حد ما عليه أن لا يفقد نشاطه وفاعليته.

إن تيار ما بعد الحداثة وفق هذه المقترحات، يسعى في المحصلة إلى إبعاد تفكير (الروايات العظيمة) التي تقول مثلا (الحرية لكل الطبقات العاملة) على سبيل المثال لاالحصر، والتركيز على الأهداف المحلية .

إن الآراء السياسية لما بعد الحاثة تقدم نظرية تسعى للارتباط بالأوضاع المحلية التي تمتاز بالنسبة لهذه الآراء بالليونة وغير معروفة سابقا أو متوقعة، إضافة لتأثرها بالميول والرغبات الكونية . لذلك من هنا يأتي شعار سياسات تيار ما بعد الحداثة ليقول: يجب عليك أن (تفكر عالميا)، (وتعمل محليا) ولا تغضب من أي رواية عظيمة، أو نظرية شمولية .

 

كاتب وباحث من سورية.

 

مصطفى كمال والريادة الفكرية في علم الكيمياء

التفاصيل
كتب بواسطة: د. محمود محمد علي

محمود محمد عليمن الأمور العسيرة أن يحاول المرء أن يكتب عن إنجازات إنسان قريب إلي عقله وقلبه، فالموضوعية والحياد قد لا يتوافران بالقدر الكافي، لكني سأحاول قدر الإمكان أن أكون موضوعيا في حديثنا عن عالمنا الكبير . ينتمي الدكتور مصطفي كمال رئيس جامعة أسيوط، روحاً ومكانة، إلي الجيل الموسوعي من العلماء الذين يصعب أن تحدد ميداناً بعينه لإسهاماتهم، فعلي الرغم من أن التخصص الدقيق للدكتور هو الكيمياء، إلا أن بحوثه العلمية تعدت هذه المجالات إلي ميادين وموضوعات أكثر رحابة وتنوعاً .

والأستاذ الدكتور ” مصطفى محمد كمال محمد علي” (أستاذ الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية)؛ يعد من كبار علماء الكيمياء في مصر وفي العالم العربي، الذين استطاعوا بحوثهم ومؤلفاتهم أن ينقلوا البحث في الكيمياء من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارمة إلي أبعد حد: فالنص العلمي لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

كان الدكتور مصطفي كمال قمة في التواضع، فهو الإنسان بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهب حياته كلها للجامعة : تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات أستاذ جامعي يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنه يمثل القدوة والريادة وستظل كتاباته تمثل المنارة التي يهتدي بها الإنسان في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة الفكر، وما أعظمها من شعلة .

ولد مصطفى كمال (مع حفظ الألقاب) في السابع من شهر يناير عام 1953م بمدينة بني مزار بمحافظة المنيا، حيث حصل على درجة البكالوريوس فى العلوم - كيمياء – بتقدير جيد جداً دور يونيو 1974م؛ ثم حصل على درجة الماجستير فى العلوم – كيمياء – اعتبارا من 25/10/1977م، ثم حصل بعد ذلك علي درجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم – كيمياء اعتبارا من 20/10/1981م، وخلال تلك الفترة تدرج في المناصب الإدارية بدءا من معيد ومدرس مساعد بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط فى الفترة من (1977 /1974)، مـدرس قسـم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 13/12/1981م، وأستاذ مساعد بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 14/12/1986، وأستاذ بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 12/1/1992م. وخلال تلك الفترة بزيارة كثير من دول العالم من خلال المهمات والزيارات العلمية، كما حضر كثيرا من المؤتمرات العلمية وورش العمل الدولية والمحلية، كما أشرف علي كثيرا من بحوث رسائل الماجستير والدكتوراه، كما قام بتحكيم العديد من الأبحاث العلمية فى مجال الكيمياء التحليلية للعديد من المجالات المحلية والإقليمية.

كما أشرف على الشعبة الكيميائية بمعهد دراسات وبحوث تكنولوجيا صناعة السكر بالجامعة اعتبارا من 1-2-2003، أستاذ زائر بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة الإمارات العربية المتحدة في الأعوام الأكاديمية من 1991-1993، وأستاذ بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة الإمارات العربية المتحدة فى الفترة من سبتمبر 1994 وحتى سبتمبر 2000م، ووكيل كلية العلوم لشئون التعليم والطالب ـ جامعة أسيوط من 2003-2004، وعميد كلية العلوم ـ جامعة أسيوط اعتبارا من 2004-2006، ورئيس جامعة سوهاج من 2006-2008، ورئيس جامعة أسيوط بالتعيين من 2008-2011، ورئيس جامعة أسيوط بالانتخاب من 2011-2013، وهو الآن يشغل منصب رئيسا لجامعة بدر منذ 2014 وحتي الآن.

ولم يكن مصطفي كمال ممن يحرصون علي غزارة الإنتاج، بل كان في عمله العلمي يغلب عليه الكيف علي الكم، وكان في ذلك متسقاً مع نفسه تمام الاتساق، فقد كان يبحث دائماً عن النوعية من الحياة، ويعرف كيف يتذوقها، ويُرضي بها حسه المرهف. ولكن لعل السبب الأهم في عزوفه عن الإنتاج الغزير، برغم قدرته عليه، هو أنه كان من ذلك النوع النادر من الأساتذة، الذين يلمعون ويمارسون أعظم تأثير لهم من خلال اللقاء المباشر بينهم وبين تلاميذهم، لا من خلال اللقاء غير المباشر عبر الكتب والبحوث.

ولم يكتف مصطفي كمال بالإلمام بمقتضيات البحث العلمي في مجال الدراسات الكيميائية أو ترسيخها في قلوب وعقول تلامذته وكل من يستمعون إليه، بل كان له السبق في استبطان عقول من يشرف علي رسائلهم ؛ بمعني أنه كان مقتنعاً تماماً بأن لكل باحث شخصيته وميوله، فمنهم من يميل إلي المنهج التاريخي المقارن، ومنهم من يميل إلي التحليل والتعمق، في حفر الأفكار، فلم يحرم هؤلاء أو هؤلاء من ميولهم، ولكنه أضاف إليها، فحافظ علي شخصية تلامذته والقواعد العلمية في آنا واحد، مما يندر أن يتوفر عند أساتذة كثيرين.

كما جمع مصطفي كمال بين الأفق الفلسفي الواسع، والرؤية العلمية المحددة، وهنا يتضح عدم تعصبه لتوجه أيديولوجي، فلم يكن وضعياً ولا برجماتياً ولا وجودياً، ولا متمذهبا بأي حال من الأحوال فموضوعتيه غلبت عليه في كل أحكامه، وأراءه وعندما يوجه سهام نقده لأى من هذه المذاهب فهو لا ينكرها أو يريد هدمها أو نقضها، إنما يطالب بإعادة النظر إليها لاشتمالها علي نقائض وعيوب، كما يهتم بصياغة المصطلح صياغة فلسفية، وعلمية دقيقة ويظهر التفرقة الواضحة بين الصياغتين.

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ الاكاديمي حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ العالم.

تحية طيبة لمصطفي كمال الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للعالم الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفردا.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

 

عبد الرحمن الخميسي.. إيقونة الادب والفن

التفاصيل
كتب بواسطة: د. يسري عبد الغني

يسري عبد الغنيعبد الرحمن عبد الملك الخميسي مراد (13 نوفمبر 1920 – 1 أبريل 1987)، شاعر مصري رومانسي تقلب بين مختلف ألوان الفن في الشعر والقصة والمسرح والتمثيل والصحافة والتأليف الإذاعي والإخراج السينمائي وتعريب الأوبريت بل وتأليف الموسيقى والأغاني كتابة ولحنا، ومذيعا عرف بأنه “صاحب الصوت الذهبي”.

ولد في 13 نوفمبر 1920 بمدينة بورسعيد. درس في مدرسة القبة الثانوية بالمنصورة لكنه لم يكمل دراسته بها. في سن مبكرة بدأ الخميسي يكتب الشعر ويرسل قصائده من المنصورة فتنشرها كبرى المجلات الأدبية حينذاك مثل “الرسالة” للأستاذ أحمد حسن الزيات، و”الثقافة” للأستاذ أحمد أمين، ثم استقر قراره على الانتقال للقاهرة عام 1936، وهناك أجبرته الظروف على العمل بائعا في محل بقالة وكومساري ومصححا في مطبعة ومعلما في مدرسة أهلية والنوم على أرائك الحدائق، كما جاب الريف مع فرقة “أحمد المسيري” المسرحية الشعبية التي كان صاحبها يرتجل النصوص. وفي فترة لاحقة دخل إلي عالم الصحافة بانضمامه إلي جريدة المصري لسان حال الوفد قبل ثورة 1952.

لمع الخميسي شاعرا من شعراء الرومانسية ومدرسة أبوللو بروادها الكبار: علي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، وإبراهيم ناجي، وغيرهم. وفي سنوات ما قبل ثورة 52 أخذت تظهر مجموعات الخميسي القصصية التي صورت طموح المجتمع المصري وخاصة الطبقات الفقيرة إلي عالم جديد. وعندما قامت ثورة يوليو، وأغلقت صحيفة المصري، اعتقل الخميسي وظل رهن الحبس من يونيه 1953 حتى منتصف ديسمبر 1956 نظرا لموقفه الداعي للتشبث بالحياة الحزبية الديمقراطية. بعد الإفراج عنه التحق بجريدة “الجمهورية” لكن الحكومة قامت فيما بعد بنقله فيما يشبه العزل السياسي مع مجموعة من أبرز الكتاب إلي وزارات مختلفة وكان نصيبه منها وزارة التموين، فألف في تلك الفترة فرقة مسرحية باسمه كتب وأخرج أعمالها ومثل فيها وجاب بها المحافظات، كما كتب للإذاعة عدة مسلسلات لاقت نجاحا خاصا أشهرها “حسن ونعيمة” التي تحولت لفيلم واعتبرها النقاد “قصة روميو وجولييت” المصرية.

انتقل إلي تعريب الأوبريتات في تجربة كانت الأولى من نوعها في تاريخ المسرح الغنائي خاصة أوبريت “الأرملة الطروب”، وألف العديد من الأوبريتات المصرية، ثم انتقل إلي تأليف وإخراج الأفلام السينمائية. إلي جانب ذلك كله كان الخميسي يواصل دوره الصحفي، والأدبي في مجال القصة والشعر، ومهد الطريق لمواهب كبرى مثل يوسف إدريس، واكتشف طاقات أخرى مثل الفنانة سعاد حسني وغيرها، وترك أثرا خاصا بدوره في فيلم الأرض ليوسف شاهين. وبرجوع الخميسي إلي جريدة الجمهورية كان أول ما نشره سلسلة من المقالات منع نشر ما تبقى منها، وبعدها هاجر الخميسي من مصر في رحلة طويلة من بيروت إلي بغداد ومن بغداد إلي ليبيا ومنها إلي روما ثم باريس ثم موسكو، حيث قضى ما تبقى من سنوات حياته في الغربة حتى وفاته في أبريل 1987، فنقل جثمانه ليدفن في المنصورة حسب وصيته الأخيرة.

قال عنه أحمد بهجت قام الخميسي بدور في: “تنوير الحياة الأدبية يشبه دور برتراند راسل في المجتمع الإنجليزي”

قال عنه يوسف إدريس إنه “أول من حطم طبقية القصة”، وأنه: “عاش قويا عملاقا مقاتلا إلي ألف عام”

كتب أحمد بهاء الدين قائلا: “دهشت عندما قرأت في نعيه أنه توفي عن سبعة وستين عاما فقط وكنت أظنه أكبر من ذلك لكثرة ما أنتج وكثرة ما عاش، وكثرة ما سجن، وكثرة ما سافر في أنحاء الدنيا، وكثرة ما ترك من الأبناء والبنات في شتى عواصم العالم”.

ترك الخميسي سبعة دواوين شعرية هي: الدواوين: أشواق إنسان (مايو 1958) القاهرة – ثم “دموع ونيران” 1962 القاهرة، ثم ديوان الخميسي دار الكاتب العربي 1967 ثم ديوان الحب 1969 القاهرة – إني أرفض ؟ بيروت – تاج الملكة تيتي شيرى 1979 بيروت– مصر الحب والثورة 1980 بيروت. وقد اعتبره الدكتور لويس عوض: “آخر الرومانسيين الكبار” وأشار إلي قصيدته “في الليل” معتبرا أنها “من أروع ما نظم شعراء العربية”. واعتبر د. محمد مندور أن الخميسي “بلغ بشعره حد السحر”.

توالت مجموعاته القصصية بعد أن أعاد صياغة “ألف ليلة وليلة الجديدة” على صفحات المصري وصدرت في جزئين، ثم ظهرت مجموعته الأولى “من الأعماق” ثم “صيحات الشعب” في نوفمبر 1952، ثم “قمصان الدم” مارس 53، و”لن نموت” مايو 1953 ثم “رياح النيران” مكتبة المعارف بيروت أبريل 1954 و”ألف ليلة الجديدة” و”دماء لا تجف” في نوفمبر 1956، “البهلوان المدهش” أكتوبر 1961 (الكتاب الذهبي روز اليوسف)، وأخيرا “أمينة وقصص أخرى” (الكتاب الماسي) عام 1962 وكانت تلك آخر مجموعة قصصية له، فلم يعد إلي فن القصة. وله أيضا قصة طويلة لم تطبع نشرت في المصري أواخر الأربعينات تحت عنوان “الساق اليمنى”.

كون الخميسي فرقة مسرحية باسمه في 21 مارس 1958 وقدمت عرضها الأول على مسرح 26 يوليو الصيفي بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليف الخميسي وإخراجه وتمثيله وهي “الحبة قبة”، و”القسط الأخير” و”حياة وحياة”. ثم قدمت فرقته مسرحية “عقدة نفسية” المترجمة عن الرواية الفرنسية “عقدة فيلمو ” لمؤلفها جان برنار لوك واقتبسها للمسرح الإنجليزي جون كلمنتس وسماها “الزواج السعيد” ثم مصرها أحمد حلمي لفرقة الخميسي. كانت عزبة بنايوتي تأليف محمود السعدني ثالث عروض الفرقة، وفيها قام الخميسي بدور كشف عن طاقاته كممثل بارع. وقدمت الفرقة بعد ذلك عملها الرابع والأخير وهو “نجفة بولاق” تأليف عبد الرحمن شوقي في مارس 1961، وجابت الفرقة محافظات القاهرة، ثم توقفت بسبب الظروف المالية.

أتجه الخميسي إلى تعريب الأوبريتات وكتابتها، فقدم أولا الأرملة الطروب عام 1961 التي وضع موسيقاها الموسيقار المجري فرانز ليهار عام 1905 وعرضت في نفس العام في فيينا، وهي من تأليف “فيكتور ليون” و”ليوشتين”. وتمكن الخميسي مع الالتزام بالترجمة الشعرية الدقيقة للنص الأصلي من اختيار وضبط الكلمات العربية شعرا على مقياس الوحدات الموسيقية والألحان الأصلية التي وضعها فرانز ليهار. وقدم الخميسي تجربة ثانية مماثلة من تعريبه أيضا هي أوبريت “حياة فنان” تأليف الموسيقار الإنجليزي ايفون نوفيللو، وكان اسمها الأصلي “السنوات المرحة” وتم عرضها بدار الأوبرا في مطلع شهر ديسمبر عام 1970، وكلفت وزارة الثقافة المخرج النمساوي توني نيسنر الذي أخرج من قبل ” الأرملة الطروب ” بإخراجها. وقدم الخميسي للمسرح الغنائي من تأليفه هي أوبريت مهر العروسة عن تأميم قناة السويس ونشر الفصل الأول منها في الجمهورية في 27 مايو 1961، وعرضت في 2 أبريل عام 1964، وفي 29 يوليه 1963 وقع الخميسي عقدا مع المؤسسة العامة للمسرح والموسيقي قدم بموجبه أوبريت جديدة من تأليفه هي الزفة لكنها لم تعرض. وخاض غمار كتابة أوبريت جديدة هي “عيد الحبايب”، كما خطط لكتابة أوبريت مشترك مع الشاعر التركي العالمي ناظم حكمت عن تاريخ كفاح الشعب المصري وذلك عندما التقى الفنانان في مؤتمر لكتاب آسيا وأفريقيا في القاهرة في فبراير 1962، لكن الظروف الشخصية للشاعرين حالت دون تحقيق ذلك الحلم.

قدم الخميسي أربعة أفلام شارك في وضع قصصها وسيناريوهاتها وألف الموسيقى التصويرية لبعضها ومثل في بعضها الآخر وهي :الجزاء 1965 بطولة شمس البارودي وحسين الشربيني – عائلات محترمة عام 1968 حسن يوسف وناهد شريف – الحب والثمن أكتوبر 1970 أحمد مظهر زيزي البدراوي – زهرة البنفسج 1972 زبيدة ثروت عادل إمام. كما قدم للسينما اكتشافه الرائع سعاد حسني في فيلم حسن ونعيمة الذي كتب له السيناريو، كما قام بأداء دور الشيخ يوسف في فيلم “الأرض” ليوسف شاهين.

قدم كتاب “الفن الذي نريده” – الدار المصرية عام 1966، وكتاب “مناخوليا – محاورات ونظرات في الفن” – وكتاب “المكافحون” وهو سير لحياة العظام مثل عبد الله النديم وغيره صدر عن مطبوعات المصري في سبتمبر 1951.

ترجم مختارات من أشعار ووردزورث، وكيتس، ثم مختارات من القصص العالمية تحت عنوان “يوميات مجنون” صدرت في كتب للجميع ما بين 1951- 1952، ثم مختارات من الشعر السوفيت عام 1985 صدرت عن دار رادوجا الروسية، ثم الصهيونية غزو بلا سلاح للكاتب فلاديمير بيجون – بيروت عام 1985.

في النهاية فقد ترجمت أعمال الخميسي إلي لغات عديدة منها الإنجليزية والروسية والفرنسية وغيرها وكانت موضوعا لرسائل الدكتوراه في جامعات أوروبية عدة.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

نهاية ترامب.. بداية لأمريكا أخرى

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عبد السلام فاروق

عبد السلام فاروقذهَب ترامب.. وانتهى عصر الحقبة الترامبية الطويلة على قصرها..

وماذا يضيرنا نحن؟.. دعونا نقول قولة العقل: (مات الملك عاش الملك)، وننصرف لمصالحنا. مصلحتنا لم تكن مع مسئول أمريكي بل مع أمريكا. وأمريكا كدولة أكبر من مجرد شخص سوف تحكمه سياسات وقوانين.

تداعيات واقعة الكابيتول

يوم واحد كان كافياً ليغير التاريخ..

إنها أحداث 24ساعة تبدَّل فيها كل شئ فى أمريكا مع الحدث الهائل والصادم: (متمردون أمريكيون يقتحمون الكونجرس)، كيف لو قيل لك منذ 3 شهور فقط أنك توشك أن تقرأ مانشيت كهذا؟ ذاك أمر يتجاوز أقصى خيال أعداء أمريكا!

وها هى التداعيات تترى تباعاً: ترامب انتهى سياسياً وتنتظره محاكمات بلا نهاية، ونواب الحزب الجمهورى سارعوا بالتبرؤ من اللعنة الترامبية لإنقاذ الحزب، ومساعدو ترامب قفزوا من يخته الغارق، وموقع تويتر أوقف حساب ترامب وحملته الإنتخابية لمنعه من التواصل مع أنصاره الذين أصابتهم عدوى التهور.

واقعة الأربعاء الأسود بالكونجرس هى حادثة فاصلة فى التاريخ الأمريكي المعاصر. وردود الأفعال ما زالت ساخنة فى أمريكا وخارجها: نانسي بيلوسي رئيسة البرلمان هددت نائب الرئيس مايك بنس إن لم يتحرك لاستخدام تعديل المادة 25 من الدستور لعزل ترامب فسوف تتحرك هى لمحاكمته برلمانياً!  زعيم الأقلية الجمهورية حذر من مغبة الانقسام المجتمعى لو تمت محاكمة ترامب قبل حفل التنصيب. السياسيون ضغطوا على ترامب لدفعه للاستقالة. وهناك 12 مليون عامل أمريكى طالبوا من خلال نقاباتهم باستقالة ترامب أو عزله فوراً.

خارج أمريكا حالة من الذهول عمت أرجاء المعمورة: قادة أوروبا فغروا أفواههم وتساءلوا عن المشاهد الغريبة فى أمريكا نموذج الديمقراطية الأمثل، كيف تم تدمير صنم الديمقراطية بها بتلك البساطة والغرابة؟ جمهوريات الموز شامتة ، وشعوب العالَم مذهولة مما رأته يجرى فى أرض الأحلام.

رؤساء أمريكيون سابقون سارعوا بالتعليق الفورى على الأحداث المؤسفة. فقال جورج بوش الإبن: (أهكذا يتم الاعتراض على الانتخابات؟! إننا لسنا فى جمهورية موز. هالنى السلوك غير المسئول لقادة سياسيين وقلة الاحترام تجاه مؤسساتنا وتقاليدنا وقواتنا الأمنية). فيما قال أوباما:( إن التاريخ سوف يتذكر أعمال العنف التى حدثت اليوم فى الكابيتول بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات. أعتبرها لحظة خزى وعار على بلدنا).

مصير ترامب..

فيما يتساءل المحيطون بترامب مندهشين: ما الذى دفع ترامب الذى كان يعتزم الترشح فى انتخابات الرئاسة 2024 للانتحار السياسي بهذه الطريقة المخزية؟ إلا أن ترامب نفسه ما زال على عناده وتمسكه بتهمة تزوير الانتخابات ورفضه لحضور حفل التنصيب وتأكيده على أنه وحده على حق، وأن الجميع مخطئون !

الأغرب أن ترامب يعتزم الإقدام على خطوة لم يسبقه لها أحد أبداً. فقد كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن ترامب ناقش مع نائبه مسألة منح عفو رئاسي لنفسه، حتى يمنع أى مساءلة محتملة له بعد ترك منصبه!! فهل سيفلح فى منع مقاضاته؟

المؤكد أن ترامب نفسه قد كتب نهايته سياسياً للأبد. خاصةً وأن حاشيته وبطانته انفضوا من حوله. وأن لائحة الاتهام للمحاكمة البرلمانية سوف تتضمن تأكيداً على منع ترامب من تقلد أى منصب حكومى فى المستقبل.

الخوف من ديمومة الحالة الترامبية بعد ذهابه هو. وهى حالة غريبة من انتهاج العنف والرغبة فى التدمير. إن أحداث الكابيتول شهدت عنفاً غير مسبوق: أربعة سقطوا قتلَى من مقتحمى البرلمان، ورجل شرطة قضى نحبه، وشباب تسلقوا الجدران، وآخرون سرقوا متعلقات من البرلمان وابتسموا للكاميرات! واعتلى آخرون صهوة الخيول كأنهم فى غارة حربية! الأدهَى من هذا كله ما تم اكتشافه بعد انقشاع سحب المعمعة..

لقد اكتشفت وزارة العدل أن متظاهرين التقطوا صوراً للمكاتب، واطلعوا على ملفات سرية بعضها تمت سرقته. وهو ما استدعى تحقيقاً فيدرالياً لكشف أهداف السرقة التى تمس أمن أمريكا القومى. الأنكَى من ذلك ما تم إعلانه من القبض على رجل بحوزته شاحنة مليئة بالأسلحة والمفرقعات المتطورة، والتى إذا انفجرت كان لها تأثير قنابل النابالم الحارقة. كل هذا من كلمة تحريض خرجت من فم ترامب غير مدركٍ لعواقبها.

ما يبدو أن ترامب سينجو من الملاحقات القضائية حفاظاً على قدسية منصب الرئاسة، وأن حوادث العنف سيتم احتواءها، وأن حفل التنصيب سوف يقام واضعاً نهاية لكل تلك الفوضى. فهل سيهدأ الشارع؟ أم ستبقَى الحالة الترامبية كنوع من المعارضة الشعبوية القائمة، بعد أن استولَى الديمقراطيون على الساحة السياسية بأكملها: الرئاسة والنواب والشيوخ؟!

حزب ثالث..

تجربة ترامب وضعت سائر التجربة اليمينية الشعبوية على حافة الهاوية. لا فى أمريكا وحدها بل فى أوروبا أيضاً. وبات الناخب الأمريكي متشككاً فى سياسييه وطريقتهم فى إدارة الأمور. إذ كيف يخاطر الجمهوريون بمستقبل أمريكا على هذا النحو، فيضعون رجلاً كترامب على قمة هرم السلطة؟

مثل ذلك التساؤل إذا طاف بذهن الناخبين الأمريكيين فسيكون من تداعياته البحث عن حزب ثالث يتم تصعيده للمنافسة على الانتخابات. وهو ما سيغير منهج السياسة الأمريكية برمته. وقد تتغير طريقة إجراء الانتخابات نفسها؛ تلك التى كان من جرائها حدوث انقسام حاد فى الشارع الأمريكي، وعدد من القضايا بلغ 60 قضية تشكك فى نزاهة الانتخابات وتطعن فى ديمقراطية العم سام.

إن السياسة الأمريكية فى السنوات الأربع القادمة ستكون بالكامل فى قبضة الديمقراطيين فكيف ستدار الأمور حينئذ؟

السياسة الأمريكية بين الأب الروحى والمرأة الحديدية

وجوه نسائية كثيرة فى السياسة الأمريكية التى تغيَّر وجهها بالكامل..

وأهم تلك الوجوه المرأة الحديدية (كامالا هاريس) التى تحمل فى صوتها وأدائها جذوة القيادة وكاريزما السياسة كأنها الرئيس ذاته لا نائبته. إن(جوزيف بايدن) المخضرم سياسياً رجل ثمانيني محدود الحركة، وهو لم يظهر كثيراً طوال الفترة التى صال فيها ترامب وجال رغبةً فى تغيير نتيجة الانتخابات. وربما نجد بايدن بعد تنصيبه يكتفى بالبقاء فى البيت الأبيض لاستقبال ضيوفه كأب روحى للسياسة الجديدة. بينما يترك الفرصة للشباب الكثيرين المحيطين به من حكومة انتقاها بحكمة رجل يحفظ كتاب السياسة الأمريكية بطناً لظهر. تلك الفرصة سوف تستغلها هاريس لتحوذ موقعاً أكبر من مجرد نائبة للرئيس. وهو ما سيستدعى انتباهاً لتلك الحالة الجديدة..

نانسي بيلوسي سيكون لها اليد الطولَى على قرار الكونجرس. وكامالا هاريس ذات تأثير قوى على قرار البيت الأبيض. ثم البنتاجون الذى سيترأسه وجه أمريكي ملون انتشله بايدن من ركود ما بعد انتهاء الخدمة وأعاده على قمة الهرم العسكرى، فلمن سيكون ولاؤه؟

السياسة الأمريكية الجديدة تتطلب فهماً عميقاً ومرونة فى التعامل مع أدواتها ومداخلها ومفاتيحها. سيكون على مَن يريدون نيل رضا الأب الروحى وإعجاب المرأة الحديدية ودعم البنتاجون أن يتحلوا بالمرونة الكافية لتغيير أسلوبهم السياسي وآلياتهم الدبلوماسية لتلائم الوضع الجديد.

إن بايدن وبطانته يتميزون بما لم يكن يتحلى به سابقه ترامب. فالأخير كان متهوراً ولا يمكن توقع ردود أفعاله، وهو ما جعل التعامل معه محفوفاً بالمخاطر. بينما سيكون التعامل مع إدارة بايدن تعاملاً سياسياً ودبلوماسياً خالصاً، والسياسة لها ألف باب.

مصر لا يعنيها أن يكون رئيس أمريكا يمينياً أو يسارياً. لكن يعنيها أن يحقق لها مصالحها. ولكى يحدث هذا فلا بد من خطاب دبلوماسي مختلف. وهو ما سيستدعى تغييراً جذرياً فى الخطاب الدبلوماسي المصري ليتلاءم مع اللون الجديد للسياسة الأمريكية.

 

عبد السلام فاروق

 

 

الحكم في الإسلام يقوم على قاعدة الشورى

التفاصيل
كتب بواسطة: احمد ابو قدوم

احمد ابو قدومإن من أهم قواعد الحكم في الإسلام هي قاعدة الشورى، قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) ويقول أيضا: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) ولم يكن أحد أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم استشارة للمسلمين، فقد روى أحمد وغيره عن أبي هريرة أنه قال: "ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله"، ومعلوم لدى العلماء والفقهاء أن الله سبحانه وتعالى أوجب وحرم على المسلمين أمورا كثيرة، فأوجب الصلاة والصيام والزكاة وغيرها، وحرم الزنا والسرقة والربا وأكل مال اليتيم والرشوة والاختلاس والتجسس والتهرب من الضريبة وغيرها، لكن الله سبحانه لم يحدد عقوبات لمن ترك واجبا أو فعل محرما إلا في الحدود والقصاص، فكان لزاما على الدولة اٍلاسلامية أن تضع عقوبات زاجرة ورادعة للجرائم حتى تحافظ على حقوق الجماعة والأفراد في المجتمع الإسلامي، وكثير من هذه الجرائم تتفق على كونها جرائم تستحق العقوبات كل الأمم والدول، مثل جريمة الرشوة والاختلاس والتجسس وأكل مال الغير بالباطل والتهرب من الضريبة وغيرها، وتجد عقوباتها عند جميع الدول متقاربة، وقد ترك الإسلام للدولة أن تحدد العقوبة المناسبة للجريمة، ومن الأساليب في تحديد العقوبة للجرائم من غير الحدود والقصاص هو أن يستشار في وضعها خبراء من القضاة والمحامين، كما وضع الشيخ النبهاني مشروعا لنظام العقوبات المقترح للدولة الإسلامية بصفته كان قاضيا ممارسا لمهنة القضاء.

كذلك القوانين الإدارية، ومعلوم أن أغلب قوانين الدول بما فيها الدولة الإسلامية هي قوانين إدارية، فيعمد عند سن القوانين الإدارية إلى استشارة الخبراء فيها، فمثلا يستشار ويطلب من خبراء السير أن يضعوا قوانين السير، وكذلك قوانين الأشغال وتنظيم المدن والبناء والطاقة والكهرباء والمياه فيستشار الخبراء ويطلب منهم وضعها، ولا مانع من أخذها من الأمم والدول التي لها ريادة في هذه المجالات كما فعل عمر بن الخطاب أمام مسمع ومرأى من المسلمين دون الانكار عليه، فقد أخذها عن الفرس، وكان يقوم عليها مرارزبة الفرس ويكتبونها بلغتهم حتى أشار الحجاج على عبد الملك بن مروان تعريبها،

فقد ذكر ابن الطقطقي في كتاب الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية كيف تم تدوين الدواوين في عهد عمر بن الخطاب فقال: "وكان المسلمون هم الجند، وكان قتالهم لأجل الدين لا لأجل الدنيا... لكنَّهم كانوا إذا غزوا وغنموا أخذوا نصيبًا من الغنائم قرَّرته الشريعة لهم، وإذا ورد إلى المدينة مالٌ من بعض البلدان أُحضر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفُرِّق فيهم حسب ما يراه صلى الله عليه وسلم، وجرى الأمر على ذلك مدى خلافة أبي بكر رضي الله عنه... فلمَّا كانت سنة خمس عشرة للهجرة وهي خلافة عمر رضي الله عنه رأى أنَّ الفتوح قد توالت، وأنَّ كنوز الأكاسرة قد ملكت، وأنَّ الأحمال من الذهب والفضة والجواهر النفيسة والثياب الفاخرة قد تتابعت، فرأى التوسيع على المسلمين، وتفريق تلك الأموال فيهم، ولم يكن يعرف كيف يصنع وكيف يضبط ذلك، وكان بالمدينة بعض مرارزبة الفرس، فلمَّا رأى حيرة عمر رضي الله عنه قال له: يا أمير المؤمنين إنَّ للأكاسرة شيئًا يُسمُّونه ديوانًا، جميع دخلهم وخرجهم مضبوطٌ فيه لا يشذ منه شيء، وأهل العطاء مرتَّبون فيه مراتب لا يتطرَّق عليها خلل، فتنبَّه عمر رضي الله عنه وقال: صفه لي، فوصفه المرزبان، ففطن عمر لذلك ودوَّن الدواوين وفرض العطاء، فجعل لكلِّ واحدٍ من المسلمين نوعًا مكرَّرًا"

 

بقلم: أحمد أبو قدوم

 

 

رواية: كل انواع الحلي لا تفيد الموتى تسلط الضوء على المطبخ العراقي المشؤوم

التفاصيل
كتب بواسطة: جمعة عبد الله

جمعة عبد اللهللكاتب (واثق الجلبي) اسلوبية روائية خاصة، تعتمد على نهج التداعي الحر في المتن الروائي. في نمطية التعاطي التي تفتح مجالاً واسعاً في تدفق الافكار والخيالات والهواجس والارهاصات بالتدفق الشديد. لكي يعطي الصورة الكاملة على المشاعر الحواس الداخلية ومكنونها، ونجد حالة التأزم الصاعدة، انعكاساً على تأزم الواقع وهمومه الثقيلة. وجد المنفذ في افرازها على المكشوف، لكي تدلل على حجم الازمة والتأزم الذاتي والحياتي. في الاستنباط والاستنطاق. يصوغها في لغة سردية رشيقة وسلسة، ومشحونة في زحمة الانفعالات والعواطف المتضاربة بالشحن. وتسلط الضوء على الواقع الخاص والعام.ويكشف المتن الروائي عن حالة متأزمة لرجل فقد كل شيء في الحياة وظل وحيداً. الزوجة متوفية، ابنته تدرس في الخارج، اصدقائه خطفهم الموت فرداً فرداً مع زوجاتهم. لم يبق له سوى جهاز التسجيل الصغير، يسجل سيرة حياته الماضية والواقع الذي يحيطه. يعيش بين جدران المطبخ، والجهاز التسجيل الصغير يسجل احاديثه لزوجته المتوفية، في استذكار الزمن الماضي (فلاش باك). يجمع الازمنة المتخلفة والمتنوعة في مكان ثابت هو (المطبخ) الذي هو بمثابة المحور الرئيسي، الذي تتوالى عليه الاحداث في المتن السردي. يسجل انطباعاته عن الواقع الاجتماعي والسياسي من خلال مطبخها القائم، فالمطبخ هو في صلب الاحداث. التي تعطي الصورة المكانية القائمة في فعلها السياسي والاجتماعي. مطبخ الحياة وما ينتجه من دلائل. نجد ان المطبخ مصاب بالضبابية والعمى والفوضى. ولا ينتج سوى القمامة والطعام الفاسد والمحروق. وتلعب به عوامل الخيبة والاحباط، مما يشعر انه في حالة انهزامية دائمة باليأس وانعدام الرؤيا. لان المطبخ لا ينتج سوى القاذورات السياسية، تصلح لنفايات القمامة. هذه حقيقة الواقع ويدخل في دهاليزه دون رغبة منه. ويخاطب زوجته المتوفية عبر جهاز التسجيل. قائلاً (عزيزتي دخلنا المطبخ جميعاً بلا رغبة منا، فاذا رمينا في القمامة فهذا قدرنا وما أظن) لان المطبخ لا ينتج سوى القمامة والسكين العمياء. فالحذر من نفاد اسطوانة الغاز، أوفي حالة انفجارها، طالما الغموض يحيط بالمطبخ. في طعامه المحترق والفاسد لا يصلح إلا للقمامة، وضمن الطقوس الباردة والثلجية كأن ضربها جليد الشتاء، مما جعل الحياة تصاب بالعمى والغطرسة والفوضى، والشعور بالندم من انظمة المطبخ البالية والمتهرئة و التي تعافها النفس، لأنها تعيش في الماضي السحيق. تجعل الحياة ضائعة بقطرات الماء لا طعم ولا لون لها، كأنها مصابة باللعنة (لم أحب الانظمة القبلية حتى التاريخ، المنسلخ عن البشر الذين عاشوا على الصراعات، لم أعر لها بالاً، الذي يهمني هو العيش بسلام بواقع أقترضته من جيب الغيم) هذا البؤس الحياتي داخل المطبخ، في حياة ليس له رغبة ولاطموح فيها، لان السريالية غلفتها بغلافها، فأصبحت أشبه بالحوار بين الاطرش والابكم، وغير صالحة للحياة (وليس من المعقول ان يعيش العاقل ثمانين سنة بين الحمقى، ولا يفقد عقله، فكيف ستتم عملية حساب هذا الكم الهائل من المجانين). هذا المطبخ المشؤوم، لا يصلح للحياة، سوى الخيبة والاحباط والانهزام، هذا المطبخ الذي طرد منه (أدم) بسبب الطعام. ولهذا لابد من محاسبة الانبياء الذين دخلوا في هذا المطبخ العقيم (لا أعلم هل جلس الانبياء وفكروا كما أفعل الآن ؟ لاشك انهم سيحاسبون لانهم دخلوا الى هذا المطبخ واكلوا من قدوره) هذه الحالة المتأزمة، بينما الناس تريد العيش بسلام. ولكن المطبخ اصبح كالعقرب السام لكل منْ يدخله. لانه يعتمد على الازدواجية المنافقة. ويبحث عن الاخلاق والعصمة الاجتماعية في نفايات القمامة، والواقع غارق في المستنقع الاسن. يتحدث عن الحب وهو لا يعرف منه سوى متعة الجسد والهزيمة، ولكن المحبون يكتبون بشكل آخر للحب (عندما يتحول الحب الى جنس يفقد مصداقيته ويتلاشى، لتقوم عملية البحث الجديد عن جسد آخر وروح جديدة). ويتذكر من شريط احداث الماضي عن زوجته المتوفية، كيف كانت ليلة زواجهما الاولى (ألتقينا ونحن لا نعرف بأن الذي سيجمعنا كرهي للتفاصيل وحبك ِ لها، صدركِ الصغير لم أمسكه إلا قليلاً فبرودتكِ الجنسية كانت سبباً في عدم تفقدي لجسدك وتفاصيله، وبأستمرار حتى أنكِ لم تكملي رقصتك الاولى في ليلة العرس) يشعر بالفوضى الحياتية المزعجة. بعدما رحل الجميع عنه، وشاخت الحياة لم تعد إلا مشقة متعبة له، وعليه الرحيل حتى يرتاح وغير أسفاً للحياة الرتيبة والجامدة، فلا أمل ل في الحياة (لا أمل لي في العيش كل الذين أحبهم تركوا الحياة وغادروا، لم يبق إلا المسجل أمامي وأخاف منه، كأنه وحش يترصد أنفاس المثقوبة) ان يرحل بصمت دون اوجاع. وتوقف جاز التسجيل الصغير،أسلم روحه بصمت دون وداع.

 

 جمعة عبدالله

 

 

الكواكب المارقة تجوب المجرة بمفردها

التفاصيل
كتب بواسطة: بدر ثاني

بقلم: كريستوفر كروكيت

ترجمة وتحرير: بدر ثاني


 

لا تدور كل الكواكب حول النجوم، فالبعض يتنقل عبر مجرتنا بمفرده. وقد وجد علماء الفلك أصغر هذه الكواكب المارقة حتى الآن. وتبلغ كتلته كتلة الأرض تقريبًا، مع عدم وجود شمس في سمائه، فدائمًا ما يكون الليل على هذا الكوكب المنعزل. وهذه السماء أكثر قتامة ومليئة بالمزيد من النجوم مما يمكن رؤيته من أي مكان على الأرض.

يقول برزيميك مروز عالم الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، كاليفورنيا والذي قاد الفريق الذي اكتشف الكوكب: "يجب أن تكون السماء رائعة والجو باردًا. "

وجد علماء الفلك على مدار العشرين عامًا الماضية أقل من عشرين كوكبًا بدون نجوم في مجرتنا، معظمها عبارة عن كرات كبيرة من الغاز تشبه إلى حد كبير كوكب المشتري، لكن العلماء يعتقدون أن هذه العوالم هي قمة جبل جليدي هائل، فقد يكون هناك المليارات في انتظار اكتشافها.

كوكب مهم تقول ديانا دراغومير عالمة الفلك في جامعة نيو مكسيكو في البوكيرك. إن العثور على هذا الكوكب الصغير "ذو قيمة كبيرة". وتبحث عن الكواكب حول النجوم أكثر من تلك التي حول الشمس، حيث يساعدها هذا العمل في معرفة عدد العوالم التي قد تكون موطنًا لها بخلاف الأرض، وفيها شكل من أشكال الحياة.

ولربما لا توجد حياة على هذا الكوكب اليتيم المظلم المتجمد. ولكن من المهم أن يمنح الاكتشاف دراغومير والعلماء الآخرين معلومات عن العوالم التي يصعب الوصول إليها، وتقول: " أن الحقيقة التي وجدناها تعني الكثير، حتى لو كانت تطفو فقط، لأنها تعني أنها تشكلت فيها في المقام الأول ".

يعتقد علماء الفلك أن الكواكب اليتيمة تشكلت في أنظمة شمسية مثل كوكبنا، لكن شيء ما طرد الكوكب، فربما أطاحت به جاذبية كوكب أكبر، أو اقترب نجم عابر وأثارت جاذبيته كوكبًا أو اثنين. وتقول دراغومير" إن هذا الكوكب المكتشف حديثًا ربما يكون بعيدًا جدًا عن نجمه الأصلي، فلو كان قريبًا، فإن جاذبية النجم ستمنعه من الهروب. فغالبًا ما يصعب العثور على الكواكب، خاصة الصغيرة منها والبعيدة عن نجومها. فعلى الرغم من أننا نعتقد أن هناك كواكب بعيدة حول العديد من النجوم، إلا أننا لا نستطيع معرفة ذلك بالتأكيد، وإن العثور على واحد فقط مثل هذا الكوكب المكتشف، باستخدام تقنية أخرى، مفيد حقًا لأنه يضاف إلى عينة صغيرة. كما يخبرنا اكتشافه بأن هذه الكواكب الصغيرة على مسافة معقولة من النجم المتشكل ".

متى يكون الكوكب ليس كوكبا؟

يعتقد معظم الناس أن الكواكب هي أجسام تدور حول النجوم، أما الاتحاد الفلكي الدولي- الجهة المخولة بإطلاق التعاريف والأسماء الرسمية للأجسام في الفضاء- فيعتمد في تعريفه أن الكوكب يجب أن يدور حول نجم محدد؛ وهو الشمس، بينما الكواكب المارقة لا ينطبق عليها هذا التعريف، كما تقول جيسي كريستيانسن، عالمة الفلك في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا - مثل دراغومير- والتي تقوم أيضًا بحصر جميع أنواع الكواكب الموجودة هناك.

بينما يجادل الكثيرون الآن بأنه يجب تحديد الكوكب فقط من خلال كيفية تشكله، يذهب الاتحاد الفلكي الدولي إلى القول بأن الكوكب هو أي شيء كبير بما يكفي بحيث تتحول جاذبيته إلى كرة، وإلا سيكون كويكبًا متكتلًا أو مذنبًا، وإذا أصبح بتلك الضخامة بحيث يسحق الذرات معًا ويبدأ في التوهج، عندها سيكون نجما.

تخضع الكواكب المارقة للمراقبة بناء على كتلتها، لكن كريستيانسن تقول:  " مؤسساتنا لم تدرك حقيقة أن هذه الكواكب موجودة حتى الآن"، كما تعمل ناسا على تعقب الكواكب خارج النظام الشمسي وترصدها في قاعدة بيانات الكمبيوتر يطلق عليه أرشيف ناسا للكواكب خارج المجموعة الشمسية، لكن دراغومير تقول: "أن قاعدة البيانات لا تشمل حتى الآن العوالم اليتيمة، وأنهم بصدد إعادة تصميمها ليتمكنوا من استضافة هذه الكواكب.

احتمالات منخفضة

يكتشف علماء الفلك معظم الكواكب من خلال كيفية تأثيرها على النجوم التي تدور حولها، اما بالنسبة للكواكب اليتيمة فإنها لا تؤثر ولا حتى تصدر ضوءًا، لذلك لا يستطيع علماء الفلك رؤيتها.

 وعلى العكس، يمكن لها أن تبدل الضوء الصادر عن النجوم البعيدة جدًا حيث ُ تعرف هذه العملية باسم عدسة الجاذبية. فإذا مر جسم في الفضاء بين الأرض والنجم، فإن جاذبيته تركز الضوء من ذلك النجم على الأرض. يقول مروز: إنها مثل العدسة المكبرة". لشخص ما على الأرض، فإن النجم يضيء ككائن يمر به، وهذه هي الطريقة التي اكتشف بها الباحثون هذا الكوكب المارق الصغير.

في يونيو 2016، سطع نجم خافت في كوكب القوس قليلاً، ثم تلاشى مرة أخرى إلى وضعه الطبيعي، فقام مروز وفريقه بقياس الوقت الذي استغرقه النجم حتى يضيء ويخفت، حيث استغرق التغيير حوالي خمس ساعات، واستطاعوا من خلاله قياس كتلة الجسم التقريبية، وقد قدروها بأقل من ثلث كتلة الأرض أو بضخامة كوكبنا مرتين. وقد شاركوا اكتشافهم في 1 نوفمبر في مجلة الفيزياء الفلكية تمكن مروز وفريقه من قياس الزمن المستغرق بواسطة تلسكوب(OGLE) الموجود في صحراء أتاكاما في تشيلي، والذي يستخدم تجربة عدسة الجاذبية البصري، والموجه نحو أجزاء من مجرة درب التبانة التي بها الكثير من النجوم، مثل مركز المجرة. ثم يبحث عن التغييرات في الأضواء الصادرة عن النجوم، والتي تسببها الأجسام المظلمة العائمة.

إن احتمالات العثور على جسم واحد فقط هي احتمالات فلكية، حيث يجب أن تكون المحاذاة بين الأرض وبعض الأجسام وخلفية النجم مثالية تقريبًا. يقول مروز :  "إذا لاحظت نجمة واحدة فقط، يجب أن تنتظر في المتوسط مليون سنة قبل أن يمر أي جسم  ". كما لا أحد يريد الانتظار كل هذا الوقت، لذا لزيادة فرصهم ف بدلاً من مشاهدة نجمة واحدة، يشاهد العلماء ملايين النجوم، حيث يراقب تلسكوب OGLE 200 مليون نجم كل ليلة صافية، بحيث يلاحظ مروز وفريقه بضعة آلاف من العوامات كل عام، معظمها مجرد نجوم مظلمة.

ماذا بعد

يقول مروز:  "يدفع هذا الكوكب الصغير الحد الأقصى لما يمكن أن تفعله التلسكوبات مثل " OGLE ، ولإيجاد المزيد، يحتاج علماء الفلك إلى تلسكوب في الفضاء يكون على مستوى التحدي. حيث يأتي التلسكوب الروماني نانسي غريس الفضائي في الصدارة والذي من المقرر اطلاقه تقريبا عام 2025 وسيكون بحجم تلسكوب هابل الفضائي، وسيغطي مسافة 100 ضعف في السماء في آن واحد، وسمي التلسكوب الجديد باسم الرومانية نانسي جريس -أول رئيسة لعلماء الفلك في ناسا- حيث كتبت في عام 1959 أنها سوف تضع تلسكوبا في الفضاء سيسمح لعلماء الفلك بالعثور على الكواكب حول النجوم الأخرى ( لن يكون تلسكوبها أول من يكتشف الكواكب في الفضاء. حيث عثر التلسكوب كبلر الفضائي، على سبيل المثال على أكثر من 2700 كوكبا خارجيا قبل نفاذ غازه في عام 2018.) وسوف يدور التلسكوب الروماني بعيدًا عن الغلاف الجوي للأرض، مما سيمكنه من العثور على العديد من الكواكب المتجولة، والقيام بالكثير من المهام العلمية الأخرى.

يقول سامسون جونسون-عالم الفلك في جامعة ولاية أوهايو في كولومبوس-: "في الوقت الحالي، لا نعرف سوى القليل عن الكواكب الحرة". فبحسب جونسون وعلماء آخرين، فإن عدد الكواكب العائمة التي قد يجدها التلسكوب الروماني لا يقل عن 250 كوكبا، بعضها صغير مثل المريخ وقد نشروا هذه النتائج في سبتمبر بالمجلة الفلكية.

ويمكن لمثل هذه الاكتشافات أن تعطي علماء الفلك معلومات عن كيفية تشكل الكواكب، حيث تظهر بعض أنظمة الطاقة الشمسية الفوضى في مجرتنا التي أصبحت موطنا للكواكب ذات المدارات المائلة والمتباعدة بطرق غريبة.

يقول كريستيانسن: "أحد الأسئلة في المستقبل هو، أيهما أكثر شيوعًا؟" ، إذا كان التلسكوب الروماني يكتشف الكثير من الكواكب العائمة، فهذا يشير إلى أنها طُردت من منازلها وأن العديد من أنظمة الكواكب الحديثة فوضوية. كما أن النظام الشمسي كان فوضويًا ذات يوم.

 افترض علماء الفلك لمئات السنين أن هذا النظام يبدو لطيفا ومنظما دائمًا كما هو الآن، وأن أنظمة الكواكب الأخرى ستكون مشابهة له. لكن تنوع العوالم المكتشفة بما فيها الكواكب اليتيمة، غيرت هذه النظرة. فيما يعتقد بعض العلماء الآن أن النظام الشمسي فقد كوكبًا منذ فترة طويلة. ويقول كريستيانسن: " واحدة من الأشياء اللطيفة، والمدهشة، والمثيرة التي نتجت عن الكواكب الخارجية، هو اكتشاف أن هناك العديد من الأنواع المختلفة لأنظمة الكواكب."

مصطلحات:

الأرشيف: مكان جمع وتخزين المواد، بما في ذلك الأصوات ومقاطع الفيديو والبيانات والأشياء، بحيث يمكن العثور عليها واستخدامها عند الحاجة.  ويُعرف الأشخاص الذين يؤدون هذه المهمة باسم أمناء المحفوظات.

عالم الفلك: عالم يعمل في مجال البحث الذي يتعامل مع الأجرام السماوية والفضاء والكون المادي.

الغلاف الجوي: غلاف الغازات المحيط بالأرض أو كوكب آخر.

الذرة: الوحدة الأساسية للعنصر الكيميائي. تتكون الذرات من نواة كثيفة تحتوي بشكل إيجابي البروتونات المشحونة والنيوترونات غير المشحونة. تدور النواة حول سحابة من الإلكترونات سالبة الشحنة.

المتوسط: (في العلوم) مصطلح يشير إلى المتوسط الحسابي، وهو مجموع عناصر الأعداد الموجودة مقسومًا على عددها.

المذنب: جسم سماوي يتكون من نواة الجليد والغبار يكون المذنب "ذيله" الخلفي. عندما يمر بالقرب من الشمس والغاز والغبار المتبخرعن سطحه.

الكوكبة: مجموعة من النجوم البارزة تبدو قريبة من بعضها البعض في سماء الليل. يقسم علماء الفلك الجدد السماء إلى 88 كوكبة، 12 منها (المعروفة باسم الأبراج) تقع على طول مسار الشمس عبر السماء على مدار عام.  كانكري، الاسم اليوناني الأصلي لبرج السرطان، هو واحد من تلك الأبراج الاثني عشر.

الكوكب الخارجي: اختصار للكواكب خارج المجموعة الشمسية، إنه كوكب يدور حول نجم خارج النظام الشمسي.

التركيز: (في الفيزياء) النقطة التي تتلاقى عندها الأشعة (مثل الضوء أو الحرارة) وتتم أحيانًا بمساعدة عدسة.

المجرة: مجموعة من النجوم - وعادة ما تكون مادة مظلمة - جميعها مرتبطة ببعضها البعض بفعل الجاذبية. تحتوي المجرات العملاقة، مثل درب التبانة، غالبًا على أكثر من 100 مليار نجم. وقد تحتوي المجرات الخافتة على بضعة آلاف فقط. كما تحتوي بعض المجرات أيضًا على غاز وغبار تصنع منها نجومًا جديدة.

عدسة الجاذبية: تحريف الضوء بواسطة قوة الجاذبية الشديدة، مثلا عن طريق عناقيد من المجرات (أجسام ضخمة في الكون)، ويمكن للجاذبية أن تنحني أو تركز الضوء، مما يجعلها تبدو أكثر إشراقًا وفي مكان واحد أو أكثر في السماء.

الجاذبية: القوة التي تجذب الأجسام التي لها كتلة أو حجم بإتجاه أي شيء آخر له كتلة، وتزداد الجاذبية بازدياد كتلة الجسم.

مجلة: (في العلوم) منشور يشارك فيه العلماء نتائج أبحاثهم مع الخبراء (وفي بعض الأحيان حتى الجمهور). تنشر بعض المجلات أبحاثًا من جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما البعض الآخر خاص بموضوع واحد، وتخضع أفضل المجلات لمراجعة قريناتها فهي ترسل  مقالاتها إلى خبراء خارجيين لقراءتها ونقدها لتفادي أخطاء النشر والاحتيال.

المشتري: (في علم الفلك) أكبر كوكب في المجموعة الشمسية، وله أقصر طول نهار (10ساعات) وهوغاز عملاق، تشير كثافته المنخفضة إلى أنه يتكون من عناصر ضوئية مثل الهيدروجين والهيليوم. ويطلق هذا الكوكب أيضًا حرارة أكثر مما يتلقاه من الشمس حيث تضغط الجاذبية على كتلته (كما أنه ينكمش ببطء).

المريخ: رابع كوكب من جهة الشمس، على بعد كوكب واحد فقط من الأرض. يتخلله مواسم مثلها وجوّه رطبا وقطره لا يتجاوز نصف قطر الأرض.

الكتلة: رقم يُظهر مقدار مقاومة الجسم للتسريع والتباطؤ - بشكل أساسي قياس مقدار المادة التي يتكون منها.

درب التبانة: المجرة التي يوجد فيها النظام الشمسي للأرض.

المراقبة: اختبار شيء ما أو أخذ عينات منه أو مشاهدته، خاصة على أساس منتظم أو مستمر.

ناسا: اختصار للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء. وقد تم إنشاء هذه الوكالة الأمريكية في عام 1958، وأصبحت رائدة في أبحاث الفضاء وتحفيز الاهتمام العام باستكشاف الفضاء، ومن خلالها أرسلت الولايات المتحدة رواد الفضاء إلى المدارات ولاحقا إلى القم، لدراسة الكواكب والأجرام السماوية الأخرى في نظامنا الشمسي.

المدار: المسار المنحني لجسم سماوي أو مركبة فضائية حول مجرة أو نجم أو كوكب أو قمر، وهو الدائرة الكاملة حول الجرم السماوي.

الكوكب: جسم سماوي كبير يدور حول النجم وعلى عكسه، لا يولد أي ضوء مرئي.

النظام الشمسي: الكواكب الثمانية الرئيسية وأقمارها في مدار حول الشمس، مع أجسام صغيرة على شكل كواكب قزمة وكويكبات ونيازك ومذنبات.

النجم: اللبنة الأساسية التي تتكون منها المجرات. وتتطور النجوم عندما تضغط الجاذبية على سحب الغاز لتصبح ساخنة بدرجة كافية، وينبعث ضوءا وأحيانًا إشعاعا كهرومغناطيسيا. وتعتبر الشمس أقرب نجم إلينا.

الشمس: النجم الموجود في مركز النظام الشمسي للأرض. يبعد حوالي 27000 سنة ضوئية عن مركز مجرة درب التبانة. ويطلق مصطلح الشمس أيضا على أي نجم شبيه بها.

التلسكوب: أداة لجمع الضوء تجعل الأشياء البعيدة تظهر أقرب من خلال استخدام العدسات أو مجموعة من المرايا والعدسات المنحنية. ومع ذلك، يقوم البعض بجمع انبعاثات الراديو (الطاقة المنبعثة من أجزاء مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي) عبر شبكة من الهوائيات.

 

......................

رابط المقال:

https://www.sciencenewsforstudents.org/article/rogue-planets-wander-galaxy-space

اقتباسات

 Journal: P. Mróz et al. A terrestrial-mass rogue planet candidate detected in the shortest-timescale microlensing event. The Astrophysical Journal Letters. Vol. 903, November 1, 2020. doi: 10.3847/2041-8213/abbfad.

Journal: S.A. Johnson et al. Predictions of the Nancy Grace Roman Space Telescope Galactic Exoplanet Survey. II. Free-floating Planet Detection Rates. The Astronomical Journal. Vol. 160, September 2020. doi: 10.3847/1538-3881/aba75b.

Journal: N.G. Roman. Planets of other suns. The Astronomical Journal. Vol. 64, October 1959. doi: 10.1086/108038

 

 

 

 

كورونا المتحوّر.. هل اللقاح فعّال ضد الطفرة الجديدة؟

التفاصيل
كتب بواسطة: احمد سليمان العمري

احمد سليمان العمرييُعتبر عيد الميلاد هذا العام في بريطانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. قبل أيام من نهاية الفترة الانتقالية لخروج الأخيرة من الإتحاد الأوروبي اندلعت الفوضى في بريطانيا بسبب انتشار السلالة الجديدة من كورونا والتي تحمل 17 طفرة تحت اسم «B.1.1.7» أو «VUI-2020/12/01» «كورونا المتحوّرة»، سريعة العدوى بنسبة تصل إلى ٧٠ ٪ من الفيروس المعروف لغاية الآن، وهي التي تجتاح بريطانيا وخارجة عن السيطرة.

أراء متضاربة بين جهات تعزو العترة الأخيرة من الفيروس أنّها السبب وراء تفشّيه في ألمانيا كون الطفرة منتشر في بريطانيا منذ ثلاثة أشهر مع استمرار البريطانيين آنذاك بالتنقل بحريّة داخل الدولة الفدرالية دون أي قيد، حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2020م حين أتخذت ألمانيا قرار الإغلاق الثاني وما كان الأخير سوى سيناريو رعب بعيد المنال. استمرت الحياة طبيعية نسبياً، يرتدي الناس الكمامات، وبخلاف ذلك لم يتغيّر الكثير، المطاعم والمقاهي والمتاجر تعجّ بالزوار وتجوال في المدن وبينها ومشاركات في المناسبات، بالإضافة إلى السفر كون الحدود مفتوحة بين دول أوروبا ومعها بريطانيا طبعاَ والعالم.

ترخيص الإتحاد الأوروبي

في هذه الأثناء كانت الطفرة B.1.1.7 منتشرة بالفعل في بريطانيا ومع ذلك لم يُفرض الحجر الصحي على المسافرين القادمين من المملكة المتحدة إلّا بعد 24 أكتوبر/تشرين الأول، لذلك كان أمام الفيروس عدّة أسابيع للوصول إلى القارة الأوروبية دون أي عائق.

وهذا ما أكدّه رئيس معهد «روبرت كوخ» «لوثار فيلر» الثلاثاء 22 ديسمبر/كانون الأول بأنّ الفيروس موجود بالفعل في أوروبا، حيث هناك أدّلة على وجود إصابات في الدول المجاورة مثل هولندا والدنمارك. وفي ألمانيا ثبتت لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول حالتين واحدة قدمت من بريطانيا في 20 ديسمبر/كانون الثاني، والحالة الثانية تم العثور عليها في نوفمبر/تشرين الثاني من خلال فحص لاحق لعينات أسرة من ثلاثة أفراد توفي الوالد منهم، ومع ذلك فإنّ احتمالية وجوده في ألمانيا حسب «فيلر» عالية جداً.

 بينما خبراء آخرون ينفون ذلك استناداً إلى الفحوصات التي تُجرى لغاية الآن على المصابين، وهي منحة هذه المحنة أنّه ليس هناك أي دليل واضح  قد يجعل اللقاح عديم الفعالية، غير أنّ التحليلات الأولية التي أجراها علماء بريطانيون تُظهر أنّ الطفرة الجديد تحتوي على عدد كبير وغير عادي من التغيّرات الجينية في «بروتين السنبلة»، وهو الأمر الذي قد يثير مخاوف، حيث أنّ لقاح «بيونتك» مع شريكه الأمريكي «فايزر» يولّد استجابة مناعية ضد هذا البروتين على وجه التحديد، لذلك يخشى بعض الباحثين أن يؤثّر ذلك على فعالية اللقاح.

ولقد استبقت بريطانيا الدول الأخرى وأعلنت الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول عن استخدام اللقاح بترخيص طارئ قبل السماح من الإتحاد الأوروبي الذي صدر 21 ديسمبر/كانون الأول.

تسبّبت هذه السلالة الجديدة من الفيروس في ألمانيا في الأيام الأولى بتوقيف جزءاً كبيراً من الرحلات الجوية من وإلى بريطانيا، فقد أوقف مطار  «هانوفر» في 19 ديسمبر/كانون الأول دخول 63 راكباً على متن رحلة من لندن بسبب الخوف من إصابتهم بكورونا المتحوّرة، حيث أُجبر الركاب على البقاء في مبنى المطار لحين ظهور نتيجة فحص كورونا. ووفقاً للمعلومات الواردة من مطار هانوفر، تم حجر أحد مسافري الطائرة البريطانية بعدما تبيّن أصابته بالفيروس مع أسرتة وتحويله إلى شقة للحجر الصحي، وأعيد جميع المسافرين بعد مضيّ يومين إلى بريطانيا.

وقالت نائبة رئيس قسم الصحة العامّة في مدينة هانوفر «مارلين جراف» أنّه لا يمكن معرفة الفرق بين كورونا التقليدي والطفرة الجديدة إلّا من خلال المركز المرجعي في برلين، حيث سيتلقّى عالم الفيروسات ومدير معهد «شاريتيه» البروفيسور «كرستيان دروستن» العينة، وهو من سيجيب على السؤال. ولقد سبق وصرّح الأخير في مناسبة أخرى أنّه لا يتوقع أنّ سلالة الفيروس الجديدة ستجعل اللقاح أقل فعالية. ومع ذلك لم يتم توضيح هذه النقطة بشكل دقيق، فهناك حاجة لمزيد من الإختبارات للوصول إلى جواب يقين. ولكن بدا وزير الصحة الألماني «ينس شبان» ورئيس شركة بيونتك «أوغور شاهين» واثقين من أنّ اللقاح سيكون فعّالاً ضد الطفرة الجديدة واحتمالات تأثيره عالية جداً. حيث أُختبر اللقاح ضد حوالي 20 نوعاً مختلفاً من الفيروسات مع طفرات أخرى، وثبت أنّ الإستجابة المناعية التي أثارها اللقاح قد عطّلت في جميع المحاولات كلّ أشكال الفيروس.

جنوب إفريقيا

أغلقت ألمانيا بدءاً من منتصف ليلة 20 ديسمبر/كانون الأول جميع الحدود الجوية والبرية والبحرية مع بريطانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول الأوروبية التي حذت حذو ألمانيا مثل فرنسا وبلجيكا، فقد أُغلق «نفق المانش» ويسمّى أيضاً «النفق الأوروبي»، وهو نفق سكة حديدية يربط من خلال القطار السريع «يوروستار» بريطانيا بفرنسا مروراً ببلجيكا لينتهي في هولندا، ويعتبر النفق أطول نفق مائي في العالم، بالإضافة إلى إغلاق «ميناء دوفر»، ويعد واحد من أكبر موانئ الركاب في أوروبا.

على الرغم من خطورة الطفرة إلّا أنّ مفوضية الإتحاد الأوروبي تعارض الحظر الشامل للرحلات الجوية من وإلى المملكة، رغم أهمية اتخاذ تدابير وقائية مؤقتة وبسرعة، ولكن المفوضية أوصت في نفس الوقت ضرورة السفر وإتاحة حركة البضائع.

‏في الوقت الذي وقّعت فيه رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي «أورسولا فون دير لاين» ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي «تشارلز ميشيل» الإتفاقية التجارية التي تضمّنت 1250 صفحة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بسبب انسحاب الأخيرة من الإتحاد في 1 يناير/كانون الأول، يرى البريطانيون بفعل الأمر الواقع الذي فُرض عليهم جرّاء الطفرة الجديدة أنّهم معزولين لإنسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي، حيث أتت هذه الإجراءات في وقت يعتري الرأي العام الإنجليزي حالة عدم اليقين بشأن نتيجة مفاوضات خروج بريطانيا من الإتحاد. فقد بدأت القارة الأوروبية بإغلاق نفسها أمامهم وفرض العديد من دول الإتحاد قيوداً على الحركة الجوية والبرية والبحرية بشكل متزايد نظراً للمتغيرات الأخيرة، بالإضافة إلى تشديد إجراءات كورونا الإحترازية في لندن ممّا أدّى من خلال هذه العوامل مجتمعة لإنخفاض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.8٪.

مساء الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول أعلن وزير الصحة في جنوب إفريقيا «زويلي مخيزي» أنّ باحثين اكتشفوا سلالة جديدة من كورونا مماثلة كالتي في بريطانيا، تحمل إسم «501. VS»، ولقد صرّح خبير علم الفيروسات البروفيسور الألماني المقيم في جنوب إفريقيا «فولفغانغ برايزر» أنّ الفيروس الموجود في جنوب إفريقيا ليس ذاته كالمنتشر في بريطانيا، ومن الواضح أنهم نشأوا بشكل مستقلّ عن بعضهم البعض، وأنّه لا يُعرف حتى الآن مدى فعالية اللقاح ضد هذه الطفرة الجديدة.

أسئلة كثيرة تفتح المرتاج على مصراعيه لأصحاب نظرية المؤامرة بظهور 17 طفرة جديدة تزامنت مع تداول اللقاح في السوق والسماح بإستخدامه عالمياً. فهل هناك قوة تعمل في الخفاء وتسيطر على أصحاب القرار في العالم؟ أم أنّ التبعة الطبيعية لتطوّر الفيروس هي السبب وراء إرباك العالم دول ومؤسّسات وأفراد؟

علّ الأعوام القادمة - ولا اظنّها أشهر - كفيلة بولادة أجوبة كافية شافية للوضع الحالي، الذي يمثّل تحدّياً للعالم غير مسبوق. الأكثر بعداً عن الشّك وأقرب إلى اليقين هو بقاء كورونا حديث العامة والخاصّة في الأعوام القادمة، بين حديث مجالس وأخرى عمل دؤوب في البحوث العلمية لفيروس حقيقي يجتاح العالم أو مؤامرة سياسية وحرب بيولوجية مبكّرة خرجت عن السيطرة! أم علّه عقاب الله في الأرض كما يتبناه هذا أو ذاك. وبين هذا وذاك للحكيم أن يستثمر اللُّحمة في الأسرة ويبني ما ضعضعته الجائحة وتسبّبت به كثير قرارات الحكومات؛ بعضها بدأت بمهنية وضمير فأقالت أصحابها مؤسّسات هشّة وسخّرها جلّ المتنفّذين لنفسه وحاشيته فأذعن الإملاق والعوز بين الأسر.

 

دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

 

 

الترامبية الصورة الحقيقية للديمقراطية المزيفة

التفاصيل
كتب بواسطة: عبد الخالق الفلاح

عبد الخالق الفلاحالملاحظة التي جلبت النظر المواجهة بين الرئيس الامريكي المغادر للبيت الابيض  دونالد ترامب ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الامريكي التي صرحت امام العديد من السياسيين في واشنطن العاصمة في المسؤولية التي يتحملها الرئيس الامريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، في اثارة الاحداث التي جرت وبعد مغادرته المكتب البيضاوي من الابواب الخلفية وعدم مشاركتة في حفل التنصيب للرئيس الجديد خلافا للعرف الذي يعمل عليه منذ اكثر من 150 عام، ليحل محله بعد فوزه الرئيس الجديد جو بايدن وما قامت به الجموع المعارضة  في اختراق الحواجز بتشجيع من الرئيس المهزوم دونالد ترامب والدخول الى الكونغرس المؤسسة الدستورية الاولى في الولايات المتحدة الامريكية لاول مرة في التاريخ واثارت أعمال الشغب فيه كانها صور من العالم الاخر، ولم تكن إلأ حقيقة في ظل الديمقراطية المزيفة التي يتشدقون بها منذ عقود طويلة وشنت الحروب والغزوات على دول عدة بما فيها العراق وأفغانستان وسورية واليمن وفلسطين وليبيا وبلدان عديدة اخرى مباشرة بتواجدها وغير مباشرة في فتح ترسانات اسلحتها المختلفة في دعم المعتدين وليست التنظيمات الإرهابية الموالية لواشنطن بما فيها تلك التي يطلق عليها تسمية القاعدة وداعش والمجموعات الارهابية الاخرى في سورية والعراق إلا البعض من الأمثلة على الوسائل والاساليب الملتوية التي تتبعها الولايات المتحدة لتحقيق اهدافها وتدمير الدول ذات السيادة التي ترفض الرضوخ لها وبشعارات مبهرة عن تحرير الشعوب ونجدة الضعفاء ونصرة الديمقراطية وإعادة الشرعية وقتلت وما زالت تقتل آلاف البشر من اجل الهيمنة والسيطرة على صناعة القرار العالمي بسياسات إعلامية قوية للتبشير بمبادئها وأفكارها وإشاعتها في صفوف أبناء الشعوب الاخرى، وكشف ترامب كل معاييرها  وبروتوكلاتها  السياسية وفضح الكثير من الممارسات السلبية بكل اريحية، وأخضع كل القضايا والمصائر لمزاداته العلنية، في ظل تفكك واضح في بنية المؤسسات الديمقراطية الأمريكية وتراجع دورها، وعدم قدرتها على تقييده أو كبح جماحه ليتجاوزها ويتجاوز صلاحياته، ويحدث شرخاً واضحاً بينه وبين هذه المؤسسات، في ظل جو يسوده الصراع الحاد، وتتطاير فيه اتهامات التخوين والعداوات، وتُنتهك القوانين دون قيد أو رادع، ويظهر وجه السياسة الأمريكية كما هو بالفعل.

فهل من حق الولايات المتحدة بعد الان للترويج للقيم الديمقراطية والحرية والعدالة التي طرشت اذاننا طول القرون الماضية  بها، في استخدام  الرعب والتخويف تارة، والحصار الاقتصادي تارة، لتفرض اجندتهاالمزعومة على الدول، بذريعة تخليصها من الظلم واستبداد أنظمتها الحاكمة، باتت مكشوفة للشعوب، التي على الرغم من معاناتها والحروب المختلفة المفروضة عليها، إلا أنها قادرة على خلق حريتها الحقيقية بعيداً عن كل المسرحيات والمزادات.

هل يحلوا بعد الان للمثقفين الذين يرون فيها حلماً طالما عاشوا مدافعين عنه ، وهم يرون فيها نموذجاً للحكم الحلم الذي يجب أن يحتذيه العرب خصوصاً والمسلمون عموماً إذا ما أرادوا التطور واللحاق بركب الغرب ويستمروا في نهجهم ذلك،ان المولعون بالحديث عن هذه الديمقراطية المزيفة في نمطها الغربي لا يخفون أبداً إعجابهم التام بذلك النموذج بل يتجاوزون ذلك إلى أن بعضهم يرى أنها هي المخلص من مشاكلنا وعقدنا التي جعلتنا في الصفوف الخلفية في هذا العالم المليء بالتحديات كما نسمعُ بالكثير من مصطلحات الحرية والعدل والمساواة والإخاء والوفاق الإنساني التي تقترن بالديمقراطية ، ولكن هل هذه المصطلحات البراقة والجميلة تم تحقيقها على أرض الواقع الغربي أصلاً قبل أن يطالب بها للغير.

وقد أكد الكاتب والبروفيسور الأمريكي بول كريغ روبرتس أن الولايات المتحدة ما زالت تستخدم شعارات الحرية والديمقراطية المزيفة للتدخل السافر في شؤون دول غيرها وشنها الحملات العسكرية والغزوات على الدول فضلا عن قيامها بعمليات التجسس الواسعة ليس فقط على الأمريكيين بل على المدنيين في جميع أنحاء العالم.

وفي تناقض واضح وتام للادعاءات التي تتشدق بها حول السماح لمواطنيها بالتعبير عن آرائهم والحصول على حقوقهم وحرياتهم المدنية أعطت واشنطن لنفسها الحق في قمع الاحتجاجات الشعبية المناهضة لها والأصوات المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية كما عملت على تأسيس وإنشاء تنظيمات إرهابية خارجية على غرار تنظيم داعش الإرهابي في سورية من أجل تحقيق اهدافها وأجنداتها التوسعية.

ولفت روبرتس في سياق مقال نشره موقع غلوبال ريسيرتش الكندي الى أن الولايات المتحدة “دولة بوليسية” تمارس التجسس غير المشروع وتضرب عرض الحائط بالقوانين والمعاهدات الدولية عرض الحائط وكل ذلك خدمة “لفئة نخبوية” قليلة تسيطر على الإدارة الأمريكية. بتطبيقه في عالمنا المنهزمون من أبناء الشعوب العربية.

 لقد شرعت الولايات المتحدة في نهج سياسة إعلامية قوية للتبشير بمبادئها وأفكارها وإشاعتها في صفوف أبناء شعوبنا، ففي شهر مايو 2001 تقدم السيناتور الأمريكي تيد كيندي لمجلس الشيوخ نيابة عن عشرة آخرين من أعضاء المجلس بمشروع يحمل اسم (الجسور الثقافية لعام 2002)، ترصد له ميزانية إضافية تبلغ 75 مليون دولار، هدفه احتواء شباب العالم الإسلامي ثقافياً، وصناعة قادة المستقبل في الدول الإسلامية من داخل المؤسسات الثقافية الأمريكية، ضماناً لاستمرار مسلسل التبعية الحضارية، وقال مستشار الأمن القومي في ولاية الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في شرحه لأهمية اقتناء قناة فضائية اسرائيلية ناطقة بالعربية وموجهة الى العالم العربي:”إن نصف الشعب في السعودية مثلاً تحت سن 30 عاماً، وإن هذه الأجيال ليس لها معرفة بالاستعمار ولم تجربه، كذلك لم تجرب الحرب مع اسرائيل، ولم تعرف للقومية العربية انتصاراً أو تحقيق آمال وطموحات..

وقد كشفت تسريبات سنودن الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية برامج سرية تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية للتجسس على الاتصالات والبيانات الشخصية داخل الولايات المتحدة وخارجها وحاول كبار المسؤولين في إدارتها الدفاع عن هذه العمليات في مواجهة الانتقادات الدولية ولجؤوا إلى الحجة القديمة نفسها التي تستخدمها واشنطن في تبرير ما تقوم به من انتهاكات ألا وهي “حماية الأمن القومي”.

وبعد هذه كله اليس من حقنا  كشعوب منطقة لمستقبل افضل أن نعي لما يحاك لنا في مطابخ الإعلام الأمريكي من مخططات ومؤامرات دنيئة تستهدف عزتنا واستقلالنا وحريتنا ومقدساتنا وتسعى لنهب ثرواتنا وما علينا إلأ ان نكن يقضين ونتسلح بالعلم والمعرفة والتفكر بمستقبلنا ومستقبل أجيالنا الصاعدة وندق ناقوس الخطر لما يعدونه في تلك المطابخ لسلب عقول الشباب وإلهائهم بشبكات التواصل والفيسبوك والموضة والأفلام الخلاعية والمحطات الهابطة التي تشتت عقولهم وتحرفها عن العلم والمعرفة…

 

عبد الخالق الفلاح -  باحث واعلامي

 

 

حقائق مذهلة من المهم ان يعرفها المواطن العربي

التفاصيل
كتب بواسطة: نبيل عودة

نبيل عودةأشار تقرير صادر عن الجامعة العربية قبل عدة سنوات، وصدر تقرير دولي مشابه أيضا من الأمم المتحدة، (الواقع اليوم اكثر سوء) الى مخاطر اتساع الفجوة التكنولوجية والعلمية بين العرب وإسرائيل، يؤكد التقرير اهتمام اسرائيل بتنمية قوتها الذاتية على خلفية علمية وتقنية جبارة، تنفق اسرائيل علي البحث العلمي بصورة لائقة تعكس تطلعاتها ورؤيتها الواعية لأدوات المعركة، بما يعد خطرا داهما على الأمن القومي للعرب، وتستقدم العلماء اليهود من مختلف أنحاء العالم وبخاصة أوروبا وأمريكا كل عام لمدة 3 شهور، للاستفادة من أبحاثهم العلمية ولحل مشكلاتهم، حيث استقدموا حتي الآن 78 ألف مهندس و16 ألف طبيب و36 ألف معلم و13 ألف عالم مختص بالتكنولوجيا المتقدمة وفقا لتقرير جامعة الدول العربية. العالم أحمد زويل عالم كيميائي مصري، أمريكي الجنسية، حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1999 لأبحاثه في مجال الفيمتو ثانية.  بالطبع لم تتوفر له فرصة ليقوم بأبحاثه في مصر.

تكتفي الدول العربية في علاقاتها مع العلماء العرب المنتشرين في بقاع الأرض بالطابع التشريفي، حيث تقوم مراكز الأبحاث باستضافة عدد من العلماء المصريين المهاجرين بالخارج إلي مؤتمراتها السنوية حتي يكتسب المؤتمر طابعا براقا لا أكثر، وكأنه مهرجان سينمائي مثل " كان " أو "أوسكار" الذي يتلألأ بنجومه.

تقول د. غادة الخياط- خبيرة الفضاء المصرية وكبيرة مهندسي الأنظمة المتعددة بجامعة هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، التي زارت مصر في مهمة علمية في مجال تصميم سفن الفضاء متعددة الأنظمة والاتصالات والتدريب في مجال الأنظمة الهندسية لسفن الفضاء- : إن الحكومات المصرية المتعاقبة اكتفت في تعاملها مع العلماء بإرسال خطابات للمحافظات التي ينتمي إليها هؤلاء العلماء لدعوتهم في احتفالات الأعياد القومية لكل محافظة حتى يحدث نوع من الربط بينهم وبين بلدهم!

اوصت د. غادة بتخصيص ميزانيات في السفارات المصرية بالخارج للاجتماع بهؤلاء العلماء المتميزين بصفة دورية ودعوتهم للمؤتمرات العلمية، مشددًة علي أن لهم أسبقية الدعوة عن غيرهم من علماء العالم كافة ، مطالبًة بأن تقوم شركات السياحة الوطنية بدعوتهم في رحلات سياحية متخصصة، وأن تسعي كل أجهزة الدولة إلى تدعيم إحساس هؤلاء العلماء بمصريتهم حتي يمكن أن يشكل منهم "لوبي" في الخارج يدعم موقف مصر والأمة العربية في أي قضية نكون طرفًا فيها، خاصةً أن هؤلاء العلماء يحتلون مراكز مرموقة في البلاد التي يعملون بها، مع اعتبارهم سفراء لوطنهم في الخارج.

وقالت إن تعامل الحكومة المصرية مع هذه العقول كان بمنطق المشاركة الشرفية في الاحتفالات القومية، وكانت النتيجة تدني مركز مصر بين الدول في مجال البحث العلمي حتي أصبحت الهوة واسعة بيننا وبين أشد منافسينا بالمنطقة : اسرائيل، إذ تراجع ترتيب مصر بين الدول في مجال البحث العلمي عام 2007م إلي المركز 135، بينما قفز ترتيب اسرائيل إلي الـمكان ال 14، بل تقدمت علينا دولة عربية أخري وهي الإمارات التي احتلت المركز 65 بين دول العالم، أما عام 2000م فقد كانت مصر في المرتبة الـ 114 بينما كان ترتيب الإمارات الـ 70 في حين كانت اسرائيل في المرتبة الـ 21، والسبب معروف هو أن مصر تخصص 0.8% من ميزانيتها للبحث العلمي في حين تخصص اسرائيل 5% (الحديث اليوم عن 7% على الأقل) من ميزانيتها للغرض نفسه، بالإضافة لميزانية وزارة الدفاع التي يخصص منها جزء للأبحاث العلمية العسكرية، طبعا عدا الدعم المالي الأمريكي للأبحاث العسكرية والدعم الاقتصادي.

وصف وقتها الدكتور عصام حجي حال البحث العلمي بمصر بأنه غير صحي برغم ما تتمتع به مصر من كفاءات متميزة ونادرة جدا ووجود علماء في كثير من المجالات، مشيرا إلى أن مصر فيها عقول لا تقل عن أي دولة متقدمة لكن الفرصة ليست متاحة لهم، ومن ثَمَّ فنحن في حاجة إلى إصلاح مالي، بالإضافة إلى ضرورة ربط مراكز البحوث بمواقع الإنتاج مع استثمار النبوغ الفطري الذي يتمتع به الشعب المصري من خلال الاهتمام بالعلم قبل كل شيء.

مصر لديها مئات الآلاف من التخصصات القادرة على تغيير صورة الحياة على أرضها، حسب المعلومات التي نشرت وقتها، مثلا في الطب كان يوجد بالولايات المتحدة 47 جراحا وطبيب قلب متميزين جدا، وفي كندا 11 طبيبًا، وفي أستراليا 7 أطباء، و66 طبيباً بالاتحاد الأوروبي، أما في مجال الطب النووي يوجد ثلاثة بالولايات المتحدة واثنان بكندا ومثلهم بأستراليا وستة في الاتحاد الأوروبي، وفي تخصص العلاج بالإشعاعات يوجد بالولايات المتحدة 10 علماء متخصصون وبكندا واحد، وفي أستراليا ثلاثة أما الاتحاد الأوروبي فيوجد به ستة، هذا بالإضافة لباقي التخصصات مثل علم المناعة والسموم

ويوجد بمجال هندسة المؤثرات الميكانيكية بالولايات المتحدة 42 عالمًا مصريا و7 بكندا وواحد بأستراليا، و7 بدول الاتحاد الأوروبي، وفي هندسة المدن والسدود يعمل بالولايات المتحدة 31 عالمًا وبكندا 14 و10 في الاتحاد الأوروبي، وفي مجال المايكرو إليكترونيات يعمل بالولايات المتحدة 52 عالمًا، و14 بكندا، و8 بأستراليا، 19 بدول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تخصصات الهندسة النووية واستخدامات أشعة الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة.

أما رجال الأعمال المتميزون بالخارج فمنهم 44 في بيوت الخبرة الأمريكية، و41 ببيوت الخبرة الكندية، و8 في أستراليا و132 بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تخصصات السياحة والتصدير والاستيراد، وتخطيط الصناعة.

ملاحظة: هذه الأرقام نقلتها من تقرير صدر قبل عدة سنوات، وتقديري الطبيعي ان الواقع اليوم أكثر سوء، وإذا اضفنا تقرير مستوى الجامعات السنوي سنجد ان العالم العربي في الحضيض. لذا نشهد اليوم تفكك الكتلة العربية، والتخلي عن كل الروابط القومية والانسانية، بل والتحالف مع أخطر قوة انيط بها شل تقدم وتطور العالم العربي، وأكثر من ذلك، نهاية للفكر القومي العربي الذي لم يتطور أصلا، ولن يتطور بغياب تطوير اقتصادي وعلمي اسوة بالبلدان المتطورة وإسرائيل في مقدمتهم!!

 

اعد التقرير: نبيل عودة

 

 

الدولة كمرجعية للذوق

التفاصيل
كتب بواسطة: د. نبيل ياسين

نبيل ياسينتأخذ الدولة من المجتمع مرجعياته للذوق، وبذلك تكون الدولة مرجعية للذوق العام. حسنا دعونا نحاول تبني مبدأ كيفما تكونوا يولى عليكم، بمعنى ان الثقافة التي يعيش بموجبها الناس تنتج الحاكم المناسب لهذه الثقافة، الثقافة الشعبية التي تؤمن اننا بحاجة الى ديكتاتور تؤمن الطريق لصعود ديكتاتور بطلب منا، اي ان شرعية الديكتاتور هي شرعية شعبية جماهيرية. يقول الفيلسوف الفرنسي منظر الديمقراطية الحديثة ونشكلها، ألين تورين، ان الثقافة الديمقراطية هي الايمان الراسخ بعدم امكانية عودة الديكتاتورية. فلماذا لا تعود الديكتاتورية في حالة ايماننا باننا بحاجة الى ديكتاتور؟ ان ذوق المجتمعات التي عاشت تحت حكم الديكتاتوريات يفسح المجال امام عودة الديكتاتوريات لانها تمنحها الذوق الدكتاتوري ويتجلى ذلك في الفخامة في المباني بغض النظر عن الجماليات المعمارية وفي التماثيل العملاقة والمنصات العالية والنصب العسكرية بحيث تغيب التفاصيل الجمالية والفنية لصالح الكتلة الكبيرة، التي تجسد الشمولية بجبروتها. وتمنح الشمولية للفن والادب وظيفة التمجيد على حساب المجد الحقيقي بحيث يتحول الذوق العام الى وظيفة استعمالية تخلو من الوظيفة الجمالية الذوق العام يمنح الدولة شرعية لان تكون ديكتاتورية. وتقوم باختصار زمن العمل الفني والثقافي استجابة لحاجة الشمولية الى الهيمنة Hegemony لقيادة الصراع بين الطبقات من خلال الأيديولوجيا حيث يضع (ألتوسير) جهاز الدولة الايديولوجي الثقافي وجهاز الدولة الايديولوجي الاعلامي ضمن الاجهزة الايديولوجية التي تشيع الأيديولوجيا بين افراد المجتمع، والتوسير هنا ينتقد مفهوم الهيمنة الثقافية الشائع لغرامشي لكنه لايتخلى عنه.. ان الهيمنة الثقافية الى جانب الهيمنة الايديولوجية، من خلال نشاطيهما عبر اجهزة الدولة تقومان بصنع الرأي العام وضمن هذه المهمة تصنع الذوق العام في كتابها (اسس التوتاليتارية) تتابع حنا ارندت نظامين شموليين هما الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين والمانيا في العهد النازي، وتشير الى (النبوءة) والى (العصمة) باعتبارهما سلاحا ايديولوجيا ينسب الى المؤول قوى رائية مما يشجع الدكتاتوريين على اعلان مراميهم بشكل نبوي. وتأتي بمثلين، الاول حين (تنبأ) هتلر في تصريحه امام المجلس الامبراطوري في شباط ١٩٣٩ عن الحرب وابادة اليهود بادئا كلامه بـ(اليوم ايضا اذكر لكم نبوءة) والثاني خطاب ستالين امام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام ١٩٣٠ الذي (تنبأ) فيه بالتصفية الجسدية لخصومه الذين سماهم (الطبقات المحتضرة). تقوم صناعة الذوق العام لتهيئة المجتمع لقبول هذه النبؤات وتمجيدها. ويلعب الذوق الثقافي للمجتمع دورا في تقبل الجرائم وتمجيدها عن طريق تمجيد الذوق العنيف، ليصبح (نمطا ثقافيا). وتتحول الثقافة الى ثقافة عنف يساهم التراكم التاريخي (الزمني) في تحويلها الى (هوية متلازمة) اي هوية مزيفة تسحق بعنفها الهويات الفرعية والثانوية وتطمس الهويات الاصلية لنسأل الآن ماهي ثقافة الذوق الاجتماعي. وكيف يمكن لهذا الذوق ان يكون الذوق العام للمجتمع؟ ان الثقافة الشمولية ثقافة ديكتاتورية. وهي نمط التفكير والقبول والرفض. نمط تقبل الفكرة الزائفة على انها تنسجم مع الحقيقة، لان الثقافة الشمولية، وعن طريق الهيمنة، تقوم بصناعة الرأي العام المزيف. حيث ينتج التزييف عن طريق التبني العاطفي للفكرة لصنع ذوقا مزيفا يعتبره المتبني له خصوصية وطنية او قومية او دينية.. هل هذا التحليل انصاف ام تعسف؟ سنرى ان الذوق العام في ظل الاعتقاد الايديولوجي النمطي سيعتبره تعسفا على الارجح لان الشمولية الايديولوجية تحل محل الثقافة لاشاعة الاعتقاد بان لها الحق بان تعتقد وتتصرف على انها المالك الوحيد للحقيقة. لكن في الجوهر لم تكن هناك حقيقة وانما صناعة للوهم وتقديمه كحقيقة بدل الحقيقة في النظام الديكتاتوري يتشكل الذوق العام وفق منظورها للفن والثقافة. ففي الدولة الديكتاتورية مثلا تكون هناك لجنة لفحص النصوص الغنائية لتكوين الذوق السياسي فاغاني الحرب التمجيدية الصاخبة كانت تشكل الذوق العام العنصري، الذي ما زال سائدا في مجتمعاتنا التي تمجد الديكتاتور لانه قوي عسكريا كما ان الصحف والاذاعة والتلفزيون تشكل هذا الذوق عن طريق التكرار والضوضاء المصاحبة لعملها. وحين تنتهي الحرب يكون الفراغ قد سمح للاغاني الهابطة واغاني الغجر وايقاعاتها ان تكون البديل فقد كان الغجر في العراق مثلا هم سلوة قادة الدولة المسلوبة الذين اسسوا (ثقافة) كانت خارج المجتمع لتصبح في قلب هذا المجتمع وحين تتوقف الحرب وتستمر مأساة نتائجها فان المحتوى الجديد لمحرري الصحافة يكون هو المتن الفارغ من كل تأثير لانه فقد مهمة (التعبئة) وتحول الى ملء الفراغ حيث يسقط الذوق العام في ورطة لا يخرج منها الا اذا مدت دولة شرعية وحديثة ومؤسساتية ايديها لتأسيس ذوق عام جديد.

 

نبيل ياسين

 

أحاديثٌ للموسيقى

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عادل بن خليفة بِالكَحْلة

عادل بن خليفة بالكحلةالحديث الأول: على ضفاف النبوة:

كلنا نعزف الموسيقى، عندما نتكلم ونصمت، وعندما نقوم ونقعد... لكل واحد منّا موسيقاه؛ ولكل لهجة موسيقاها، ولكل لغة موسيقاها... للبرق موسيقاه، وللريح موسيقاه، ولحفيف الأشجار موسيقاه، ولأصوات الحيوان موسيقاها المختلفة...المؤذن الوهّابي له موسيقى تدميرية لأنّ إلَهَهُ غير رحيم، غير جميل، متحالف مع الملوك، غشوم، كموسيقى السعودي السديس... أما المؤذن المتصوف بمدينة طوبى السّنغالية أو مدينة عين ماضي الجزائرية، أو المؤذن بطهْطا أو أسيوط، فلهم موسيقاهم الرقيقة، الحنون، لأن إلههم هو الرحمان الرحيم إله الرحمة لكل العالمين. فهو كما قال محيي الدين بن عربي: «إن الله تعالى ما أوجد العالم إلا عن حب»... من سوء الحظ لم يقرأ لي أحد كتابي: الفن والاجتماع في عالم الاسلام، الذي أدعي أنني جددت فيه جذريا في أنثروبولوجيا الموسيقى والفنون التشكيلية والمسرح والسينما في الإسلام... كأنما حرثت في البحر!

لا يقوم التّأسيس العرفاني لإبِسْتِمية الموسيقى في الإسلام على مقولتيْ «الحلال» و«الحرام»، فهما تابعتان لهذا التأسيس لا مستقلتان، ولا يقوم كذلك على مقولة «المُباح».

فمحيي الدين بن عربي يجعل المخيال الفني قائما بين مقولتي «الحب» و«الجمال»: «مَنْ أحبَّ العالم لجماله، فإنما أحب الله»[1]. وما دام الإحساس بالجمال متفاوتًا بين الإحساس بالجمال «المقيّد» والجمال «المطلق» يكون العمل الفني متفاوتا بين هاتيْن الدّرجتين.

لقد كُنّا في نَظر ابن عربي «في جوهر العَمَاءِ»[2]، ولم يكنْ شيء، إلاّ لما قال الحق كلمة: ﴿كُنْ﴾ (سورة يس، 82)، هُنالك كان الشيء: «سَمِعَ، فالتدَّ بسماعه. فلم يتمكن له إلا أن يكون»[3]. ولهذا كانت الموسيقى، عنده، اسمها «سماع»، فأساسها الأنطولوجي سماع كلمة ﴿كُنْ﴾ بكُلِّ موسيقاها الإيجادية. فكان الخالق، زَابِرُ موسيقىً في الآن نفسه، في حركة الأفلاك، وخفيف الأوراق، وخرير المياه، وفي أصوات آلات الموسيقى...

ويتفاوت «السماع» بين «سماع طبيعي» بسيط، القريب من الحالة الأولى للإنسان، فإذا ارتقى الإنسان، ارتقى سماعه لموسيقى الكون، فسمِع «السماع الروحاني»، وهو «صَرْف الأقلام الإلهية بلوْح الوجد المحفوظ مِن التعبير والتبديل»3.

فإذا اكْتَنَهَت النفسُ العاقلةُ السماعَ الروحاني، كانت مُبدعًا موسيقيًّا أرقى من الموسيقيّ الطبيعي، فيكون أكثر التزامًا بالمصير الفردي والمصير الجماعي والمصير الكوني.

فإذا ارتقى الإنسان أكثر، عرفانيا، سمع «السماع الإلهي» فيتجاوز «النغمات المعهودة في العُرْف»[4]، حيث يكون «الكون كله سماع»[5]، فيكون التحقق بالحق، ويكون كل العالم مُؤَوِّبًا لموسيقى العَارِفِ: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ (سورة سبأ، 10)، والتأويبُ في معناه الأوّلي هو: الترداد، وفي معناه العرفاني: التَّماهي بنور العُرَفاء.

إنه لمن الصعب أن نجد تأسيسًا للموسيقى، كتأسيسها التطوّري إِبِسْتِميًّا، في السياق الإسلامي[6].

الحديث الثاني: حين احتفت نهاد حدّاد بالنبيّ محمد:

مَنْ مِنا لا يعرف صدق «فيروز» في تمثّلها الموسيقيّ للنبيّ محمد (ص) الذي سرت معه إلى مدينة القدس و إلى فلسطين:

يا ليلـــــــة الإســـــــــــراء           يا دَرب مَنْ مرّوا إلى السماء

عيوننا إليك ترحل كل يوم             وإنــــــني أصــــــــــلّي

مَنْ مِنّا، لا يعرف صدق فيروز حين تحملنا إلى مكة الأصليّة الجميلة، (لا مكة التي دمَّرتْها جرَّافات العمارة السعودية المتغرّبة):

غنيت مكة أهلها ا الصّيدا

و العيد يملؤ أضلعي عيدا

فرحوا فلألأ تحت كل سما

بيت على بيت الهدى زيدا

مَنْ هُم أهل مكة الصّيدُ عند الشاعر العظيم سعيد عقل، والرحبانيّين؟ هل هم أبو جهل وأبو سفيان وأخته حمّالة الحطب؟! لا... هؤلاء غزاة لمكة.. إنما كان قصد الشاعر والرحبانيين: محمدًا، وخديجة، وياسر، وعمّار بن ياسر، وأبا ذرّ، والحدّاد: خبّاب بن الأرت، والتاجر الصغير بعد تحرّره مِن العبودية: بلال بن رباح، وسُميّة... هؤلاء هُمْ أهل مكة، و«صِيدها».

كانت ذروة بَوح «الفيروزج» عن عشقها للنبي محمد (ص) هو قصيدة الرحالة المتصوّف العظيم: ابن جبير  الأندلسي:

أقول واّنست بالليل نارا لعلً سراج الهدى قد أنارا

وإلا فما بالُ اُفق الدُجى كأنً سنا البرق فيه استطارا

وهذا نسيمُ شذا المسك قد أًعير أَم المسكُ منه استعارا

بشائر صبح السًرى اّذنت بأنً الحبيب تدانا مزارا

جرى ذكرُ طيبه ما بيننا فلا قَلبُ في الًركب إلا وطارا

حنينا إلى أحمدَ المُصطفى وشَوقا يهيجُ الضُلوع استعارا

ولما حللنا فناءَ الرسول نزلنا بأكرم خلق جوارا

وقفنا بروضة دار السلام نُعيد السلام عليها مرارا

إليك إليك نبيً الهُدى ركبنا البحار وجبنا القفار

دعانا إليك هوى كامنٌ أثار من الشوق ما قد أثار

عسى لحظةٌ منكَ لي في غد تمهد لي في الجنان القرارا

فما ضل من بسُراك اهتدى ولا ذُلً من بذراك استجارا

يا الله !! كم أحبّكم أيها الرحابنة العظماء، لأنكم عَمَّقتم فهمي للرحمة لكل العالمين، وربطتموني بها رَبْطا أنطولوجيّا سَعَاديًّا يمنح الحياة، ويعيد ولادة الحياة...

الحديث الثالث: حين أنشد وديع الصافي للتدين الإسلامي:

وديع الصافي، المسيحي، لم يقُمْ بـ«بِدْعة» حين أنْشد للإسلام، لأن المسيح عربي- سوري ومحمد عربي- حجازي، ولأن المسيح إبراهيمي ومحمدا إبراهيمي، لأن الإسلام المحمّديّ لا يكتمل إلا بإيمانه بحضور المسيح في قيامة العَالَم، أي في تغيره جذريا :«كيف أنتم [هل ستكونون في المستوى المطلوب] إذا نزل ابن مريم فيكم؟!» (البخاري).

لحّن الوديع الصافي للشاعر المسلم سعد الله آغا القلعة:

شهرنا السمحُ قد بدا .. خيّراً يغدقُ الندى

يمنحُ الطيبَ والسنا .. يرسلُ النورَ والهدى

يسعدُ المؤمنَ الذي .. نالَ بالصومِ مقصدا

قال يا رب نجّني .. واستمع دعوة النِدا

إنني جئتُ أرتجي .. من تجلى وأرشدَ

إقبل التوبة استجِب .. للذي جاءَ قاصدَ

بابكُ اليوم غايتي .. فاهدني انتَ من هدا

انتَ ذخري وموئلي .. من اذا شاءَ أنجدَ

ولحّن للشاعر المسلم موفّق شيخ الأرض: «صائمون».

وهاهو يغني أيضا: «قصيدة مكة»…

الحديث الرابع: يا نسيم الروح مُحَمَّدٍ، هل تَذْكر رَشا مكّة و عطف النبي عليه؟! (مرسال خليفة والرحمة للعالمين):

يُنْشِدُ مرسال خليفة سمو التدين. ولكنه يتأسف لأن أهل التدين الحق قليلون في زمن الأنانيات:

في فوق سجادة الصلاة  وِلِّي عَمْ بِيصَلّو قْلاَلْ

[الصلاة سجادة عالية]  [ومَنْ يُصلّون قليلون جدًّا]

ورغم غياب هذا المتدين، فهو حاضر في كل إيجابيات الحاضر:

بغيبتك نزل الشتي    قومي أطلعي عالبال

في فوق سجادة صلاة  و اللي عم بيصلوا قلال

صوتهم مثل مصر المرا    و بعلبك الرجاااال

ع كثر ما طلع العشب بيناتنا   بـــــيرعى الغزال

كان عظيمًا جدّا، وغير متوقّع، أنْ يكتشف العظيم مرسال خليفة محمدًا (ص) بواسطة عشق الحَلاج له، لأنّ الحلاج مدينة صعبٌ دخولها، فدونها جواز سفر خاص.

جاء الحلاج بعد سفر طويل إلى مكة... هناك في بيدائها، رأى الرشا... تذكّر أن مُتْرفي مكة هدَّدوه بعبثهم بالانقراض الناجز، ولكن محمدا(ص) الرحمة لكل العالمين، حرم صيده، لما دخل موطنه مكة دخول العَبْد (لا دخول الفاتحين المدمّرين) دون قتالٍ (وتلك في حد ذاتها عظمة الفتح المبين، الفتح الحقيقي). التفتَ بعد تثبيته الأمن التام في مكة التي كانت عدوانية، تآمرية، إلى رشا مكة، فحنَّ له بقلبه السماوي، إذ حرَّم صَيْدَه حتى يُصبح غير مُهَدَّد فعلا بالانقراض ... فلم يُسمح بصيده إلا بَعْد حواليْ 40 سنة من وفاة الرحمة للعالمين، بعد أن زال تهديده بالانقراض...

فعندما يرى عاشق محمد غزال مكة، ولا يتذكر سبب بقائه، لن يكون حلاَّجا، أي صَانعًا لقُطن القلوب السالكة. فالحلاج يريد من النبي أن ينقذه مثلما أنقذ الرشا:

يا نسيم الريح قولي للرشا      لم يزدني الورْدُ إلا عَطَشا

[لم تزدني أوْرَاد الصلاة على النبي إلا عطشًا لحبه]

لي حبيبٌ [هو الذي عطف علي وجودك، فحَرَّم صَيْدك وقتْلك!]

حُبّه وسط الحشا     إن يشأ يمْشي على خدّي مَشَى

[والخدّ عند السالك هو الاجتهاد في عبادة المحبوب: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود﴾.

الحديث الخامس: رِبْعيّة الحقل الموسيقي في إيران:

يقول الفيلسوف علي عزت بيكوفيتس: « الدين والفن والأخلاق فروع سلالة واحدة».

من حُسن الحظ أن الموسيقى في إيران ثورية ذات رِبْعة(استقلال ذاتي)، لأنها لا تنفك عن الدين، أي عن الحياة الأنطولوجية دون تجزئة ولا انفصام..

يقول مُربّي السلوك بَانَاهْيَان:

«قال لي أحد الأساتذة في الموسيقى: (شيخنا، لا تتصعّبوا كثيرًا في الموسيقى). فقلت له: (ولكننا لا نتدخل الآن بشأنكم!). قال: (صحيح، ولكن الموسيقى مهمّة جدّا، وأنا أتوقع أن في المستقبل سيستخدمون الأرْعن في المساجد ويعزفون الموسيقى، كما يستخدمونها في الكنائس). فقلت: (ولماذا يستخدمونها في المساجد؟) قال: (لأن بعض أنواع الموسيقى تستهوي القلوب وتجذلها، بل إنها معنوية وعرفانية، وتجذب القلوب صوب الله). فقلت: (المشكلة هي أنك لم تلتفت إلى نقطة). قال: (وماهي؟). قُلت: (هي أن الله يريد أن نتوجه إليه بلا استعانة). قال: (وما الإشكال في ذلك؟). قلت (هو أنه قد أعدّ صلاة الليل، وقال لا يُفترض أن يأتيك مدّاح أو خطيب أو ناعٍ في ذلك الوقت. ينبغي في ذلك الوقت أن تكون على حقيقتك. فلا تشغّل شريطا، ولا تبث شريط مناجاة، بل كُن على حقيقتك. ولا داعي لأدائها جماعة، بل ائتني وحدك. إنْ لم يتجه قلب: امرء إلى الله إلا بالمحاضرة، فهذا غلط، وإذ كان المرء لا يتجه قلبه إلى الله إلا في جلسة المناجاة العامة فهذا غلط. جلسات المناجاة العامة في محلها، ولكن فليحافظ على المناجاة بشكل خاص أيضا، وليكن له واعظ من نفسه. فعظ نفسك بنفسك!)».

حياة الحقل الموسيقي باستقلاله الذاتي إذ يحتوي الكينونة الإنسانية، على حقيقتها، كما خلقها الله تعالى. هنالك يلامس شواطئ النبوة ذلك ما تكتشفه مع محمد اصفهاني في: «امشب در سر».

الحديث السادس: مسيحي أرْمَني من إيران يكتشف قَلب النبي محمد، ومجيد انتظامي موسيقيّ يَنْظُمُ وِفق رُسُوم بَهزاد:

الموسيقيّ الإيراني، الأرْمني العظيم لُورِك تْجِكْ نَافُورْيَانْ (مولود عام 1937) يؤلف سنفونية: «رسول الحب والأمل» عن النبيّ محمد، عام 2015. كم سمعناها من مرة في مهرجاناتنا العربية؟! كم سمعناها من مرة في قنواتنا التلفزيونية العربية؟! هل هي موجودة في إنترنتنا «العربيّ»؟ لم نسمعها مرة واحدة!!!

لماذا يحب الأرمني المسيحي-الإيراني محمّدًا مُعبّرًا عنه موسيقيًّا؟؟ هل هذا موجودٌ لدى اليهودي التونسي والمسيحي المصري أو الأردني؟؟ لماذا؟

أمَّا مجيد انتظاميّ، فهو غارقٌ بتمَاهِيه الإنساني في الأنطولوجيا الإسلامية. فيكتب: قميص يوسف، رثاء قائد، رسالة إلى كوثر، سفينة النجاة، ملحمة خُرَّمْشَهْر، مِعْراج، أيلول الشهداء... واضح جدّا أنه مستغرق في أسطورة شعبه ونماذجه الدينية، وفي الأحداث المفصلية للتاريخ الراهن إذ يعيد صياغة ملاحم أمته ومآسيها... وهل كان بِتْهُوفْن وسيباستيان وأنطونيو فِيفَالْدي إلا معيدين لإنتاج الكتاب المقدَّس ومتعمقين فيه لفهم الأحداث العظيمة بعصرهم؟!

الحديث السابع: حسين علي الحسيني: عالِم دين يخطو خطوة نحو الموسيقى... ولكنها ليست بحجم خطوة جلال الدين الرومي:

في السياق التشيعي اللبناني، نلاحظ أن عبّاس الموسوي، كوَّن الفرقة الموسيقية للمقاومة، ضِمْن مؤسّساتها الأُولى زمنا، وكان شراء آلاتها الموسيقيّة من ماله الخاص. وكان محمد حسين فضل الله، مُدَافعًا عن حق مرسال خليفة في تلحين آية من سورة يوسف، عكس علماء دين سنيين أدانوه.

فالموقف الفقهي الشيعي من الموسيقى (والممارسة الفنية عمومًا) إمّا محلّل، أو راجئ للأمر إلى تقدير المكلّف، أو صامِت، على عكس الموقف السني الغالب الذي هو التحريم والشيطنة[7].

يقول المجتهد سيد علي الحسيني: «إن جميع الحناجر الإنشادية تُخرج أنغاما تنطبق على هذه الأجهزة (الإيقاعات) الإثنتي عشر. فهذه ليست محرمة، إذ أن الموسيقى ليست سوى هذه الأنغام والإيقاعات والأدوار. وعليه ليست محرّمة إلا إذا داخلها شيء محرَّم»[8]. والعمل الفني لديه مرتبط بالاستقلال الذاتي لمبدعه، إذ «الفنان لوَحْدِهِ عالَمٌ»[9]. ولذلك ينبغي أن لا تكون الرسالة الفنية –في نظره- نَمطيّة، فَجَّة الوعظ، بل يجب أن تَتَحمل الفرادة المنفتحة على الناس والحياة و«هموم الناس البسطاء»[10].

كان عالِم الدين، السيد محمد علي الحسيني، قد شغل كثيرًا من الناس، بعزفه على آلات موسيقيّة، بالأنترنت، فأيده ناسٌ واحتجَّ عليه الشق الإخباري مِن علماء الدين الشيعة. لقد التزم هذا الشق الصمت على السيد محمد علي الحسيني عندما كان يمارس الموسيقى في صمت دون إعلان للعموم(ويشاركه في ذلك عالما دين شيعيان لبنانيان إثنان بالأقل).

إنها لحظة  تاريخية أن يكون عالم الدين الشيعي فارابيا وسينويا معترفا بالموسيقى ممارسة مثلما اعترف بها نظريا. ومن العيب أن لا يكون عالم الدين داوديا تؤوب معه الجبال والطير. بل من العيب أن ينفصل الحقل الديني عن الحقل الفني وقد كانا حقلا واحدا منذ بداية الإنسان، قبل أن  بنفصلا في الغرب الحديث. فمن هذه الناحية تعتبر لحظة السيد محمد علي الحسيني انخراطا في التاريخانية الابستيمية الشيعية_السينوية.

ولكن رغم ذلك كان السيد محمد علي الحسيني، خارج السياق العرفاني-التشيعي التاريخي.

فنحن نلاحظ أن الحضور الموسيقي للسيد محمد علي الحسيني لا يتجاوز المرحلة الموسيقيّة الأولى في تنظير محيي الدين بن عربي لتطور الممارسة الموسيقيّة. فهو ضمن مرحلة «الموسيقى الطبيعية»، مُسْتجيبًا للحالة السّماعية الأولى.

ولم نجد لدى السيد محمد علي الحسيني هفوًّا للمرحلة الموسيقيّة الثانية في تنظير ابن عربي: مرحلة «السماع الروحاني»، حيث الإصرار الإبداعي بالالتزام الأنطولوجي الكادح. فلم نجده إلاّ مصرّا على المَشهديّة، أي «إلقاء الضوء على عالم الدين باعتباره إنسانًا عاديًّا»، وعلى الحقوق الأنَوِيَّة، إذ أن عالم الدين «يحق له ممارسة هواياته»، فلا يعنيه تراث «الضيعة» ولا أوضاع «الناس البسطاء»، فلا علاقة له بأنطولوجيا الفن عند ابن عربي وسيّد علي الحسيني.

فهو عادة ما يكرّر إبداع الآخرين، مع ألحان ذاتية قليلة لا تحمل بحثا معمّقا في الموسيقى، ولا يحمل تموقعا ضمن أنطولوجيا الموسيقى الداودية وأنطولوجيا الفن لدى جلال الدين الرومي.

لقد صَمت جل النسيج الحوزوي على ممارسة عالِم الدين فضل مْخدَّر التشكيليّة (وإن لم يتجاوز مرحلة الفن «الطبيعي» كثيرًا)، فلم يحْتَفِ به ذلك النسيج، إمّا لإخباريّةٍ متماهية بالموقف السّلفي-السني المرتاب من الفن، أو لتقيَّة مِن النسيج العُلَمَائي السني الذي قد يَصِمُ الحوزةَ بالبدعة الفنية (موسيقى، سينما، مسرح، رسم، نحت...)، فمحمد قُطب في منهج الفن الإسلامي يُقْصي الفنون من الحِلّية.

وإجمالاً مازالت الثقافة الحوزوية ثقافة غير خلاّقة، غير متفهمة للممارسة الفنية، نظرا للأغلال غير الواعية للمدرسة الإخبارية المسيطرة عليها لاشعوريًّا. وقد كان صوت الموسيقىَ أعلى من صوت اللوحة، ولذلك كان الغضب(بل افتعال الغضب) على السيد علي الحسيني عاليا، وكان الموقف الحوزوي من الممارسة التشكيلية للشيخ فضل مخدّر هو الصمت.

إنّ المدرسة التّشَيعية – التي انتمى إليها ابن سينا والفارابي، فأنتجَتْ لدَيْهما فلسفة موسيقى وفلسفة فن، ضروريّان لمدينتهما،- مازالت دون تلك الفلسفة اليوم، تنظيرًا حديثًا وممارَسَةً، رغم الإمكانيات الثورية الضخمة فيها.

الحديث الثامن: إلياس الزحلاوي رجل دين مسيحي يضيء المودة لمحمد والإسلام والوطن!

إلياس الزحلاوي عالم دين مسيحي سوري، مولود عام 1932. درس اللاهوت والفلسفة في القدس. شارك في كتب سسيولوجية («الهوية والعنف»...). كان صديقا لرجل الدين المقاوم: المطران هيلاريون كبوجي، وكان مثله مقاوما فكان عضوا في «اللجنة الشعبية لدعم المقاومة». اهتم بالطفولة والشبيبة. درس اللغة اللاتينية وتاريخ المسرح.

أسس«فرقة هواة المسرح العشرون»، وأسس «جوقة الفرح». أشهر مسرحياته: «المدينة المصلوبة» (عن مقاومة مدينة القدس للصهيونية)، و«وجبة الاباطرة». وترجم «فكر هيغل السياسي» وغيره ...

اِنْتَقَد مجلس الكنائس العالمي لصمته عن الحرب العالمية على سوريا منذ عام 2011، مستعيدا كلام المسيح: « دَيْنُونَةً وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ أَعْظَمَ».

وكان صوته هدارا ضد الإساءة للنبي محمد (ص) . كان مع أبنائه في «جوقة الفرح» في كنائس فرنسا و الولايات المتحدة، وهو يلهج معهم:

طَلَعَ البَدْرُ عَلَينَا مِنْ ثَنيَّات الوَدَاعْ

وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لله دَاعْ

كم لدينا من عالم دين مسلم له ثقافة إلياس الزحلاوي المتنوعة من العلوم الدينية إلى الفلسفة والعلوم الإنسانية والمسرح والموسيقى وجوقات الفرح؟

كم من موسيقي مسلم لحن أشعار المسيحيين: إلياس قنصل وجورج جرداق وإلياس فرحات وجاك شماس ومكرم المنياوي وريمون قسيس وجورج صيدح وبولس سلامة وخليل مطران وغيرهم؟؟!

يا للقلوب الموصدة عن الحب!!

الحديث التاسع: الرحابنة وفيروز الذين يُحبون تونس:

لم يغنّ الرحابنة وفيروز لأي حاكم عربي، ولم يتملقوا أي ملك. غنوا للدول العربية وللوطن العربي ولفلسطين فحسب. على خلاف محمد عبد الوهاب ومرسال خليفة.

لقد زاروا تونس عام 1968 وأنشدوا: إليك من لبنان:

إليك من لبنان اغنية صديقة

يا تونس الشقيقة يا وردة البلدان

إليك يا سليلة الملاحم

يا نجمة القصائد القديمة

إليك يا قرطاجة العظيمة

حبي وما يحمل من مياسم

لشعبك الأبي من شعبي الأبي

وان مجدا كان ما بين شاطئينا

يبقى على الزمان

إليك من لبنان

 

حين أضعف، فلا أرى من وطني إلا التدهور البيئي و الفساد وضياع «ثورة» الشباب، أتذكر حب الرحابنة له فأخجل من نفسي، وأعود للمقاومة من جديد...

الحديث العاشر: بتهوفن : محمد والكعبة!

في المقطع الرابع من سنفونية أطلال أثينا، تعلو أصوات المنشدين عدة مرات: «الكَعْبة! الكَعْبة!...محمدا محمدا..».. ثم يكون اندماجنا في معراج النبيّ محمد:

في ثنايا أكمامك       حَمِلتَ القمرَ.

الكعبة!  الكعبة!  محمد! محمد!

ولقد امتطيت البُراقَ المنيرَ        لتعرج به إلى السماء السابعة

أيها النبي العظيم!

الكعبة! الكعبة!

بحق محمد، الرحمة لكل العالمين، أصْدقوني القول: كَمْ مِن سنفونية أخرجها المسلمون يعيدون بها صياغة سيرة النبي محمد!

يا لَلْعار! أين حبهم للنبيّ؟ أين إحساسهم بجمال النبيّ ورحيميته؟ أليس تقاعس الموسيقيين المسلمين من أسباب انتشار تصلب القلب المتدين لدى الشبان المسلمين؟!

 

د.عادل بن خليفة بالكَحْلة

(باحث إناسي، الجامعة التونسية)

يوليو2020_ يناير2021

..........................

[1] ابن عربي، الفتوحات المكية، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2003، جزء3، ص450.

[2] م. س، ج3، ص428.

[3] م. س، ج3، ص367.

[4] ابن عربي، م. س، ج4، ص368.

[5] ابن عربي، م. س، ج4، ص368 أيضا.

[6] راجع: بالكحلة (عادل)، الفن والاجتماع في عالَم الإسلام، معهد المعارف الحِكمية، بيروت، 2016، من ص100 إلى ص110.

[7] راجع: بالكحلة (عادل)، م. س، من ص203 إلى ص213..

[8] بالكحلة (عادل)، م. س، ص213.

[9] م. س.

[10] م. س، ص214.

 

"كلكامش في دار المسنين" للدكتور الشاعر ريكان إبراهيم

التفاصيل
كتب بواسطة: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعديملحمة أم مأساة؟

من يتابع الشاعر العراقي ريكان إبراهيم يجد أن هذا الشاعر الكبير فيما يكتبه في الآونة الأخيرة يأخذ الشعر العربي إلى مكانه الصحيح ويوظفه في عرض قضايا سياسية واجتماعية كبيرة تشغل الإنسان على مختلف انتماءاته ليس للبكاء عليها وإنما لمواجهتها وإدراكها.

هذا الشاعر كطبيب عام وطبيب نفسي يدرك جيداً العلاقة المباشرة بين الروح والجسد تماماً كما العلاقة بين الفن والمعتقد. ففي كثير من الأحيان يتراءى لنا أن المعتقد قد يعيق الفن أو يشكل حجر عثرة في طريق تحليقه. وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما. لكن الفن الذي يتجاوز المعتقد أو يقفز عنه ليس فناً لأنه منذ البداية شكل معول هدم وأداة تدمير. وأي فن هو هذا الذي يهدم ولا يعمر؟ كل أديب حقيقي يدرك أن الأدب يؤدي دوره من خلال احترام المعتقدات والعادات والتقاليد وليس بالانقلاب عليها.

"دار المسنين" هذا المصطلح أظن أنه دخيل على تراثنا ويتناقض مع معتقداتنا. وأظن أن الشاعر قال "دار" ولم يقل "بيت" كما هو متداول في المجتمعات التي تتعامل مع هذه الأطر كظاهرة حضارية، لأنه لا يحب هذه المراكز ولا يرتاح لها  ومن بداية القصيدة يظهر لنا أن الوجع شامل وعميق:

ماذا تُسمّي البيتَ حين يكونُ مَقْبرةً

وفيها أهلُها يتحركّونْ

ماذا تُسمّي الميتّين بدون مَوتْ

والناطقينَ بدون صَوتْ؟

ماذا تُسمّي القبرَ حين يصير قبل الموت

بيتْ

هذا هو الوضع العام، بتساؤل هادئ جداً وموجع جداً ومأساوي جداً يضعه الشاعر أمامنا بكل قسوته وبشاعته ومرة واحدة ومنذ البداية. ولِمَ لا، فالجميع يعرف ذلك. والشاعر لم يفعل شيئاُ أكثر من إيقاظنا أو لفت انتباهنا أو تذكيرنا. وهدفه هو تهيئتنا لما سيقوله لاحقاً.

وماذا سيقول لاحقاً أصعب من أن بيوتنا مقابر ونحن نتحرك فيها. وأننا أموات دون موت وقبورنا هي بيوتنا قبل أن نموت. وفوق كل ذلك مصيرنا جميعاً هو الموت.

الشاعر لم يطفئ الأضواء. الظلمة سائدة ومسترخية. والمسرح قائم وموجود ولكننا نسيناه فجاء ليلفت انتباهنا أنه سيروي لنا ملحمة مأساة هو متأكد أنها ستوجعنا كما أوجعته لأنها تمس مشاعرنا ومعتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا الجميلة الرائعة كما مست تقاليده ومعتقداته.

الحدث في هذه القصيدة الملحمة هو الموت الذي لا مفر ولا مهرب منه. وهو يحوّم بشكل متواصل فيما وراء كلماتها يطل أحياناً ويختفي أحيانا لكنه يظل محركها وشاحنها رغم أن أحداثها تدور في دار المسنين. الشاعر اختار دار المسنين لأنها المسرح الأكثر ملاءمة لمسرحية تتحدث عن الموت - مأساة الإنسان. يضاف إليها مأساة أخرى أن يضطر قبل الموت للعيش في ذل دار المسنين عيشاً الفناء أفضل منه بكثير:

"ليعيشَ في دارٍ يرى عنها الفناءَ أحبَّ

من عيشٍ ذليلْ"

هذا التجنيد الذكي لكل ما فينا من مشاعر هو تحضير مناخنا وأجوائنا لما سيقوله. هو تهيئة أرواحنا المدفونة لبدء العرض الموجع. ركلة خفيفة لعقولنا بسؤال بسيط لتستيقظ من سباتها. ونفض للغبار عن كل ما فينا وما حولنا: "ماذا تسمي البيت حين يكون مقبرة؟"

بعد هذا التحضير الذي أيقظنا ونبهنا لما نحن فيه تبدأ المأساة أو الملحمة التي سيرويها لنا الشاعر، بطرقات خفيفة على باب المكان-المسرح الذي تدور فيه وهو دار المسنين:

قد قالَ لي : مَنْ أنتَ؟ مَن في البابِ؟

قلتُ: أنا الطبيبْ

أنا عالِمُ النفسِ المليئةِ بالخراب وبالنَحْيب

أنا مَنْ نذرتُ بَقيّتي لعلاجِ مَنْ عاشوا

وهم موتى، فبعضُ حياتِنا موتٌ، وبعضُ

الموتِ أَهونَ من تَرقبِّه الرهيبْ

الدرامية واضحة ويلقي بها الشاعر كقنبلة مما يؤكد أننا في سياق قصيدة مأساوية. لكنها أجواء ملحمة تتراءى من خلال الأسلوب السردي في عرض الأحداث.

ليس من تمجيد وليس من بطولة تستحق التمجيد. ما هي إلا حالة رديئة تعبر عما وصلنا إليه من تردي يحاول الشاعر عرضها أمامنا لننتبه لها. هو يعد الأجواء ويضبط الديكور استعداداً لما سيقوله لاحقاً. يحشد ما أمكن من معطيات وتفاصيل ويضعها أمامنا: حارس، طبيب هو عالم نفس وجمهور من الأحياء الأموات.

الحدث هو فحوصات روتينية لهؤلاء الأحياء الأموات. والحدث عبثي وربما تراجيدي لأن المعالِج لم يعالج نفسه مما جاء يعالج الآخرين منه. أهي مهزلة أم تراجيديا؟ ومن خلال هذا الحدث يعرض لنا الشاعر مأساة هؤلاء القوم التي في الحقيقة ما هي إلا مأساته هو أيضاً ومأساتنا جميعاً.

"من أنت؟ من في الباب؟" المكان مغلق والسائل متوتر كما يبدو جلياً من بنية السؤال. فيجيء الجواب ليتكون حوار درامي يبدو من خلاله بشكل جلي أننا أمام مأساة. السائل متوتر والمجيب لا يقل عنه توتراً لأنه يعرف تماماً أنه لا فرق بينه وبين من جاء ليعالجهم فهو يعاني مما يعانون ومصيره لا يختلف بتاتاً عن مصيرهم. هنا هو البرزخ بين المأساة والملحمة. في هذا البرزخ تبدأ القصيدة الملحمة وبطلها هو الطبيب المعالج.

قمة المأساة أن تبث الأمل للآخرين وأنت أحوج ما تكون إليه. وقمة البطولة أن تساعد الآخرين وأنت أحوج ما يكون للمساعدة. ما أصعب أن تبتسم لتخفف عن الآخرين وأنت تبكي في داخلك. هذه هي حال الطبيب الشاعر. ولكنه مطالب بأن يكون قوياً مبتسماً وعليه تأدية هذا الدور . "أنا من نذرت بقيتي". بقيتي، تعبر تعبيراً صارخاً عما يدركه البطل من تفاهة حياته التي لا تختلف عن تفاهة حياة زبائنه التي لم تكن وما هي إلا انتظاراً رهيباً للموت.

الشاعر يقف بنا في البرزخ وبهدوء تام يحافظ على التوازن بين المأساة والملحمة. يلمّح ويسرد لنا المغامرات والبطولات الملحمية لبعض ساكني الدار ويذهب إلى الحوار الدرامي ليعرض تفاصيل المأساة :

فأنا صديق الأشقياءِ، فأنتَ مَنْ؟

أقعى على حِقْويهِ يرقُبني وقالَ : أنا الرقيبْ.

أنا حارسٌ في بابِ دارِ مُسنَّنينَ بآلةِ

الزمن العصيبْ

- حَسَناً ومِمّن أنتَ تحرسُهمْ ؟يقولُ:

من الهرَبْ

- يا صاحبي، أرأيتَ في دنياكَ

مَوتى يهربون؟

هذا الحوار المأساوي الذي سيتكرر مع التقدم في السرد هو الضوء الذي يستعمله الشاعر ليكشف رويداً رويداً قسوة وفداحة ما نحن فيه وإلى أين وصلنا. كان بإمكانه الاستغناء عنه والإبقاء على ملحمية القصيدة لولا استياءه ورفضه للحدث المفروض عليه بحكم عمله وواجبه كمعالِج.

"أقعى على حِقْويهِ ثانيةً وقالْ:

إدخلْ لتعرفّ ما هُناكَ ومَنْ هناكْ

دارُ المُسنّين الذين تزورُهم يا سيدي

هي آخِرُ الوَقْفاتِ في دربِ الذهاب إلى

الهلاكْ

يقفُ القطارُ بها ويأخذُ مَنْ أطالَ

الانتظار

وينامُ مَنْ قد ظلَّ، منتظِراً قطاراً

آخراً يأتي إذا طلعَ النهارْ"

الحدث في هذه القصيدة الملحمة هو "الفناء" أو الموت الذي لا مفر منه وما الحياة إلا انتظارا حتمياً له وسيراً حثيثاً إليه. قطار الموت يمر بين الحين والآخر يأخذ ما يستطيع ويترك المنتظرين للمرة القادمة.

الحياة هي محطات انتظار للموت، وهي محطات متتالية ينتقل فيها الإنسان من محطة إلى أخرى بشكل روتيني. لكن أن يُلقى به في "دار للمسنين" كمحطة أخيرة في انتظار المصير الرهيب هو قمة المأساة. و"أقعى" هي التعبير عن احتقار الشاعر لهذه المحطة وللقائمين عليها.

"عندما يتشابَهُ ضوءُ النهارِ ونورُ

المساءْ

عندما يستوي حَرُّ صيفٍ وبَرْدُ شتاء

عندما تستوي الظلماتُ ونور المكانْ

عندما يستوي ال يعلمونَ ومَنْ يجهلونْ

عندما يُصبحُ المبدعونَ وسعر الترابِ سواءْ

عندما تكثُر ال عندماتْ

تجفُّ الحياة"

الشاعر يغير بحر القصيدة ليحشد لنا مزيداً من المعطيات التي تؤكد تفاهة حياتنا. ليس الهلاك هو فاجعتنا الوحيدة وإنما حياتنا أيضاً فاجعة بسبب التباس الأمور علينا إلى حد لم يعد أي فرق بين الجيد والسيئ ولا بين الخير والشر. هذه الفوضى تجعل من حياتنا صحراء جافة لا طعم للإقامة فيها.

الشاعر كمصور ينتقل بالكاميرا بين دار المسنين وبين الحياة في خارجها. وبعد إظهاره للفوضى وتشابه الأشياء في الخارج يعود إلى داخل الدار ليظهر لنا المسنين كدمى تتحرك ببطء شديد بين أسرة مغطاة بالأبيض الذي يذكرنا بالموت. هذه الدمى التي تتحرك ببطء شديد تعاني من العزلة النفسية والجسدية. أجساد واهنة ووجوه صفراء تنتظر الفاجعة. تنتظر قطار الموت الذي سيمر بعد قليل ليأخذها إلى مصرها المحتوم. وصف دقيق وتأكيد على الفوضى القاتلة التي تزيل الفواصل لتختلط الأشياء وتغيب المعايير: أسرة للموت أو للنوم. قمصان بيضاء ملابس للنوم أو أكفان. نزيل واحد في الغرفة احتراماً للخصوصية أو لأن القبر لواحد فقط.

وسط هذا الاستعداد للموت وفي أجواء هذه الجاهزية للمصير المحتوم يلتقي شاعرنا بكلكامش البطل الأسطوري الذي رفض الخنوع للمصير المحتوم والاستسلام للفاجعة.

" - أخي مَنْ أنتَ؟ أسألُهُ فينظرني بنصفِ

العينِ ثم يقولُ: كَلكَامشْ.

- أعِدْ ما قلتَ!مَنْ تَعنيْ؟

- أأنتَ صديقُ أنكيدو؟

- أأنتَ الفارسُ المسؤولُ عن طوفانِ وادينا؟

أجابَ: بلى، فقلتُ: إذنْ، لماذا أنتَ في دار المُسنّينا؟

هنا ابتسَما...

وقالَ: المَرّةَ الأخرى ستلقاني ...أنا وحدي.....

لأذكُرَ كُلَّ ما عندي."

حتى كلكامش الذي رفض الهلاك وخرج في رحلته الشهيرة باحثاً عن سر الخلود، يقيم هنا في دار المسنين. لكنه لم يستسلم للهلاك ولن يستسلم وسيكون أخر من يصعد على آخر قطار. هل يعزي نفسه؟ فهو سيرحل وينضم إلى الهالكين قبله. ولكنه سر الحياة الذي يدفع للتشبث بها إلى آخر رمق.

كلكامش لم يستسلم وأوجد لنفسه وظيفة حتى وهو في دار المسنين. سيعرّف الشاعر بمن جاءوا إلى هذه الدار. سيقوم بذلك وهو يعرف أنه في يوم ما وفي لحظة معينة سيكون وحيداً هو أيضاً وبعد أن يقول كل ما عنده سيصعد إلى آخر قطار.

في دار المسنين لا قيمة للزمن ولا صراعات لأن الحياة فقدت قيمتها ولم يبق فيها ما يستحق النزاع والمنافسة. كل من في الدار في حالة انتظار أصعب من الموت. الشاعر يعود ويكرر في أكثر من موقع في القصيدة وبأساليب مختلفة أن الموت أفضل من الانتظار وأفضل من الوحدة وأفضل من الضعف.

- لماذا وَحْدَكَ الآنا؟

+ أجابَ وكان يَحكي لي:

لقد رحلوا.....

فهُم كانوا هنا، مرضى، بلا مأوى

كبارَ السِنً، لا أهلٌ ولا مَنْ يسمعُ الشكوى

لقد رحلوا ولم أرحَلْ

لأنّي قد رفضتُ الموتَ، بلْ قَرّرتُ أنْ أحيا

فعاقبني إلهُ الماءِ أن أقضي حياةً لا أرى أحَدا

لقد أغضبتُ آلْهتي فذُقتُ الهمَّ والنكَدا

في هذه الملحمة الحدث الظاهر هو دار المسنين. المحطة الأخيرة في انتظار قطار الموت. لكن الصراع الحقيقي الذي يجتاح الشاعر ليس هذه المحطة وإنما الأحداث الخفية التي تتناولها القصيدة المأساة بالتلميح لأسباب عقائدية مزروعة في نفس الشاعر وليس لديه إجابات واضحة عليها. أحيانا يقول عن الموت أنه فناء وهذا يتناقض والإيمان بالآخرة. وأحياناً يقول عنه هلاك وهذا أيضاً يحمل في داخله أن الموت هو النهاية. لكن الشاعر يعود عن ذلك على لسان جلجلمش :

وسوفَ يمرُّ عليَّ الجميعُ هنا مثلما مرَّ من

قبْلِهم آخرونَ، وراحوا لأنَّ الجميعَ الى ربِّهم راجعونَ...

إيمان لا لبس فيه بأن الموت ليس النهاية واعتراف واضح أن الجميع سيبعثون ويرجعون إلى الله سبحانه وتعالى.

اللقاء بجلجامش هو الذي أعطى القصيدة الروح الملحمية ولكن الحوار معه جعل منها قصيدة المأساة البشرية المتمثلة في عبثية المعركة التي يسمونها الحياة. عبثيتها لأن كل من يخوضها لديه طموح وحيد هو الخلود. والجميع يعرف أن هذا الطموح عبثي أيضاً.

الأدب الهادف يحمل رسالة. أحياناً تكون رسالة التغيير وأحياناً تكون رسالة التحريض على التغيير. والشاعر هو وكيل تغيير يتطلع دائما إلى الأمام لاستكشاف الطريق وإنارة الدرب. في هذه القصيدة يتعرى الشاعر تماماً ويضع كل نقاط ضعفه كمخلوق نهايته الهلاك. ربما كرد فعل على طموحه في أن يكون مختلفاً. طموحه الذي لم يوصله إلا ليكون واحداً من هؤلاء الذين جاء ليخفف عنهم. وكأنه يقول بسوداوية مفرطة: أنا واحد منكم! أنا لا أختلف عنكم! أنا لا أساوي شيئاً لأن نهايتي كنهايتكم! فكل مشواري في الدراسة وفي التحصيل وفي المعرفة لم يجعلني أختلف عنكم لأن نهايتنا واحدة هي المجيء إلى هذه الدار، دار المسنين، وانتظار قطار النهاية!

مأساة الشاعر هي القلق من النهاية. هذا القلق الذي هو نتيجة مباشرة من خوف خفي من الفناء لا يجرؤ الشاعر على التصريح به. لأنه يتناقض مع المعتقدات. وما استحضار جلجامش إلا من باب محاولة التخفيف من هذا القلق الفظيع. فالشاعر لم يكن وحده من فشل في أن يكون مختلفاً فها هو جلجامش فشل أيضاً. لكن فشله ليس مطلقاً لأنه رفض أن يرحل فالملحمة أو القصيدة خلدته ولكن ليس الخلود الأبدي. منحته فرصة أن يكون آخر الراحلين. ولذلك لجأ الشاعر لكتابة قصيدته كتعبير عن الرفض. هذا الرفض سيوفر له الخلود حتى لو لم يكن أبدياً.

هذه المراوحة بين اليأس والأمل، بين اليقين والشك، بين الضعف والقوة، بين الاستسلام والرفض هي تجسيد لنمط الحياة التي نعيشها. فحتى جلجامش بكل مغامراته وبطولاته جاء إلى المحطة الأخيرة ليصعد إلى القطار الأخير. لم يستسلم وظل على عناده وحبه للخلود. هذا العناد وفر له أن يكون آخر الراحلين. ولكن... أليس في ذلك عقاب أيضاً؟

- أخي مَنْ أنتَ؟أسألُهُ فينظرني بنصفِ

العينِ ثم يقولُ: كَلكَامشْ.

- أعِدْ ما قلتَ!مَنْ تَعنيْ؟

- أأنتَ صديقُ أنكيدو؟

- أأنتَ الفارسُ المسؤولُ عن طوفانِ وادينا؟

أجابَ: بلى، فقلتُ: إذنْ، لماذا أنتَ في دار المُسنّينا؟

هنا ابتسَما...

جلجامش صديق أنكيدو والفارس الذي تحدى الطوفان ونجا منه والذي كتب ملحمة خالدة لكنه في النهاية في دار المسنين. الإنسان مهما كان قوياً يظل ضعيفاً. هذا ما أراد الشاعر أن يقوله لنا. ضعيفاً أمام قدرة الخالق. وضعيفاً أمام مصيره الحتمي.

- لماذا وَحْدَكَ الآنا؟

+ أجابَ وكان يَحكي لي:

لقد رحلوا.....

فهُم كانوا هنا، مرضى، بلا مأوى

كبارَ السِنً، لا أهلٌ ولا مَنْ يسمعُ الشكوى

لقد رحلوا ولم أرحَلْ

لأنّي قد رفضتُ الموتَ، بلْ قَرّرتُ أنْ أحيا

فعاقبني إلهُ الماءِ أن أقضي حياةً لا أرى أحَدا

لقد أغضبتُ آلْهتي فذُقتُ الهمَّ والنكَدا

وجئتُ إلى هنا وحدي لأقضي العُمْرَ مُنفرِدا

جلجامش في دار المسنين كعقاب له من الله سبحانه وتعالى الذي غضب عليه لأنه بحث عن الخلود ولم يرض بما قسمه له الله. هل هي دعوة من الشاعر للقبول بالواقع؟ هل هي تخويف من الطموح؟ لا أظن ذلك. أظن أنها إقرار بأن الخلود الله وحده ما دامت هذه الحياة ولن نحظى به إلا بعد البعث والحساب والعقاب.

القصيدة مليئة بالمتاهات التي تجعلنا نستنجد بكل طاقاتنا العقلية للخروج مهنا. وهي متاهات الشاعر القلق والخائف والمتوتر واليائس لأنه لا يملك الأجوبة القطعية على ما يقلقه.

الشاعر يرى في دار المسنين عقاباً. فهو يعارض هذه المؤسسات ويرفضها من منطلقات عقائدية وأخلاقية وموضوعية معرفية أيضاً. فهو بحكم مهنيته يعرف ما يدور في هذه المؤسسات وبحكم كونه شاعراً يرى أعمق وأبعد مما يراه الآخرون فهو يشعر مع كل من جاء به ذووه وتركوه وحيداً في مثل هذه الأطر. الشاعر يؤمن وبحق أن المسن مكانه حضن أسرته. ونفهم من فحوى القصيدة أنه يعتقد أن أسوأ أسرة أفضل من أرقي دار مسنين. هذه حقيقة لا لبس فيها. فالمسن الذي كد وتعب يجب أن يكافأ ولا يعاقب في آخر حياته. وهذا ما أوصى به ديننا السمح.

كل من عمل في دور المسنين يعرف أن هذه الأطر وخصوصاً بعد خصخصتها هي اطر ربحية هدفها جني الأرباح الطائلة على حساب راحة ورفاهية المسن. والأصعب من ذلك أن الكثير من المسنين المقيمين فيها يعاملون معاملة قاسية تصل إلى الضرب في الكثير من الأحيان. من تجربتي الشخصية أستطيع القول أنه لا يوجد مسن واحد يرضى ويرتاح للإقامة في هذه الأطر. فحضن العائلة بين الأبناء والأحفاد هو المكان المفضل لدى كل مسن.

كم يؤلمني أن أقول ومن تجربتي في العمل سنوات طويلة في هذا المجال أن المسنين في مجتمعنا العربي لا يحظون بما يستحقونه من احترام ورعاية. فكلما تقدموا في السن كلما زاد إهمالهم وكلما زاد الاستهتار بهم وبرغباتهم. وقد جاءت منحة التأمين الوطني المالية للعاجزين لتزيد الطين بلة إذ أصبحنا نشترط خدمتهم بتلقي الأجر. لا يمكن أن أنسى الكثير من الحالات التي كنت أرى فيها المسن في ظروف حياة لا تناسب الحيوان فأتوجه لذويه مرات عديدة دون جدوى. وعندما كنت أهددهم بان القانون يلزمني كعامل اجتماعي في مثل هذه الحالات أن أرتبه في دار المسنين كانوا يعارضون ذلك لأنهم لا يريدون التنازل عن مخصصات العجزة فأضطر للتوجه للمحكمة لاستصدار أمر ترتيب لذلك المسن في دار المسنين. وأذكر الكثير من المواقف التي تقشعر لها الأبدان عندما كان المسن المهمل يبكي أمامنا متوسلاً ألا نخرجه من بيته رغم كل الظروف القاسية التي يعيش فيها.

في مثل هذه المواقف يصاب المعالِج بحالة من الإحباط الشديد ويقع فريسة لتأنيب الضمير نتيجة الصراع الحاد بين المهني والعقائدي، بين ما يطلبه القانون وبين ما تحتمه العادات والتقاليد.

في هذه القصيدة المختصرة جداً لأسباب لا أعرفها والتي كان بإمكان الشاعر سرد المزيد من الحوارات أو توسيعها نلمس بوضوح شديد عالمين متوازيين: عالم الشاعر الذاتي أو الداخلي والعالم الخارجي المحيط به. بين هذين العالمين يتنقل الشاعر جاعلاً من الخاص عاماً ومن العام خاصاً. وهنا يتجلى صدق وروعة الأدب والتزامه.

- أجبْني إذن، هل وُهبْتَ الخلودْ؟

* نعم ْ. إنني الآن أحيا إلى أن يقومَ

الفناءُ، وحين يقومُ الفناءُ أكونُ

قضيتُ حياتي هنا

قضية الشاعر الخاصة هي البحث عن الخلود ولكنها قضية النفس البشرية والدليل على ذلك أن جلجامش الذي بحث عنه قبل آلاف السنين. وها هو يخبر الشاعر انه حظي به ولكن ليس إلى الأبد وإنما "إلى أن يقوم الفناء". وهنا تبدو المأساة الحقيقية بكل أبعادها. خلود في دار المسنين يراقب الداخلين والراحلين في قطار الموت الذي يمر بين الحين والآخر.

على لسان جلجامش ينتقد الشاعر بمرارة من رموا بوالديهم إلى هذه الدار وكانه يتساءل بمرارة شديدة: كيف نرمي في هذه الدور من قدم لنا زهرة شبابه وأفنى عمره في تربيتنا وإسعادنا؟ أيجوز أن نكافئه بهذا الشكل؟

أنا أَبٌ لخمسةٍ وأُمُّهمْ سادسُهمْ

أمضيتُ كُلَّ ما مضى لأجِلِهمْ

وحينما أصفّرتْ غصونُ الشَجَرةْ

وغادرتْني قُدْرةُ العطاءْ

ودَبَّ فيَّ الداءْ

صارَ وجودي نكِرةْ

وهكذا يا سيدي،

كُلُّ يُلاقي قَدَرهْ

في هذا المقطع تخرج القصيدة عن غنائيتها وتتحول إلى كلام بسيط ولكنه جارح كالسكاكين. ربما أراد الشاعر أن يقول لنا مهما زيينا وجملنا ذاتنا البشرية فإنها قبيحة بشعة وناكرة للجميل. ينبهنا إلى هذه الحقيقة علنا نكف عن ذلك لأن مصيرنا جميعاً لا يختلف. فالزعيم سيصل هذه المحطة والعميل الذي يراقب ذلك الزعيم ويتجسس عليه سيصل أيضاً وحتى الشاعر الصادق الملتزم الذي لم يتكسب ولم ينافق سيجد نفسه وحيداً فيها.

أرأيتَ إذنْ يا عالِم نَفْسِ الإنسانْ

كيفَ مصيرُ الزعماءِ إذا شاخوا

ومصيرُ الشرفاء إذا عمَّ الداءْ

أرأيتَ؟ فحتّى دارُ مُسِّنينا تُصبحُ

وكراً للعملاءْ.

فوضى في كل شيء تتجسد فيما تتناوله هذه القصيدة المعبرة. فوضى تجعلنا ضحايا نزواتنا متناسين مصيرنا الحتمي ومنشغلين عنه كقضية القضايا بأشياء سخيفة وتافهة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا مرضى نعاني من داء عام.

شكراً لواجِبكَ المُقدّس في الزمانِ وفي المكانْ

مَرّتْ عليكَ وجوهُ مختلفين في النُعمى وفي

العُمرْ المُهان

يا سيدي أيُّ المصيرين الأحبُّ، الموتُ في عُمْر الزهور

أم عيشةٌ أحياؤها موتى

تمرُ بها الحياةُ بلا هناءٍ أو سرورْ؟

الشاعر يستنجد بجلجامش ليقرر ما الأفضل: موت في عمر الزهور أم حياة طويلة تعيسة لا متعة فيها؟ وكأنه يلوم جلجامش في سعيه وبحثه عن نبتة الخلود. فالخلود المطلق غير ممكن لذلك السؤال هو أي حياة نعيش: حياة سعيدة أم حياة تعيسة؟ حياة ذات معنى أم حياة تافهة دون معنى؟ وبما أن الشاعر يتعامل مع مقولات كبرى كما يسميها الدكتور وليد العرفي كالموت والحياة والخلود فقد استنجد بجلجامش الذي هو نوح والذي عاش أكثر من ألف عام كصاحب أطول تجربة في مراقبة الفئات المختلفة من بني البشر.

النظرة الصوفية الفلسفية تغمر القصيدة. والحوار الذي يتخللها يجعل منها مأساة في قالب ملحمة تحكي مغامرات الشاعر في مواجهة الأسئلة الملحة والحادة التي تعكر صفو حياته. أسئلة لا تخصه وحده لكنه وحده قرر مواجهتها أو طرحها والبحث الشاق عن إجابات لها.

في هذه الدارِ مَنْ هاماتُهم نطحَتْ

غيماً فما أهرقوا دمعاً

ولا ذرفوا

يا عاشقَ الخُلْدِ، يا كَلكَامشُ،

انتحرت

قصيدتي، وهوى من نَخْلِها السَعفُ

أبكى عيوني مصيرُ الساكنينَ هنا

ويَسقُطِ الناسُ إنْ يسقط لهم شرَفُ

الشاعر يختتم هذه القصيدة بالبكاء الصريح والجلي على ساكني دار المسنين الذين هم كما يبدو ساكني الكرة الأرضية والشاعر واحد منهم. بكاء ذاتي على مصير حتمي جمعي يخص كل من خُلق. ما يبكي الشاعر هو هذا الخراب وهذه الفوضى التي تمكن بني البشر من إدراك أن مصيرهم هو دار المسنين مهما علا شأنهم ومهما عظمت مراكزهم ومواقعهم. فلو أدركوا ذلك قبل وصولهم لهذه الدار لسادت المحبة والعدل والتآخي.

خاتمة قوية ومعبرة تستنكر كل هذه الفوضى التي نعيشها والتي جعلتنا لا نحترم مسنينا متنكرين لعاداتنا وقيمنا وديننا التي جميعها تحض على احترام المسنين واحتضانهم.

***

حسين فاعور الساعدي

 

 

حقيقة الحب فى حياتنا

التفاصيل
كتب بواسطة: احمد عزت سليم

احمد عزت سليمأظهرت دراسات الحب الرومانسية والثقافية والجنسانية الشعبية الأوربية وكما أكدت الأكاديمية فرجينيا بلوم فى دراساتها: في حين أن الجنس قد "يبيع" بالفعل، فإن الحب يبدو أنه يتفوق على الجنس في كل مرة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن طبيعة الاستقلال الفردي والسعادة، ومع التطورات التكنولوجية وانتشار السيطرة الرقمية عبر الإنترنت أصبح الحب ساحة معركة كما شملت الرومانسية فقد شملت الانتقام والاباحية وعنف الشريك الحميم وتاريخ الاغتصاب والتحرش الجنسي والعلاقات المسيئة والبلطجة عبر الإنترنت، وأصبح هناك الكثير من الضرر الذي يحدث عندما نقترب عن كثب مع الشخصيات المتنوعة، ويكاد يحاصر ويتقلص وينتهى دور الحب كعملية إبداعية لا نهاية لها فى الفكر والخيال والجمال  .

وقدم العديد من العلماء حقائق متعددة عن الحب تتمثل فى 10 حقائق تستند إلى العلم وعلى النحو التالى:

1- الحب مختلف عن العاطفة أو الشهوة:  فإذا كان الجذب البدني جزء مهم من الحب لمعظمنا، ولكن الحب العاطفي يختلف عن الشهوة حيث أننا نبدي شهوة في مجالات التحفيز / المكافأة في الأدمغة، بينما نحب الحب المناطق المرتبطة بالرعاية والتعاطف .

2-  الحب هو شعور لحظة وحالة طويلة الأجل للعقل: حـيث يتم إختبار الحب في الوقت الراهن كحالة من الشراكة ومن خلال الارتباط العميق، يعكس الأشخاص في الحب تعابير وجه بعضهم البعض وإيماءاتهم وحتى إيقاعاتهم الفسيولوجية حيث يكون الحب أيضًا حالة ذهنية وعاطفية دائمة نعتني بها بشدة وبرفاهية بعضنا البعض، ونشعر بأننا نتحرك من ألم بعضنا البعض، ولدينا الدافع للمساعدة في تخفيف معاناة بعضنا البعض بذهنية عقلية قائمة .

3- بناء علاقات دائمة فى العمل: حيث يفكر الشركاء في بعضهم البعض بشكل إيجابي عندما لا يكونون معًا؛ ويدعمون النمو والتطور الشخصي لبعضهم البعض ؛ ويقومون بتجارب مشتركة يمكنهم من خلالها تعلم وتوسيع أنفسهم ومما قد يقود الحب الدائم .

4- يمكننا زيادة قدرتنا على الحب: تُظهر الأبحاث حول اليقظة والرحمة الذاتية أن ممارسة هذه الاستراتيجيات بانتظام يمكن أن تطور أدمغتنا لتكون أكثر إيجابية وتعاطفا في غضون أشهر تعمل تأملات الذهن والرحمة على زيادة النشاط في مراكز المخ المرتبطة بالتعاطف والعواطف الإيجابية، وتقليل تنشيط مراكز الخوف لدينا، وجعل أدمغتنا أكثر ترابطًا - وهي سمة مرتبطة بنمط الارتباط الآمن .

5- ليس فقط في رأسك: تُظهر مجموعة كبيرة من الأبحاث أن الارتباط المحب مفيد للصحة البدنية على المدى الطويل - وقد ثبت أن الشعور بالوحدة والافتقار إلى التواصل الاجتماعي يقصران من عمرنا بقدر التدخين .

6- إذا ركزنا على الحب، يمكننا تعزيزه: حيث عندما نركز اهتمامنا عمداً على مشاعرنا وأفعالنا تجاه الأخرين، فإننا نبدأ دوامة متبادلة إيجابية من التقدير والسعادة المتبادلين وحيث تُظهر الأبحاث أيضًا أن التعبير عن الامتنان للكلمات أو الأفعال يؤدي في الواقع إلى خلق مشاعر إيجابية في المانح وكذلك المتلقي .

7- انها ليست كمية ثابتة: فحب شخص واحد، حتى الكثير، لا يعني أن لديك أقل لتقدمه للآخرين، وفي الواقع، فإن العكس هو الصحيح: ـــ الحب هو القدرة التي يمكنك بناء داخل النفس من خلال التركيز العقلي، والمشاركة العاطفية، وأعمال الرعاية، عندما نركز على مشاعرنا المحبة ونستمتع بها لشخص واحد، يمكن أن تحفزنا المشاعر الداخلية للرضا والاتصال التي نواجهها على أن نكون أكثر حبًا بشكل عام.

8- انها ليست غير مشروطة: أحد الشروط المسبقة لمشاعر المحبة هو الشعور بالأمان والثقة ومن أجل الاتصال بمحبة وتعاطف، ولا يتوقف الأمر على ذلك فحسب بطريقة محددة تماما فالذين عانوا في مرحلة الطفولة الصدمة والإهمال وسوء المعاملة، أو التجارب الأخرى التي تهدد مرفق آمن قد يجدون صعوبة في إطفاء "معركة تجمد" النظام أو الشعور بما فيه الكفاية آمنة للحب حيث يمكن التغلب على ذلك في بعض الأحيان عن طريق شريك يظهر مرارًا وتكرارًا الجدارة بالثقة والرعاية.

9- إنه معدي ومتجاوز: يمكن أن تؤدي عبارات العناية والرحمة والتعاطف إلى إلهام هذه المشاعر في الآخرين، قد يكون هذا هو السبب وراء إلهام قادة مثل الدالاي لاما أو نيلسون مانديلا لأتباعه ليكونوا أفضل ما لديهم - ومساعدتهم على تهدئة "القتال أو الهروب".

10- الحب ليس بالضرورة إلى الأبد، ولكن يمكن أن يكون: ففي Sonnet 116، كتب شكسبير أن "الحب ليس الحب الذي يغير عندما يجد التغيير"، فإن الحب الثابت الثابت لا يمكن تغييره، ولكن ليس القاعدة ففي الواقع يمكن أن تغير التجربة الحياتية أنماط حياتنا وأنماط فكرنا وسلوكنا، وقد يتم تحدي العلاقات القائمة الممتدة عندما تتغير إحتياجات شخص واحد أو ينمو كلا الشريكين في إتجاهات مختلفة.

وترى الباحثة لورا روزنفيلد أننا ارتبطنا منذ فترة طويلة بالحب والعاطفة والعاطفة لعدة قرون، ساعدت أمثال الفن والشعر والموسيقى في إبراز عاطفة الحب، ومع ذلك فإن الحب ليس فقط عن القلب فإن عقلك وأجزاء أخرى من جسمك لها نفس القدر من الأهمية فيما يتعلق بكيفية الوقوع في الحب وتجربته، فإن الفرق بين الشهوة والحب يمكن أن يكون في عيون فقد لا يحدد قلبك ما إذا كان العاشق لديك هو الحق أو سيد الحق فقد تكون الإجابة في الواقع هي المكان الذي تنظر إليه فإنه إذا نظرت إلى وجه تاريخك، فأنت ترى له / لها شريكًا رومانسيًا محتملاً وإذا كنت تنظر في الغالب إلى جسده، فمن المحتمل أن تكون مشاعرك جنسية، وقد يكون السبب فى الحب والإرتباط الطويل الأوكسيتوسينو هو هرمون يصدر عن الغدة النخامية التي تسهل الارتباط مع الآخرين وطول العلاقة أزواجا أو غير ذلك، وأن الحب من النظرة الأولى قد يكون شيئًا حقيقيًا فعليا، ووجدت دراسة نشرت عام 2012 في مجلة العلوم العصبية الأمريكية أن الناس يمكنهم اكتشاف الانجذاب الرومانسي لشخص ما بمجرد النظر إليهم، كما أن أكد أن تقرير حديث عن سيكلوجية الموسيقى Psychology of Music أن الجاذبية بين الرجال والنساء غير المتزوجين زادت عندما كانت الموسيقى تعزف في الخلفية خلال إجتماعهم الأول مقارنة بوقت عدم تشغيل الموسيقى، ومما قد يؤدى إلى الحب والإرتباط، وكما أكد فإن التقبيل من منظور رومانسي، يمكن أن يساعد الأفراد في الواقع على اختيار شريك محتمل ووجدت دراسة أجريت عام 2013 في مجلة Archives of Sexual Behaviour أن التقبيل ساعد الناس على تحديد مدى توافقهم مع الشريك وقد وربط الباحثون أيضا تواتره مع طول العمر والرضا في العلاقة وقوتها .

ووجد الباحثون الغربيون أن القبلة الأولى ساحرية للحب حيث أن التقبيل يمكّن المرأة من فحص الشريك من أجل التوافق، وكما يرى الباحث الدكتور ناصر الزاوية ان الفيرومونات (وهي مركب التوافق النسيجي الرئيسي (MHC) سواء كنت قد تنجذب أو تنفر من الرائحة) ويلعب دورًا مهمًا في الوقوع في الحب حيث أن رائحة الشخص مهمة للغاية في جذب الآخر . ويرى الفيلسوف الأكثر حداثة  مايكل بويلان أن الحب هو عمل وأنه هو الدافع القوي لكونك جيدًا وأن العاطفية جزءا من حسن النية فللعقلاني ليس ضعفا فكريا بل يمكن أن يكون دليلاً فعالاً للعمل الجيد، وأن جوهر الحب ليس فقط في العثور على رفيقة روحك، ولكن أيضًا كما يسمح لأحد أن يكون "جيد"، وبرؤية أخرى يرى هارلان إليسون أن "الحب ليس شيئًا سوى الجنس الذي تم إملائه .." ويرى روبرت رولاند سميث أن الحب والجنس متشابكان تماما ومن خلال معنى جديد لممارسة الجنس، وتحويله من الدافع البيولوجي إلى شيء جميل يشاركه البشر، من أجل الشعور أقرب إلى بعضنا البعض "، ورأى العلماء النفسيين ان الحب ليس مجرد مفهوم عشوائي، بل هو ضروري للصحة العقلية الجيدة.

 

أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

تشظيات من الواقع المؤلم

التفاصيل
كتب بواسطة: قاسم ماضي

قاسم ماضيفي المجموعة القصصية المعنونة "أحلام عالقة" للقاصة المبدعة "سناء النقاش " نسيج حكائي خيوطه أشخاص وأحداث .

كيف تصيغ الأسئلةَ وهي تسبح بفضاء تشخيص الهموم والمشاكل، معتقدة أنها منطلقة من أرضية صلبة يعيشها الواقع العراقي الذي تسيطرعليه آهات المعدومين والمكافحين من أجل لقمة العيش، التي أصبحت عسيرة على أفواه الفقراء والمعدومين، في وطن يصحو على أخبار متعددة يجمعها هاجس الخوف والدم .

"أسئلة طرقت جمجمتي بعنف وآذتني ودمعت عيوني معها" ص28

الأمكنة والأزمنة التي شكلت في معظم قصصها مساحة واسعة كي تستفيد من هذا الزخم الذي تعكزت عليه عبر وسائلها المتاحة كي تصيغها بقلادة معرفية إلى الآخر الذي يسكن جواها والذي ربما غابت عنه تلك الأسئلة بموجب اللامبالاة التي شكلت نسبة كبيرة من الذين أنستهم هذه الهموم والمعاناة نتيجة الانشغال بهذا الظرف العصيب الذي يمرون فيه وهو ما يُطلق عليه الفوضى الخلاقة .

فتلمس في قصص هذه المجموعة معاناة" العتاكات، في نص نقش على جدار الصمت، آخر قطرات الثمالة  أحلام عالقة، رسالة وداع " وغيرها من قصص هذه المجموعة .عذابات كثيرة تشغل عقل الكاتبة التي لامس قلمها الحر هذه المعاناة وغاص في دواخلها من أجل قول الحقيقة، وهي تؤكد عبر حواراتها النارية التي اشتغلت عليها .

"والمواطن الفقير يأكل من القمامة في زمن ترى الذئاب فيه تجوب الطرقات، ترتدي ملابس الإنسان والكثير من أصحاب الوظائف الكبيرة يرتدون أقنعة لتزييف الحقائق وكتابتها بالمقلوب " ص28

ومن هذه الأسئلة التي أكدت عليها القاصة " النقاش " هي إن النص القصصي الذي لا يحقق خاصيته الصورية والعقلانية فهو بعيد كل البعد عن فحوى أهدافه التي إنطلق منها القاصة ولكن هل له من أهمية في تطوير النص القصصي أوبنائه البناء السليم، أي تمكنه من الخوض في كل تفاصيل الحياة،ولا ننسى الإيجابية في التفاعل مع محيطه والتأثير فيه من أجل الإعلاء من درجة تداوله ومقروءيته .حتى إنها أرادت أن ترسل العديد من الرسائل عبر هذه المجموعة وكأنها تخاطب الكثير من الكتاب الذين ينسون ويتناسون هموم شعبهم .

" في زمن غدت فيه القيم والمبادئ مجرد أكذوبة مضحكة يتندرون بها " ً28

وبهذا ظلت الشاعرة والقاصة " النقاش " دائمة البحث عن هذه الهموم التي شغلت فكرها المتنور، والإنساني حتى توصل رسائلها عبر هذه النصوص المعرفية،مؤكدة للقارئ العربي عموما والعراقي خصوصا "أن النص القصصي الذي لا يحقق تفاعلاً مع القارئ، ولا يؤدي وظيفة اجتماعية أومعرفية ولا يعبر عن تصور جلي للمرحلة التي يمثلها يكون معرضا ً للزوال .

" أفكر بالجوع وأنا شبعة لأنني أرى في وجوه الفقراء والمحتاجين جوعا يكاد يأكلني " ص28

ولو تمعنا كثيرا في هذه المجموعة القصصية لوجدنا "النقاش" بأحلامها الكثيرة تأخذك في جولة سياحية مليئة بالصور المتداخلة والتي مرت في حياتها على شكل رحلة توجتها علامة من علاماتها الإبداعية، وهي تتنقل بك من حي إلى حي سواء في بغداد أو في مدن أخرى، وهذه العوالم الدفينة والمتراكمة والمحملة بتقلبات هذا الواقع الذي عاشته .

" فقد جف النهر وباتت الناس عطشى، جف الحليب في الأثداء " ص 108

والتي شكلت لها على مدى تعلقها في البحث عن مكنونات هذا الكائن الذي نما في داخلها الذي عاشته على مر السنين، وبدأت بالبحث عنه عبر تشكيلات حكائية مفعمة بالاحلام الكثيرة التي جعلت منها هدفاً للخروج من طوقها، وهي بهذا ترسل إشارات معرفية عميقة للقارئ على الرغم من انفعال النفس بالمواقف حين يتخيل الإنسان نفسه داخل هذه الأطر أو داخل الحوادث التي يمر بها أي كائن بهذا الكون .

" أحلام اليقظة هي وسيلة تغيير من أجل أن يرقى الإنسان بمعارفه وسلوكه إلى مرحلة أعلى مما هو عليه في الواقع هي مرآة متعددة الوجوه كرغبات صاحبها " ص62

وقد أرادت القاصة العراقية "النقاش" في مجموعتها المعنونة "احلام عالقة" والتي تقع في 108 صفحة من القطع المتوسط، مشاركتها الوجدانية لمعظم شخوصها التي عملت على تحريكها وفق أبجديات السرد المعروفة لدى المعنيين،حيث ما قامت به "النقاش " هو تحويل المعلومة إلى كلام مع ترتيب الحدث .

" صرخة المظلوم تصعد إلى السماء " ص75

تقول عنها القاصة العراقية المعروفة بين الأوساط الثقافية الأستاذة "رجاء العبيدي" أن السرد الذي اعتمدته في مجموعتها مميز وجميل في تناول الأحداث، بمفردات منتقاة ومؤثرة في الوقت الذي نجد بعض مفرداتها ذات إيقاع حاد تستحقها بعض الشخصيات، فإن سعة أفق وخيال الكاتبة قد جعلها تتعايش مع شخصياتها وكأنها واحدة منهم . ص4

" لابد إذن من الصراخ للتنفيس عن النفس ولا بد للهموم من صرخة ليعبر عما في داخله وإلا مات كمدا ً" ص75

وهي بهذا تحوّل همومها من قوة سلبية ضاغطة إلى قوة ايجابية دافعة، وهي بذلك تضع القارئ أمام انبهار حركي في مشاهدها التي كتبت بدقة وبلغة بسيطة خالية من التعقيد والإسفاف،وكأنها ترسم لوحة جميلة كي تهديها إلى قارئها المفضل . وهنا اتساءل عدة أسئلة ما الذي دعا القاصة أن تضع هذه الفلسفة في مجموعتها القصصية ! وهل أرادت أن تقول أن هناك الكثير من الأصوات النشاز في مجتمعنا العراقي، الذي بدأ يتضاءل ويتراجع إلى الوراء من خلال شخوص ابطالها، ونحن كمغتربين نجد هذا القول يؤثر في نفوسنا كثيرا لما فيه من قسوة على النفس البشرية لما يحدث في الداخل من سياسة رعناء يقودها نفر قليل من أصحاب النفوس المريضة والمتسلطة على أبناءنا .

كيف للإنسان أن يفكر ويحلم ويختار ومعدته خاوية؟ أو يستطيع وهو جائع يلهث وراء رغيف خبز طوال يومه أن يقول كلمة حب واحدة للمرأة التي يهوى؟ أو يمكن للأم أن تغني لوليدها وهي تتضور جوعا، أو يمكن للجائع أن يحس أنغام الموسيقى ويطرب، بينما هويفكر برغيف حتى وإن كان يابسا .

بقى أن نذكر أن الشاعرة والقاصة سناء النقاش، عضو مجلس نقابة الصحفيين العراقيين، وفائزة بعضوية "الجندر" العالمية للصحفيات النسويات في الانتخابات التي جرت في انجيرس جنوب غرب فرنسا .

 

قاسم ماضي - ديترويت

 

 

دبلوماسية كوردستان الهادئة وتنمية ثقافة السلام

التفاصيل
كتب بواسطة: د. سامان سوراني

سامان سورانيمن الجدير بالذكر أن إقلیم كوردستان منذ عام ١٩٩١، أي بعد إبعاد النظام السابق من بعض المناطق الكوردستانية، شاهد تطور تدريجي بحيث إستطاع إحداث شبكة مصالح إقتصادية تربطە بدول المنطقة والعالم، بعد أن تجاوز الماضي وقام بالتركيز على ما هو مطلوب، حتی أصبح الإقليم اليوم وبعد مرور ثلاثين عاماً علی تجربته الناجحة وبسبب الإستقرار الأمني فیه وتطورە الإقتصادي والسعي الدؤوب من قبل حكومته المنتخب بشكل شرعي في إفساح المجال أمام التنافس السياسي الحر، وعدم تسخير المجال الديني لأغراض سياسية، قبلة لكل ابناء العراق والمنطقة في سياحتهم اليه بكمال الحرية واقامتهم فيه.

هكذا تبلورت الهوية الكوردستانية وتحولت اللغة والثقافة الكوردستانية الی لغة وثقافة حية والفضل عائد الی السياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمؤمنة بالدبلوماسية الهادئة لغرض تنمية ثقافة السلام.

لاشك أن مجتمعاتنا هي محصلة تواريخه والتاريخ البشري عبارة عن مشاكل وقضايا وسعي نحو حلها، فنحن لاننسی بأن الإقلیم واجه أزمات سياسية وإجتماعية في علاقته مع دول الجوار علی مدار الثلاثين سنة الماضية، لأن طفرته الحضارية وإندماجه في المعادلات السياسية والإقتصادية في المنطقة تغضب بالتأكيد الاعداء وتسر الاصدقاء، لکن لا أحد يستطيع أن ينکر المسألة الكوردستانية، والتي أصبحت مع التحولات والتغيرات السياسية والإقتصادية مطروحة علی المشهد السیاسي والاجتماعي لا فقط في المنطقة بل في جغرافية أوسع.

الهدف الأساسي من إستخدام الدبلوماسية الهادئة، التي يتميز بها الإقليم، هو التوفيق بين المصالح المتعارضة وخدمة المصلحة البشرية بالطرق والأدوات السلمية والسعي الی تجنب التوتر أو تخفيفە.

إن هندسة الأمن الداخلي والإقليمي يجب أن ينبع من الحوار ولا شيء سوى الحوار ويجب أن يتم تبني صوت الاعتدال المبني على المقاربات الأسرع لتحقيق الإجماع بين الجهات المتنازعة، هکذا نستطيع أن نكسب إحترام الشركاء والعالم من حولنا. وبالتالي على السياسة أن تلعب الدور الأمثل في تقريب وجهات النظر في كل الخلافات سواء داخل الإقليم أو في العلاقات البينية بعيداﹰعن إستعمال لغة العنف والسلاح.

وما يُسجل للسياسة الخارجية للإقليم  بشهادة دول وجهات عالمية وقوفها على مسافة واحدة من جميع ملفات النزاعات الإقليمية والدولية، لا تحيد عنها في عصر صارت كثير من الدول تغذي دبلوماسيتها بالنهل من أجندات معلومة لقاء مصالح آنية ولو كان ذلك على حساب الأمن الاقليمي.

ولحسن الحظ تقف الجغرافية السياسية للشرق الأوسط اليوم الی جانب الكوردستانيين، فإقليم كوردستان من الناحية الأمنية هو بالتأکید القطب الهادیء في هذه المنطقة.

وإن التواصل المستمر للرئیسان نجیرفان بارزاني (رئيس الإقليم) ومسرور بارزاني (رئيس الحکومة) وإستخدامهم النمط الفکريّ النابع من الإیمان العمیق للرئیس المناضل مسعود بارزاني بالسلام، کأفضل طريق للوصول الی حقوق شعب كوردستان وإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة، إستطاع أن يحوؔل لغة العنف السياسي في كوردستان الی لغة إنسانية للحوار وأدی هذا التواصل الی أرتقاء إقليم كوردستان وإعلاء قيم الإنتماء والولاء لە ورفع رايته في كل المحافل رمزاً للحكمة والسلام والخير والعطاء.

فالرئیسان يسعيان بکل جرأة وثبات الی تشكيل حقل معرفي لتنمیة ثقافة السلام، تتحول معه الأزمات والمآزق الي مواضيع للدرس والتحليل أو التشريح والتفكيك وذلك لتقوية أسس فلسفة السلم ومذهب اللاعنف، فنری تلقيح العناوين والمفاهيم والقيم القديمة والحديثة بعناصر ومقاصد وأبعاد جديدة، علی سبيل التطوير والتجديد أو الإغناء والتوسع، سواء تعلق الأمر بالأدارة والديمقراطية أو بالحرية والعدالة أو بالتنمية والعولمة، هکذا نستطيع أن نقوِّض جدران الكراهية ونمدُّ جسور السلام والمحبة، فالمصالح المشتركة والمنافع التجارية هي مَن تجمع الدول، لا الابتزاز السياسي، والمراهقات الدبلوماسية.

وأخيراﹰ يمکننا القول وبکل وضوح بأن الإقليم لم يدخل في متاهة سياسة ردة الفعل على كل ما واجهه ولم ينجر وراء سياسة المحاور، فالدبلوماسية الهادئة أعطت الإقليم بعداً خاصاً في ترجمة القول إلى الفعل وإستقطاب دول الجوار، بعيداﹰ عن التوترات والخلافات السياسية، للوصول الى حلول للقضايا التي تهم السلام والأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة.

 

الدکتور سامان سوراني

 

 

 

محنة الصحافة المستقلة في العراق

التفاصيل
كتب بواسطة: محمد حسين الداغستاني

محمدـحسينـ الداغستانيمأساتُنا نحن العراقيين تكمن في تضاءل الأمل يوماً بعد يوم في تحسن اوضاعنا، ووقف تفاقم مشاكلنا ومعاناتنا الحياتية في كافة المجالات، ومنع إنهيار قيمنا الاخلاقية والإنسانية نتيجة العوز والحاجة والإهمال وعدم رؤيتنا لأي بصيص نور في نهاية النفق العتيد.

وقد يبدو الكلام مغرقآً في اليأس والقنوط، لكن المعطيات الراهنة تقودنا الى هذا الإحساس الموجع للأسف الشديد، فالماسك بالسلطة (أيّ كان موقعه وصفته) كما هو معلوم مهووس بالعصبية والقبلية وجمع المليارات ومضاعفة أرقام أرصدته الخرافية في البنوك والمصارف سراً وعلانية، وهو في شغلٍ شاغل عن حاجة المريض الحائر الباحث دون جدوى عن دواء مرض مزمن نآدر ينقذه من موت محقق، أوعن تطلع الشاب العاطل عن العمل أو المعيل لأسرة الى فرصة توفر له أسباب الاستمرار في الحياة وتحفظ له بها كرامته الإنسانية وتدرء عنه ذل السؤال، أو عن أمل اليتيم والأرملة الى من يحميهما من غدر الزمان وكوارث الحاجة وإنقاذهما من براثن تجار الأعضاء البشرية والمتاجرين بالدم والجسد وهكذا...

في ميدان الصحافة أيضاً لا يبدو الحال بأفضل من غيره، فالكلمة الحرة تنوء تحت أثقال ضريبة باهضة، والحياد ليس سوى نكتة في مفهوم المتسلطين، وإصرار الصحفي المستقل على التمتع بفرصة ممارسة الرأي الآخر يعني تعرضه الى التغيب القسري عن المهنة التي يؤمن بها بل وعن الحياة ذاتها احياناَ !

في ظل هذه المعطيات فإستمرارالإعلام والصحافة المستقلة في أداء وظيفتها غير المنحازة والبعيدة عن سطوة الأحزاب والتيارات المهيمنة على تقاليد الأمور ضرب ٌمن الخيال، وحتى الدولة التي دخلها القومي من ثروات البلاد ومن المواطن ذاته لم يتسن لها في المراحل السابقة، وعقب سقوط النظام الشمولي الفردي من إنتشال أي صوت مستقل وحر من معاناته الأليمة أو توفير فرص تطويروسيلته الاعلامية لخدمة الوطن بنزاهة وحيادية بعيداً عن التعصب الأعمى والقسر والإقصاء والضنك المقيم، فضلاً عن أن نواب الشعب في البرلمان لم يفكروا لحد الآن في إقرار تشريع يحمي الكلمة المستقلة ووسائلها وتوفير اسباب ديمومتها وتطورها.

والى أن يطل التغيير في الطباع والمفاهيم ‏السائدة وضمان سيادة القانون والنهوض بمرافق الحياة في بلادنا، فالإعلام والصحافة المستقلة تبقى وحيدة في الميدان بإنتظار قدوم الفرج المستحيل !

 

محمد حسين الداغستاني

خُلِقْتُ أَلُوفاً..

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عبد الله سرمد الجميل

عبد الله سرمد الجميلأَنْ يبكيَ الشاعرُ على الشبابِ بعدَ أَنْ وخَطَ الشيبُ رأسَهُ، فهذا مألوفٌ والشواهدُ عليهِ أكثرُ من أن يُستدلَّ بها. أمَّا أن يألَفُ الشاعرُ شيبَهُ بلا جَزَعٍ، وينظرَ إليهِ بلا حسرةٍ، فهذا ما جاءَ بهِ شاعرُ العربيةِ العظيمُ أبو الطيّبِ المتنبّي وهو يقولُ:

خُلِقْتُ أَلوفاً لو رجَعْتُ إلى الصِّبا

لفارقْتُ شيبي مُوجَعَ القلبِ باكيا

والبيتُ من قصيدتِهِ المشهورةِ في مدحِ كافورٍ الإخشيديِّ، وهيَ أوّلُ قصيدةٍ يُنشدُهُ إيّاها بعد مفارقةِ سيفِ الدولةِ:

كفى بكَ داءً أن ترى الموتَ شافيا

وحَسْبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا

إنَّ في جملةِ (خُلِقْتُ أَلوفاً) ما يُفسِّرُ لنا استسهالَ المتنبي كَثرةَ تَرحالهِ وتنقّلاتِهِ هنا وهناكَ؛ فهوَ يألَفُ بيئتَهُ الجديدةَ، وليسَ هذا فقط، بل يألَفُ زمانَهُ أيضاً، إذن هيَ أُلفةُ مكانٍ وزمانٍ وما يترتّبُ عليهما من تأثيرٍ في الروحِ والجسدِ كثنائيّةِ الشبابِ والمَشيبِ، فيقولُ: (لو رَجَعْتُ إلى الصِّبا لفارقْتُ شيبي مُوجَعَ القلبِ باكيا). فإذا كانَ الشعراءُ والناسُ يحِنّونَ إلى الشبابِ لملذّاتِهِ، فإنّ المتنبي يسافرُ عبرَ الزمنِ، ليَحِنَّ إلى الحاضرِ والمستقبلِ! فهلّا فطَنَ لهذهِ الصورةِ الشعريةِ الفلسفيةِ دارسو الحداثةِ والمُعاصرةِ، ليُوقنوا كم أنَّ في تراثِنا من كُشوفاتٍ معرفيّةٍ، لو قرأناهُ بأناةٍ ورَوِيَّةٍ

 

عبد الله سرمد الجميل - شاعر من العراق من العراق

داود الأنطاكي الطبيب الضرير!!

التفاصيل
كتب بواسطة: د. صادق السامرائي

صادق السامرائيداود بن عمر الإنطاكي المعروف بالرئيس الضرير (1543 - 1599)، ولد في إنطاكيا وتوفى ودفن في مكة.

وكما جاء في مختصر تأريخ الطب العربي، ج2، ص 506، للدكتور كمال السامرائي: "ولد كسيحا صغير الجسم وأعمى، تعلم قراءة القرآن بعد العاشرة من عمره، ثم تعلم الأدب والطبيعيات والطب، وصار يمارس الصنعة بالتلمس والإستجواب.. وكان مغرورا بنفسه فخلق له أعداءً وحساداً كثيرين".

مؤلفاته: "تذكرة الألباب والجامع للعجب العجاب، نزهة الأذهان في إصلاح الأبدان، رسالة في الفصد والحجامة، كتاب في الطب النفسي"، ولديه كتب في الصيدلة والفلك والمنطق والكلام .

ومن مؤلفاته الأخرى: "كتاب البهجة في الأدوية المجربة، رسالة الحمام، ألفية في الطب، شرح القانوجة، كفاية المحتاج في علم العلاج، شرح قصيدة إبن سينا، كتاب طبقات الحكماء، الملكي في طب الملوك، مجمع المنافع البدنية"

عمل في البيمارستان المنصوري في مصر، وكان رئيسا للعشابين، وحاز على ألقاب متعددة . منها الحكيم الماهر الفريد، الطبيب الحاذق الوحيد، جالينوس أوانه، وأبقراط زمانه.

داود الأنطاكي ظاهرة تستحق الوقوف عندها وفهمها، فقد عاش 56 سنة وأحدث ثورة علمية في الطب والصيدلة والعلوم الأخرى، وهو ضرير منذ مولده، فكيف يصبح الضرير طبيبا مشهورا ومؤثرا في علوم الطب والصيدلة وغيرها؟

فكل مخلوق ميسر لما خلق له، ومهما كانت عاهاته والصعوبات التي تواجهه فأن ما فيه من الطاقات والقدرات، يظهر ويتحقق ويكتسب مهارات تعوّضه عن الحواس المفقودة.

ففي تأريخنا أبو العلاء المعري، وبشار بن برد، وفي القرن العشرين طه حسين، وغيرهم تمكنوا من الإنتصار على العاهة التي ولدوا بها، وتفوقوا على أقرانهم من الأصحاء المبصرين.

داود الأنطاكي كان يطبب بالتلمس والإستماع لشكوى المريض، وإستجوابه، أي يطرح عليه الأسئلة ليعرف ما يريد عن علته.

فهل كان إعتماده على التأريخ المرضي في التشخيص والعلاج، أم أن لديه قدرات أخرى نفسية وروحية تمكنه من إستكناه ما يعانيه المريض وما يراه مناسبا لعلاجه، إذ يبدو أنه كان بارعا في وصف العلاج والمداواة الناجعة للأمراض، ولهذا إكتسب المكانة الرفيعة والشهرة الواسعة.

تلك ظاهرة سلوكية بشرية تُعْجِزُ الألباب!!

 

د. صادق السامرائي

 

المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (198): الضمير والأخلاق

التفاصيل
كتب بواسطة: صحيفة المثقف

majed al gharbawiصادق السامرائيخاص بالمثقف: الحلقة الثامنة والتسعون بعد المئة، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف، حيث يجيب على أسئلة الأستاذ الدكتور صادق السامرائي:

 

مستويات الفعل الأخلاقي

ماجد الغرباوي: نعود لمستويات الفعل الأخلاقي: (الفعل بذاته، الفعل كممارسة سلوكية، الفعل عندما تتعلق به إرادة خارجية: دينية أو عرفية أو قانونية). لتحديد حكم العقل إزاء كل واحد منها:

أولاً: الفعل بذاته

عندما نتحدث عن الفعل الأخلاقي نقصد الفعل بذاته، قبل ارتهانه لأية إرادة خارجية. الفعل بما هو، قد يتصف بالحُسن أو القُبح. ويكون حكم العقل ناظرا للمفهوم بما هو مفهوم، وينصب على الصورة الذهنية أو مفهوم العدل والظلم بغض النظر عن مصاديقهما الخارجية. سواء كان المفهوم منتزعا من الواقع الخارجي أو ليس له مصداق خارجي، فيتكفل الذهن برسم صورته. أي الفعل قبل أن تشوبه شوائب الواقع. العقل العملي يحكم بحُسن الصدق ووجوب الإتيان به، بما هو مفهوم، بينما يختلف الأمر حينما يتأثر ذات المفهوم بفعل آخر. لذا فأحكام العقل الأولية أحكام مطلقة لا تخصص، بينما تخضع لمؤثرات الواقع وقد تخصص أو تقيد. العقل ينظر للصدق بما هو صدق بذاته، ثم يحكم بحُسنه، ويكون حكمه مطلقا. وهكذا باقي المفاهيم الأخلاقية. فالحكم الأولي للعقل العملي ناظر لمفهوم الفعل الأخلاقي. وسيتغير حكمه إذا تأثر بالواقع، كما لو أدى الصدق إلى مقتل إنسان، فإنه عنوان جديد ينظر له العقل.

والعقل هنا معيار، يرتكز في تحديد الموقف العملي لذات الفطرة أو الطبيعة الإنسانية. فعندما يحكم العقل العملي بحُسن الصدق وقُبح الكذب، ينظر لمفهوم الصدق بذاته، وكيفية انعكاسه على الفطرة السليمة. كما يرصد ردة فعل الطبيعة الإنسانية من الكذب مثلا. فهو يستأنس بالفطرة في أحكامه، ويقرر ماذا يجب أن أفعل. وهذا الشعور يمثل قانونا أخلاقيا يحكم الجميع عند كانط، يجب احترامه، لضمان العيش المشترك مع الآخرين بوئام وسلام تحت مظلة المساواة والقانون. والمسألة واضحة، الفطرة البشرية واحدة، والاستعداد الكامن فيها واحد، وقد أشارت آيتان لهذا المعنى. فالخطاب القرآني يؤكد قانونية الفطرة البشرية: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). فالعقل بتجرده، وهو العقل العملي المحض، يمكنه إدراك الموقف العملي أو السلوكي، والإجابة على سؤال: ماذا يجب أن أفعل؟. كما لو توقف على الكذب إنقاذ نفس محترمة، فهل يتجاوز حكم العقل العملي ويكذب؟ أم يتوقف عن الكذب إخلاصا للموقف الأخلاقي؟. وسبق التأكيد أن الضرورات لا تغير من الحقائق شيئا، فالكذب مهما كانت ضروراته يبقى كذبا، يحكم العقل بقبحه، ويوبخ الضمير مقترفه.

ثانيا: الفعل كممارسة سلوكية

إن المقصود بالعقل في المرحلة السابقة عقل مجرد، خالص، حيادي، لا تتنازعه رغبات الأنا العميقه ولا مؤثرات الواقع، فيمكنه إدراك الموقف الأخلاقي، العملي في سؤال: ماذا يجب أن أفعل؟. غير أن الأمر يختلف في مرحلة الممارسة والسلوك العملي، مرحلة الواقع، وهو يكابد الحياة، يتأثر بمصالحه الشخصية وضروراته الاجتماعية، ويقع أسيرا لرغباته، وما يحقق طموحاته التي قد تتطلب التضحية بالموقف الأخلاقي. أو يقع تحت ضغط العادات والتقاليد، فيلتف على ضميره بالتبرير، حفاظا على حيثيته ومكانته، وقد يسحقه ليؤكد ذاته وانتماءه الاجتماعي، الذي هو انتماء وجودي بمعنى التحقق الخارجي. فالمرحلة السلوكية مرحلة تمحيص للإرادة الخيرة، ومدى وفائها لقضايا الإنسانية. الواقع مختبر الأخلاق. غير أن الواقع لا يغير من حقيقة الفعل الأخلاقي وشروطه. وما لم يصدر الفعل عن إرادة خيرة ودوافع إنسانية خالصة لا يصدق أنه فعل أخلاقي بالمعنى الحرفي للمصطلح، حتى مع شموله بعناوين أوسع كعنوان الخير بمفهومه الأعم من الفعل الأخلاقي، لأن الثاني من مدركات العقل العملي، أما عنوان الخير بمفهومه المطلق، فلا يشترط صدوره عن إرادة خيرة ومشاعر إنسانية، فقد يصدر الخير من المرائي والكاذب والسارق، وكل من ارتبطت مصالحه بفعل الخير لوجاهة دينية أو اجتماعية أو سياسية. فمن يتصدق على الفقير بأية نية يحقق فعل الخير وهو مساعدة الفقير، لكن لا يصدق على الفعل مفهوم الفعل الأخلاقي ما لم يستوف شروطه. وأجد في آية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ)، إشارة لما بينته، فما لم يتصدق بدافع إنساني، أخلاقي، يمكن أن يمنّ على الفقير ويجرح مشاعره، فتنقلب صدقته لعنة ووبالا على الفقير. فالآية تؤكد بشكل غير مباشر على الفعل الأخلاقي النابع عن مشاعر إنسانية، وضمير حي يتعاطف مع أخيه الإنسان: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا). ووجه الله تعبير آخر عن المشاعر الإنسانية، والفطرة السليمة.

الضمير الأخلاقي

بهذا نفهم، لا يمكن ارتهان مستقبل مجتمع الفضيلة، الذي نسعى له،  لعنوان الخير بمفهومه العام، ولا بد من سلوكيات أخلاقية، تحفظ للمجتمع توازنه، وتحقق مصداق الفضيلة التي تفضي للسعادة. غير أن المشكلة التي تواجه الفعل الأخلاقي، أن العقل يهدر حياديته وتجرده، مع تقاطع المصالح، وانجذابه لرغباته الشخصية والاجتماعية، بعد معاناة نفسية، تضعه بين خيارين، قد ترهن سلوكه ومشاعره، إذا ما تخلى عن قيمه الأخلاقية، وفشل الضمير في أداء وظيفته.  لذا نتطلع، ونحن نتحدث عن الأخلاق، لقوة تحول دون تخلي الإنسان عن قيمه ومبادئه الإنسانية والأخلاقية عند مواجهة التحديات. قوة تعيد للضمير قوته وصموده. ليس لدى الإنسان نوازع خير وشر، بل لديه مكامن للخير والشر. ولديه استعداد لكليهما، وما لم تتغلب الطبيعة الخيرة عليه، يسود الشر، ليملأ الفراغ السلوكي. لذا تمام الرهان على ضمير الإنسان، عندما يكون رقيبا صارما، يحول دون الظلم والعدوان واستغلال الإنسان، تحت أية ذريعة. وهذا ما يدعونا للبحث عن قوة مؤثرة تضمن لنا ديمومة رقابة الضمير، وقوة العزم والإرادة، فتارة يعاني الفرد بسبب ضعف إرادته، لا بسبب موت ضميره، فينعكس على سلوكه، حينما يتخلى عن وظيفته الأخلاقية.

والضمير الحي هو رهان الأخلاق في قدرتها على أداء وظيفتها الإنسانية، ومع أخفاقه تتلاشى قيم الفضيلة، ويحل الشر محل الخير، وتسود الرذيلة بدلا من الفضيلة، ويحل الظلم والجور بدلا من العدل والإحسان. فيصح أن فعلية الأخلاق مرتهنة لقوة إرادة الإنسان وضميره الحي، القادر على كبح رغباته والحد من نزواته. فالضمير هو نقطة قوة الإنسان، وقد ينهار رغم قوته ومتانته. أو يصمد بوجه العواصف النفسية والمؤثرات الخارجية. وبالتالي لا تكفي التوعية الاخلاقية والثقافة الإنسانية لضمان مجتمع فاضل، ما لم نضمن يقظة الضمير، وضمان عدم فشله في المواقف الخطيرة، وهنا لا تكفي الفطرة ولا يسعفك العقل حينما يطغى الإنسان، وينسى قيمه ومبادئه، وينساق مع رغباته وطموحاته. فالفطرة مهما كانت سليمة تتلوث بارتكاب الرذيلة وإدمان الموبقات. وأما العقل فينساق لا إراديا ويتحول من عقل معياري إلى عقل أداتي، يجعل من المنفعة مقياسا للفضيلة، بدلا من المبادئ الإنسانية، فلا يبالي حينئذٍ بسحق أخيه الإنسان من أجل تحقيق مصالحه وغاياته. فالضمير هو القلاع الأخيرة التي إذا انهارت تنهار جميع القيم الإنسانية، ومع موت الضمير، ينأى المجتمع عن الفضيلة والقيم الإنسانية، وتتحكم به المنفعة واللذة والمصالح الشخصية والأيديولوجيات السياسية والدينية. ويسود العنف والظلم والجور، فنخسر الإنسان، ومن ثم نغامر بمستقبل المجتمع. وبالتالي كيف نحمي الضمير كإجراء احترازي لضمان فاعليته ورقابته وعدم انهياره في المواقف الصعبة؟. وكيف نشحذ عزيمة الإنسان، ونرفع من همته وإرادته؟

وأقصد بالضمير كما مرّ تعريفه في بحث سابق، استدعيه لارتباطه الوثيق بهذا الموضوع. الضمير: وازع نفسي، ورقيب ذاتي، يضبط الأداء السلوكي للفرد. وهو وازع أخلاقي، يعبّر عن الفطرة السليمة، يبعث في النفس مشاعر السعادة والارتياح بعد كل عمل سوي، ويشعر بالتأنيب حينما يقترف قبيحا. وهو رقيب فطري عبّرت الآية عن أحد وجهيه: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ). والنفس اللوامة ضمير حي، يؤنّب صاحبه، عندما يؤوب لرشده ويندم على فعله. واللوم صفة إنسانية حميدة، يصدر عن وجدان نظيف وقلب نقي. وأيضا هو مشترك أخلاقي، ترتهن له العلاقات الاجتماعية ورعاية حقوق الآخرين. والضمير الحي رهان ناجح لحفظ توازن المجتمع، وتقويم سلوكه أخلاقيا، لضمان ديمومة قيم الفضيلة، التي تخشى طغيان النفس، فيكون الضمير رقيبا مؤثرا، بفعل مرجعياته وميله الفطري للخير. عليه يُعتمد في تطبيق الأنظمة والقوانين عند غياب السلطة والرقابة الاجتماعية. وبما أن فاعليته ترتهن لنقاء النفس، أكدت الكتب السماوية على تزكيتها. وحثت القيم الاجتماعية على حياته، فهو قاسم بشري مشترك. سلطته أقوى من العنف والمغريات. وعندما يكون الضمير حيا يأمن الناس بعضهم الآخر، وتسود الثقة والاطمئنان. وعندما تكون الإرادة قوية لا ينكص الإنسان أمام الباطل والرذيلة والظلم والعدوان. والعكس صحيح عند انعدام الضمير.

ومعنى حيوية الضمير، تمثّل الآخر ومشاعره عبر الذات، وقياس ردود فعله عليها، فيتعامل مع الإنسان بما هو إنسان، كتعامله مع نفسه، بعيدا عن لونه وأصله ودينه وطائفته. يحترم حقوقه وحيثيته. يرفض هدر كرامته مهما كان منبوذا أو فقيرا أو منقطعا، ليبقى إنسانا بمشاعره وأحساسيه. يمتنع عن تأنيبه بكلام جارح، ويعتذر حينما يُخطئ بعيدا عن خصوصيته ومكانته الاجتماعية، فالضمير الحي يوازن العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية. ومقوّم أساس لمجتمع الفضيلة، والأقدر على اسقاط جيمع الاعتبارات المزيفة، والبقاء على إنسانية الإنسان عند تعامله مع الآخر، مهما بلغ حجم الفوارق. وفي المأثور: "حب لأخيك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها". وعن الرسول: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". كلها تريد بقاء الضمير الإنساني حيا، يقظا، يراقب ويقوًم. فكيف السبيل؟.

الضمير والدين

لقد ذهبنا إلى استقلال الأخلاق عن الدين بمعنى التشريع، وأن الحُسن والقُبح ليس ما حكم الشرع بهما، بل ما حكم العقل به. وهذا لا يمنع أن يكون للدين بمعنى الإيمان دور في الأخلاق دون المساس بشرط الفعل الأخلاقي، فتبقى الاستجابة له منبثقة من أعماقه الإنسانية واستجابة للواجب الأخلاقي. الفعل الأخلاقي فعل سلوكي، يواجه باستمرار تحديات تختبر صموده، وقد يخفق الضمير اتجاهها، فيأتي دور الإيمان ليعزز دوره الرقابي، ويحول دون تراخيه أو نكوصه، فدائرة اشتغال الدين هي ديمومة يقظة الضمير الذي يرتهن له الفعل الأخلاقي في تحفيزه ورقابته. والضمير مشترك إنساني، يرتهن له الفعل الأخلاقي في إخلاصه ونقائه الإنساني. كما للدين دور كبير شد عزيمة الإنسان وصموده أما النفس ومغرياته، وأمام الواقع وتحدياته، مهما كانت قاهرة.

ويقصد بالإيمان الإيمان بكائن أعلى يتصف بالقداسة والكمال والسمو، سواء كان الخالق الحقيقي أو أي كائن أسمى أو أعلى، رغم التفاوت في رمزية كل واحد منهما، فمن يؤمن بالخالق الحقيقي، يؤمن لا بمطلق كماله وسموه فقط، بل يشعر وهو بين يديه بالرهبة والخوف الحقيقيين. ويؤمن ثمة لقاء بعد الموت يحاسب فيه الإنسان على سلوكه وتصرفاته، فهومسؤول لا محال، وعلى هذا الأساس يخشاه، ويسعى لرضاه، ورضاه يتجلى بتمثل الخُلق الإنسانية. ومن شأن هذا الشعور يقظة الضمير الديني، وقوة العزيمة، ومن ثم ديمومة القيم الإنسانية. فالمؤمن هنا لا يرتهن فعله الأخلاقي لأمر تشريعي، ولا خوفا من عقاب أو رغبة في ثواب، بل يخشى انهيار ضميره الديني وتقواه، فتراه رقيبا عليها، يحرض باستمرار ضميره ليتمتع بسلطة أقوى لمحسابة النفس من خلال رقابته. ونحن هنا بصدد حماية الضمير الإنساني من الانهيار، والإيمان يحقق هذا الهدف دون المساس بشروط الفعل الأخلاقي. وهذه نقطة مهمة لتفادي الالتباس. لا نريد ارتهان الفعل الأخلاقي لغير الواجب الأخلاقي، وإنما نسعى لحصانة الضمير، وتحصينه ضد الانهيار والنكوص. وتحصين الضمير يختلف عن ارتهان الفعل لغير اخلاق الواجب العقلي.

وإنما أوكد على هذا الجانب لأني أتطلع لفعل أخلاقي يؤثر في الواقع، ولا يبقى مجرد مفاهيم تجريدية، تنهار في أول تجربة عملية، فالحديث عن الإرادة الخيرة أو الفعل الأخلاقي الإنساني، أقصد ذلك الفعل الذي يترك أثرا في الواقع، ويحقق تراكما أخلاقيا يسود المجتمع، وتظهر أثاره جلية عندما تلعب الفضيلة دورا حقيقيا في حياة الفرد والمجتمع. من هذا المنطلق أعوّل على الدين بمعنى الإيمان لحماية الضمير الإنساني من الانهيار، إذ مع انهياره تنهار منظومة القيم الأخلاقية، وتسود الفوضى. وهنا لا أتحدث عن الأوامر الإلهية أو الأحكام الشرعية، ولا أقصد تقاطع الإرادتين الديني والأخلاقية، ولست بصدد بيان مدى صدقية مفهوم الفعل الأخلاقي إذا جاء بدافع الترغيب والترهيب أو الخوف من القانون والعقاب، فكل هذا مؤجل للمرحلة الثالثة، عندما تتعلق بالفعل الأخلاقي إرادة خارجية. والكلام هنا عن الإيمان تلك الحالة الروحية التي ترتهن حياة الإنسان ويشعر معها بالطمئنينة والسلام. ويتأتى الإيمان عبر تراكمات لا شعورية، نفسية – ثقافية، هي سر تفاوته من شخص إلى آخر. فتؤثر في تكوينه جميع المؤثرات السلوكية والاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية والتربوية، لذا لا تلازم بين الإيمان وصحة العقيدة فقد يؤمن الفرد بشيء ليس له واقع، وقد يؤمن بخرافة تستنكرها يقظة العقل، لكن إيمانه يبقى مؤثرا جدا في سلوكه. وهذه ليست دعوة لتبني الإيمان الخرافي إطلاقا، وأنما الكلام عن الإيمان كحالة نفسية وشعورية تساعد على يقظة الضمير الإنساني. وقد سبق أن ذكرت: لا يكفي مجرد اليقين دليلا على صدقية الإيمان، بل يجب أن يكون منشأه برهانياً، ليكتسب حجية ذاتية. وأما المناشئ النفسية لليقين والإيمان فلا تكون معذّرة ومنجّز، وهو حال الأغلبية المطلقة للناس. فالمنهج العقلي لا يكتفي بحسن نية وطوية الفرد، بل يطالب بأدلة يمكن الاستدلال عليها، لخطورة الإيمان، وما يترتب عليه من تداعيات خطيرة. (أنظر كتاب: النص وسؤال الحقيقة).

وللإيمان بوجود كأئن أسمى أو بوجود خالق حقيقي للكون والإنسان، آلياته في ترسيخ القيم الأخلاقية، وتحصين الضمير ضد الفشل والانهيار، وبعث العزيمة وقوة الإرادة لدى الفرد الأخلاقي، تجعل منه كائنا إنسانيا يساهم في دفع عجلة الحضارة.

يأتي في الحلقة القادمة

 

............................

للاطلاع على حلقات:

حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي

 

للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه

almothaqaf@almothaqaf.com

 

فريضة التسامح وفرضيّاته

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عبد الحسين شعبان

عبد الحسين شعبانحين يرتقي التسامح ليصبح فريضة من الفرائض فهذا يعني أنّه راهني وحاجة ماسّة ولا غنى عنها، بل ضرورة ملحّة بقدر ما هو خيار لتيسير حياة الفرد والمجتمع والدولة، وعكسه سيكون اللّاتسامح بمعنى التعصّب ووليده التطرّف والعنف والإرهاب، ناهيك عن العنصريّة والشوفينيّة والاستعلاء والهيمنة وادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة، والزّعم بالحق في احتكارها.

وإذا كان البشر خطّائين على حدِّ تعبير فولتير، فعلينا أن نأخذ بعضنا البعض بالتسامح، فلا أحد يمتلك الحقيقة كاملة، وليس هناك أفضليّة لبشر على آخر بسبب صفاته البيولوجيّة أو عرقه أو دينه أو جنسه أو لغته أو لونه أو أصله الاجتماعي، والبشر مختلفون باختلاف أشكالهم وصفاتهم وقوميّاتهم وأديانهم ولغاتهم وأجناسهم وانتماءاتهم وأصولهم الاجتماعية وأهوائهم وأمزجتهم وأذواقهم، لذلك يقتضي أن ينظر كلّ منهم إلى الآخر بالاحترام والقبول والتقدير والانفتاح والتواصل وحرّية الفكر والضمير والمعتقد، وهو ما جاء في الإعلان العالمي للتسامح الصادر عن منظّمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في العام 1995 والذي تقرّر فيه اعتبار يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام يوماً عالميًّا للتسامح.

ولأنّ مجتمعاتنا تعاني نزعات الإقصاء والإلغاء والتهميش، فنحن أشدّ ما نكون إلى التسامح كخيار استراتيجي لقطع الطريق على القوى المتعصّبة والمتطرّفة والعنفيّة والإرهابية التي لا تؤمن بالحوار والتواصل بين الثقافات وأتباع الأديان والمذاهب وصولاً إلى المشترك الإنساني، ليس هذا فحسب، بل إنّ ما نشهده من إساءات لديننا الحنيف ومجتمعاتنا العربية الإسلاميّة، يدفعنا للبحث عن السبل الكفيلة لنشر ثقافة التسامح وتعميمها، والأمر لا يتعلّق بمجتمعاتنا فحسب، بل بامتداداتها للجاليات العربيّة والمسلمة في أوروبا والغرب، ولعلّ ما حصل من عمليات إجراميّة مؤخّراً في باريس ونيس وفيينا خير دليل على ذلك، بما فيها ردود الفعل السلبيّة التي تتّهم العرب والمسلمين بالجملة بالإرهاب، لأنّ دينهم يحضّ على ذلك كما ذهبت إلى ذلك الموجة الشعبويّة العنصريّة الجديدة، التي عبّر عنها خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون إثر مقتل المدرّس الفرنسي بالطريقة الفجائعيّة المعروفة.

المقصود من اعتبار التسامح فريضة، لأنّه يعني الوئام في سياق الاختلاف واتّخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحقّ الآخرين من التمتّع بحقوق الإنسان وحرّياته الأساسية المعترف فيها عالميًّا، ولذلك لا ينبغي التذرّع والاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان، كما لا ينبغي بحجّة مواجهة اللّاتسامح تقليص الحقوق المدنيّة والسياسيّة أو التجاوز على عقائد الآخرين أو دمغ مجموعات ثقافيّة بالإرهاب أو تقييد الحقوق والحرّيات بما فيها الإعلامية.

اعتقادان خاطئان سادا ضدّ فريضة التسامح، الأوّل - الذي يقوم على الإسلامفوبيا (الرهاب من الإسلام) باعتبار تعاليمه تحمل فيروسات العنف والإرهاب، وقد صار مثل هذا الاعتقاد جزء من المتخيّل الجمعي في الغرب، والثاني - الويستفوبيا (الرهاب من الغرب) باعتباره شراً مطلقاً ويتم ازدراؤه من جانب الإسلامويين والمتعصبّين لدينا، ومثل هذين الرأيين يقومان على أيديولوجيا مسبقة تلك التي تشيطن الآخر بنظرة إسقاطيّة أساسها الكراهية والاستعلاء.

وإذا كان عالم التسامح مرتبطاً أيضاً بالحداثة والمدنيّة والعقلانية فكيف السبيل للولوج إليه؟، وفي هذا الصدد نقول هناك 10 فرضيّات أساسية إذا ما أخذت بها المجتمعات والبلدان واعتمدت كقواعد قانونيّة يمكن تهيئة بيئة صالحة لبذر التسامح وإروائه ليصبح شجرة باسقة وهي الإقرار بـ: أولاً - نسبيّة المعرفة، وبالتالي تجربة الخطأ والصواب، وكان أوّل من دعا إلى ذلك سقراط وطوّر الفكرة بعده فولتير؛ وثانياً - لا عصمة من الخطأ، فحتّى العلماء يخطأون، وليس لبشر عصمة طالما هو يعمل فهُ يخطىْ؛ وثالثاً -عدم امتلاك الحقيقة، والكل يحاول مقاربتها من خلال النقاش والجدل، ورابعاً - التعدّدية والتنوّع للأديان والقوميّات والبلدان والمجتمعات والأفراد؛ وخامساً حق الاختلاف باعتباره حقيقة فائقة وسيكون البحث عن التطابق مجرّد وهْم مثلما سيكون كل إجماع مصطنعاً بإلغاء الفروق. وسادساً، الموقف الإيجابي من الآخر، وهو دليل حضاري لقبول فكرة التسامح؛ وسابعاً عدم التمييز الذي ينبغي أن يكون على قاعدة المساواة والعدل في التشريع والقضاء والإدارة أي "حكم القانون" الذي عبّر عنه مونتسكيو بقوله: (القانون مثل الموت لا يستثني أحداً)، أي يسري على الجميع حكّاماً ومحكومين؛ وثامناً -  المساواة صعيد الفرد والأسرة والمجتمع، وقد جاء في القرآن الكريم أن البشر متساوون في الكرامة الإنسانيّة وورد في سورة الإسراء "تكريم بني آدم"؛ وتاسعاً نشر التسامح من خلال التربية والتعليم للمراحل المختلفة كفلسفة وثقافة، إضافة إلى دور الإعلام والمجتمع المدني والفاعلين السياسيين والاجتماعيين.

وأخيراً، وعاشراً - ضرورة إصلاح المجال الديني، ومن خلال إصلاح الفكر الديني يمكن إصلاح الخطاب الديني، وعلى غرار هوبز: كلُّ إصلاح مفتاحه الفكر الديني، وإذا ما سادت هذه الفرضيّات وأصبحت واقعاً يمكن الحديث عن فريضة التسامح من خلال فلسفته وثقافته ووجوده في الحياة اليومية والاجتماعية على صعيد كل من المجتمع والفرد وعلى الصعيد الدولي أيضاً، كقيمة أخلاقيّة مثلما هو قيمة اجتماعيّة وقانونيّة.

 

عبد الحسين شعبان

 

 

الرحلات البريطانية إلى يافع

التفاصيل
كتب بواسطة: ا. د. قاسم المحبشي

قاسم المحبشينشرت مجلة جمعية الصداقة اليمنية البريطانية بحثا بعنوان الرحلة إلى يافع ١٨91 - 1967. قام بترجمته الاستاذ محمد محسن العمري نائب وزير العمل سابقا. في ١١٠ صفحات من القطع الكبير. جاء فيه " كان الكولونيل ليك هو أول أوربي يزور يافع العليا والسفلى في نوفمبر 1925. وبانتدابه من الجيش الهندي خلال الحرب العالمية الأولى قام ليك (1886-1943) بإنشاء وتدريب قوة قبلية لأغراض الحراسة المحلية، وللغرابة فقد سميت هذه القوة مشاة اليمن الأول (First Yemen Infantry) . وبعد أن تم حل هذه القوة في عام 1924 أوكلت إلى ليك المهمة الأكثر إثارة للارتياح بتأسيس وقيادة جيش محمية عدن (جيش الليوي (APL Aden Protectorate Levies) . وفي أعوام الثلاثينات من القرن العشرين تم تحويله إلى طاقم عدن السياسي، وخدم سكرتيراً للمحميات (ولاحقا قائم بأعمال المقيم والحاكم) حتى تقاعده في عام 1940"

"انطلقت القافلة من الحصن صعوداً بمرافقة حرس قبلي تحت قيادة السلطان علي بن عبدالله. أخذ ليك معه مبلغ 10000 ربية في صندوقين من الحديد الصلب من أجل توزيعها كمنح (بقشيش Douceur) لرؤساء القبائل ولتغطية نفقات الضيافة ودفع اجور الجمّالة. وبعد عشرة أيام من مغادرة ليك وفريقه من عدن وصلوا إلى القارة حيث استقبلوا بحفاوة بالغة وترحيب حار. وقد تضمن تقييم ليك لرحلته وصفاً مفعماً بالحيوية للطبوغرافيا المحلية: " تقع القارة على تل يرتفع منتصباً من الأودية المحيطة إلى ارتفاع حوالي 800 قدم فوقها، ويرتبط من الاسفل بطريق حجري متعرج... ومن قمتها يبدو منظراً بانوراميا بديعاً.... إلى الجنوب ينظر المرء عبر وادي إمهدارة إلى جبل موفجة، حيث يمكن من قمته أن يشاهد المرء جبل شمسان وميناء عدن عندما يكون الجو صحواً. وإلى الغرب على بعد شاسع يمكن رؤية سلسلة جبال ردفان، وما وراء ذلك أبعد قليلاً إلى الغرب تظهر بلاد الأميري مع جبل الضبيات. وغرب – شمال-غرب تبرز القمم الشامخة لمنطقة المفلحي بكل عريها الوعر، وإلى الشمال أكثر يقع جبل أهل يزيد، متوجاً على طوله بالدور الحجرية بأشكالها الظلية في مواجهة السماء. وما وراء جبل اليزيدي تقع سلسلة جبال يافع العليا.... إلى الشمال الشرقي قليلاً يمكن رؤية جبل العر، الذي لم يسمح لنا بزيارته ولم تطأه بعد قدم أوربي. وإلى الشرق من العر تقف النصبا كساد مثل سنام فوق جمل .... وإلى شرق شمال وأبعد بالمسافة ينتهي حائط الجبال بصورة حادة منحدراً إلى الأسفل حتى الكور وسهول دثينة... وإلى الشرق وجنوب شرق يصبح المنظر أكثر تقييداً، منقطعاً عبر انحدارات جبل الشعاب والتلال إلى الجنوب من وادي سرار.تتكون البلاد المتداخلة من سلسلة من القمم والوديان، في قمم وبطون الجبال وضعت المدرجات لزراعة الدخن (الذرة) والوديان الخضراء بمزارع البن والقمح والشعير. إنه منظر لا يمكن أن ينسى بسهولة، لابد انه بنوعه وعظمته الجامحة أحد أهم الروائع في الجزيرة العربية، وبصفه خاصة في الصباح الباكر وفي المساء مع التغيرات الرائعة بالضوء والظل

بعد تلك الرحلة الموفقة لل الكولونيل ليك توالت زيارات الانجليز اليها على مدى السنوات اللاحقة إذ كان الزائر البريطاني  الثاني "للقارة هو السير ستيوارت سيمس في عام 1929. سيمس الذي كان مقيم عدن بين 1928و1931 كتب في تقريره انه حظي بمعاملة في غاية الكرم وحسن الضيافة"

في عام 1938 زارها ستيورات بيرون، وهو ضابط سياسي ولم تعرف غرض زيارته، ولكن يبدو على الارجح بانه أرسل ليلوّح بالعلم الامبريالي البريطاني في وقت تزايدت فيه حده التوترات الدولية. وفي عام ١٩٥٠ زارها البريطاني مالكوم ميلن. قدم ميلن تقييما مفعماً بالحيوية عن رحلته إلى القارة في كتاب سيرته الذاتية الصادر عام 1999 (No telephone to Heaven) كتب عن لحظه وصوله:" شاهدنا قلعة القارة حول تل منخفض بارتفاع 1500 قدم فوقنا، والدور المنيعة البيضاء مواجهة إلى السماء خلفنا. كان الطريق الملتوي بطول ميل إلى القلعة أسود اللون وبه حشد من رجال القبائل. قدَر حسن محسن (من أعيان المنطقة السفلى)، إن ثلاثة آلاف رجل في انتظارنا. السلطان نفسه محاطاً بمجموعة من أتباعه يبترعون ويلوحون بالسيوف، جاء قادما ببطء لاستقبالنا. ورجال القبائل بصدورهم العارية واجسامهم المطلية بالنيلة وزيت السمسم ذي الرائحة الفواحة. عندما التقى الطرفان بدأت التحية: أطلق مدفع في الاعلى اثنتي عشر طلقة، وكل رجل قبيلة اصطف على الطريق أطلق النار من بندقيته عند اقترابه. في تلك الليلة انفتحت السماء وهطل المطر الغزير مصحوبا برعود قوية". أوحت زيارة ميلن بتلك التي قام بها حاكم عدن السير هيكنبوتم في عام 1952. في مذكراته (عدن 1958) سجل هيكنبوتم: " القارة هي البلدة الاكثر استثنائية التي شاهدتها في أي مكان في العالم. لقد بنيت على قمة دائرية من الحجر الجيري على تلة شديدة الانحدار والتي تبدو مثل شكل مخروطي مقطوع(الرأس). كان الوصول إلى البلدة يتم عبر طريقين وعرين وبصعوبة تتمكن الجمال والحمير من الصعود اليها.

في أغسطس 1953 كتب ديفيد ترفري في مذكرة سرية معلقاً على زيارتي ميلن وهيكنبوتم إلى يافع السفلى، وكان قد عين في أبين وقام بزيارة القارة قبل اسابيع قليلة:" أن موقف القبائل قد بقي في كل الاحوال معاديا بصورة اساسية... لقد أوليت اهتماماً لقوة المعارضة لزيارة صاحب المعالي (حاكم عدن) عبر حوارات مع أعضاء من فريقه المرافق، ومع نائب سلطان يافع السفلى (السلطان محمد) الذي كان مسئولا عن تأمين حمايته ومع الحرس القبلي الذين رافقوه... إن مشاعر عدم الود العامة كانت واضحة تماماً خلال زيارتي الحالية. لقد وجهت الاهانة لفريقنا من قبل من صادفناهم في الطريق وفي الحقول... وقد شوهد نحو 1000 من قبائل كلد المسلحين في وادي سرار، قاموا حسب اعترافهم بالتجمع للسيطرة على ممر مسكبة لمنع هجوم القوة العسكرية التي كانوا يتوقعونها. وقد تم قطع اشجار بن السلطان من قبل رجال قبيلة السعدي احتجاجاً على ميول السلطان تجاه الحكومة... إن معارضتهم تنطلق من عدائهم للحكومة ومن خوفهم من التغيير ومن استقلاليتهم الشديدة. كانت زيارة ترفي عام 1953 هي الاخيرة من قبل أي أوربي قبل الاستقلال في عام 1967.

إن الرحلة الوحيدة إلى يافع العليا من قبل أوربي منذ رحلة ليك في عام 1925 كانت واحدة غير متوقعة قام بها في منتصف 1952 نيجيل جروم الذي كان موقع عمله حينها في الضالع. ومستنداً بصورة اساسية على ذكريات عديدة مدفونة عن تلك الرحلة، قدم لنا نيجيل جروم بكرم التقرير التالي:

"في صباح أحد الايام جاء جندي من الحرس القبلي حاملاً رسالة من النائب في الشعيب تفيد بان طائرة قد سقطت في وادٍ في جزء معزول جداً من يافع العليا على مقربة من الحدود الشعيبية واليمنية. تلا ذلك بعد وقت قصير رسالة مماثلة من شيخ المفلحي وبعدها من أمير الضالع، وبعدها بيوم أو يومين من مصادر عدة معتبرة. كانت تقاريرهم كلها متسقة وقابلة للتصديق. أبرقت بذلك إلى عدن التي بدورها أكدت بعد التواصل مع تعز بعدم فقدان طائرة بريطانية أو يمنية"يصف الرحالة البريطاني نيجيل جروم رحلته إلى يافع العليا بالقول: " زوجتي لورنا التي كانت برفقتي حينها في الضالع، دونت (في يومياتها) بأنني غادرت بصحبة 15 جندي من حرس الحكومة وحوالي 60 جندي من جيش محمية عدن وبمرافقة مساعدين طبيين مع تموينات ونقالتين طبيتين. كل ذلك جاء من حامية الضالع... وفي صباح اليوم التالي بدأنا رحلة العودة إلى الضالع. أمضينا حوالي أسبوع في عملية البحث الساذجة هذه. ولكنها كانت بالنسبة لي مغامرة ممتعة، وأستطيع أن أدعي انني الضابط البريطاني الوحيد الذي دخل أراضي نقباء الموسطة منذ رحلة ليك إلى يافع العليا عام 1925”

 

ا. د. قسم المحبشي

 

 

العوامل المؤثرة على تدهور الوضع الاقتصادي العراقي

التفاصيل
كتب بواسطة: عمانوئيل خوشابا

عمانوئيل خوشابابعد الأحتلال 2003، واِمكانية استقطاب الاستثمارات الأجنبية والوطنية

تعرض العراق الى العديد من الأزمات الأقتصادية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أثبتت الوقائع على اٍن الدولة العراقية لم تكن لها القدرة في مواجهة هذه الأزمات بالرغم من ما تمتلكه من أمكانيات هائلة من مواد وعناصر الأنتاج كانت مادية او بشرية. أعتمد النظام السابق على النظام الأقتصادي المركزي الريعي، وتفاقمت الأزمة الأقتصادية العراقية بعد الغزو الأميركي عام 2003 لأسباب عديدة، وتغيرحينها النمط الأقتصادي الى النظام الأقتصادي الريعي ـ الليبرالي، بحيث أعتمد في نتاج عائداته النقدية على المصدر الوحيد الطبيعي وهو الريع النفطي، في ظل تلاشي الفعاليات الأنتاجية الأقتصادية الأخرى، بحيث يكاد يكون الناتج الأجمالي القومي صفراً خارج المجال النفطي.

بعد تدمير البنى التحتية للعراق بعد عام 2003 ومن خلالها أنهارت المنظومات السياسية، الأقتصادية، الأدارية، المالية،الخدماتية وكذلك المؤسسات الأمنية، أصدر حينها المحتل عدد من التشريعات والقوانين لتمشية أمور الدولة طبق مواصفاته، بحيث خلق من بعدها أزمة حقيقية وهي غياب مفهوم الوطنية، والذي أستطاع أن يجسد مفهوم التباين بين أبناء المجتمع الواحد، ووضعت البلد تحت نيران النزاعات الدينية، الطائفية والعرقية، وأمسى العراق بلد المكونات خلال دستوره اللاوطني. وأنعكس نتائج الوضع أعلاه على معيار توزيع الثروات الأقتصادية العراقية على شكل معيار طائفي مقيت خاصة بعد جلاء قوات الجيش المحتل عام 2011، وأنعكس بدوره على آداء الأقتصاد العراقي. حيث عمدت الولايات المتحدة الأميركية الى عملية تحرير شامل للأقتصاد العراقي وأستخدام التجارة الحرة بدون وجود أسس وضوابط معينة يستطيع مواجهة اقتصاديات دول الجوار والعالم، بحيث سمح بفتح الأسواق العراقية بمصراعيها أمام البضائع الأجنبية، وأدت هذه العملية الى تدهور القطاع الصناعي والزراعي الوطني.

أزدادت العائدات النقدية العراقية مابين عام 2003 ـ 2010 وذلك بسبب أرتفاع أسعار النفط ، وأثبتت الوقائع بأرتفاع  مؤشر النمو الأقتصادي فقط بدون أي أثر فعال في مجال التنمية و ذلك تبين الأحصائيات اٍن العائد النقدي العراقي تجاوز الــ 900 مليارد دولار من العائدات النفطية فقط، ولكنها تلاشت في النظام الأداري والمالي الفاسد من خلال أكبر عملية فساد منهجية ظهرت في تاريخ العراق المعاصر، والذي أعتبر العراق خلالها  من أسوأ الدول المتعاملة في مجال التجارة والأستثمارات، واٍن مجمل أستثمارات الدولة لاتذهب الى مشاريع التنمية الوطنية بسبب هذا الفساد ضمن الأقتصاد المنفلت ،وهذا ما أكدته منظمة الشفافية الدولية في تقاريرها الدورية، وتم خلالها تصنيف العراق في المرتبة 170 من بين 175 دولة أكثر فساداً في العالم، وكذلك تم تصنيف العراق بالمرتبة 156 من بين 185 دولة سيئة في مجال ممارسة الأعمال التجارية والأستثمار.

ونود التطرق الى أهمية عامل الأستثمار في دفع عجلة التنمية الأقتصادية الى أمام، حيث يعمل على زيادة السلع والخدمات المنتجة، يعمل على تخفيض نسبة البطالة، رفع المستوى المعاشي، وتوفير العملة الصعبة وغيرها.  ومن هنا عندما يشهد العراق أي أزمة أقتصادية، نلاحظ هرولة النظام السياسي نحو الحديث عن ضرورة جلب الأستثمارات الأجنبية والمحلية من تصحيح الوضع الأقتصادي، ودعواتهم هذه تكاد فاشلة وليس لها أرضية خصبة بفضل تضاربات القانونية، العامل الأمني والفساد البيروقراطي الأداري والمالي. وكما هو معلوم بأن العراق أقرعام 2006 قانون الأستثمار رقم (13)، والتي تأسست من خلاله الهيئة الوطنية للأستثمار، والتي نصت أهم بنوده على تشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي والمختلط للأستثمار في العراق، من خلال توفير كافة السبل والتسهيلات للمشاريع الأستثمارية، ومن ثم تنمية عوامل الأنتاج وتوفير فرص العمل للعراقيين. وبالنتيجة توسيع الصادرات وتعزيز عملية التبادل التجاري وأخيراً توفير الحماية الكاملة لأمن وحقوق وممتلكات المستثمر.

بالرغم من مرور أكثر من 14 عاماً على أصدار هذا القانون اٍلا اٍنه لم يرى النور  وبقي حبراً على الورق ولم يتم اٍكمال اٍلا الجزء الضئيل في بعض المناطق. ويرجح عدد  من الأسباب التي أدت الى عدم تفعيل القانون أعلاه :

1 ـ عدم وجود شروط الدولة السيادية في العراق، والتي من خلالها يمكن فرض سيطرتها على مجمل الأمور، فغياب القانون ومن ثم سيطرة الميليشيات والأحزاب الطائفية والعرقية على القرار السياسي والأقتصادي للبلد، مجمل العوامل أعلاه سوف تعرقل بدورها مشاركة اي مستثمر بالدخول الى السوق العراقية المظطربة.

2 - تفشي الفساد داخل بدن الدولة العراقية والمسبب الرئيسي له هو الأحزاب المسيطرة على القرار الأداري والمالي ضمن الدوائر والوزارات المتعلقة بهذا الشأن ،والتي تنتج حالة تضارب القوانين مابين الدوائرالمعنية ومن ثم كثرة الأتاوي والرشاوي والذي يؤدي الى نفور الشركات المستثمرة الدولية التي تؤدي بدورها يدفعها المستثمر للأحزاب المسيطرة على الدوائر والوزارات المختصة ضمن مجال الأستثمار.

3 ـ قانون الأستثمار العراقي المرقم 13 لعام 2006 لايوفر البيئة المناسبة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية ولم يواكب أسس الأستثمار والتشريعات المطبقة في أغلب بلاد العالم، مثال الضمانات والتسهيلات المالية والخدمية، الأعفاءات الضريبية والكمركية المقدمة للمستثمر الأجنبي، حيث يترنح المستثمر بسبب بيروقاطية القوانين والتشريعات والتي تسيطر عليها الأحزاب والميليشيات المتنفذة وتسييرها حسب هوائها، وبهذا لم تتكن الدولة العراقية في حماية المستثمر من الناحية الأمنية، المالية والأدارية.

4 - عدم وجود نظام مصرفي مثالي ومؤهل لخلق أرضية خصبة يمكن من خلالها جذب رؤوس الأموال المستثمرة، حيث تبين الأحصائيات بأن العراق لديه حوالي 45 بنك خاص، اٍضافة الى 7 بنوك حكومية وغلبيتها لاترتقي الى المستوى والكفاءة المطلوبة من مواكبتها للتطور التكنلوجي المتوفر في المصارف العالمية، بالأضافة الى المشكلة الأكبر والمتمثلة بعمليات الفساد الكبري والتي يؤديها البنك المرطزي العراقي من عملية غسيل الأموال وتهريبها.

5 - عدم الأستقرارالأمني والسياسي وسوء واقع الخدمات المتمثلة بعوامل الأنتاج كالكهرباء والماء والطرق وغيرها.

علماً بان الدولة أنفقت الملياردات من الدولارات على عمل الهيئة الوطنية للأستثمار ودوائرها الفرعية في المحافظات وايفادات الكثيرة لوظفيها داخل البلد وخارجه، ولم تنجز الحد الأدنى من المشاريع ، لذلك وبذلك وفق العراقيل أعلاه، تبين بأن العراق خسر العديد من فرص الأستثمار والتي كان يمكن أن تؤدي الدور الكبير في أعادة بناء العراق .

لذلك يواجه العراق اليوم في ظل حكومة الكاظمي أزمة أقتصادية خانقة من خلال تفشي جانحة كورونا وهبوط أسعار النفط، مع تفشي الوضع السياسي الهش من خلال عدم قدرة الدولة في فرض قبضتها على زمام الأمور وتواصل هيمنة الميليشيات التابعة للأحزاب الطائفية بكافة تلاوينها المذهبية على القرار السياسي والأقتصادي والتي خلقت من خلاله أقتصاد مريض والذي أدى بدوره على تراجع كبير في نسبة الخدمات المقدمة للمواطن العراقي، وارتفاع قياسي في نسبة البطالة وخاصة في شريحة الشباب، والتي أدت الى زيادة الأحتجاجات والمظاهرات السلمية في جميع أنحاء العراق. وتظهر الأحصائيات الأقتصادية بحصول أنكماش في الريع النفطي بنسبة 12% ، يقابله أنكماش في الناتج الوطني الغير نفطي بنسبة 5% ، ومن خلاله أنكمش معل النمو الكلي للناتج الوطني بنسبة 10 % لعام 2020 وهو الأسوأ منذ عام 2003، وبذلك أدى التراجع الأقتصادي أعلاه بحدوث أزمة أجتماعية ألقت ظلالها على الأسر العراقية بحيث أزداد معدل الفقر الى نسبة 14 %  ليصبح أجمالي عدد الفقراء اليوم تقريباً 10 مليون شخص.

 

عمانوئيل خوشابا

20-10-2021

 

المعنى التاريخي للوضع الحاضر (1-2)

التفاصيل
كتب بواسطة: د. علي رسول الربيعي

علي رسول الربيعيدائما الآن وهنا

المقدمة: نواجه اليوم "نهاية العالم كما نعرفه"[1] فيبدو أن أسباب الحديث عن التحولات في العالم أكثر إقناعًا من أي وقت مضى، واصبح من البديهي أن نقول عن وضعنا الحالي نحن نعيش في زمن التغيير الكبير، لكن كما هو الحال دائمًا عندما نواجه تغيرًا كبيرًا، نحتاج إلى مقاومة " الغطرسة التاريخية" وهي النزعة المغرية لمركزية الذات التي تضعنا في مكانة متمايزة و بشكل غير معقول في مركز التاريخ والعالم.

هناك تقاليد فلسفية عميقة، تعود أساسًا الى إيمانويل كانط، الذي حاول التعامل مع مهمة تحديد المعنى التاريخي للوضع الحاضر كموضوع فلسفي. نعتقد أحيانًا، على الرغم من أننا كمختصين وباحثين في الفلسفة، أننا  "لا في مكان"، إذا ما قيلت لنا الحقيقة- وإذا أصغينا بعناية للتقليد الفلسفي الأنطولوجي النابع من هايدجر وآخرين - فإننا ندرك أننا دائمًا منغمسون بالفعل في العالم نفسه الذي نحاول أدراكه- "الآن" و "هنا".

لقد تم التعامل مع هذا الأمر باعتبار مهمة فلسفية جادة منذ أكثر من قرنين من الزمان: منذ محاولة كانط للإجابة على السؤال الملح" ماهو التنوير؟ "والتأريخ لهذا السؤال في ظاهريات الروح في فلسفة هيغل، وعبر آرنديت، فوكو، بوفوار، والأعمال اللاحقة لفون رايت وهابرماس، إلى مساهمات أكثر حداثة من قبل هارت ونيغري، حتى نوسباوم، وزيزيك.

لقد تم توسيع المهمة ونطاق وجهات النظر مع مرور الوقت، حيث برز نوع جديد من الخبراء والأختصاصيين في مجالات عديدة، تستند أساسًا الى العلوم الاجتماعية مثل: أولريش بيك، وأنتوني جيدنز، وزيجمونت بومان، وساسكيا ساسين، وديفيد هيلد، وغيرهم. واجهنا على مدى العقود القليلة الماضية، أيضًا شبكة من المفاهيم الجديدة التي تم تصورها في إطار طموح للتعامل مع عالمنا المضطرب، وتهدف إلى تسمية الحاضر وتحديده. إن السعي وراء تحديد التوجه في عالم دائم التغير للحصول على مزايا تنافسية قد تحول إلى أعمال ضخمة، مرتبطة بمجموعة متنوعة من الأعمال التجارية، والمسح الضوئي، والاستراتيجية الجغرافية، والتشخيصات المعاصرة بما في ذلك توقعات تلقي تنبؤات محددة حول المستقبل.

نحتاج، في هذه الحالة، إلى أن نسأل أنفسنا عن نوع المساهمة التي يمكن أن تقدمها فلسفة. هل يمكن أن يكون هناك فهمًا أكثر شمولاً لظروفنا الحالية ناشئًا عن القدرة على تطوير وجهة نظر شاملة مع مفاهيم أكثر دقة، أو سياق تاريخي أكثر شمولاً للتحولات الحالية، أو تفكير فلسفي نقدي يؤدي بالتالي الى تعزيز فكرة أن "عالم آخر ممكن"؟ أن هذه المساهمات صالحة، لكن مع ذلك، ووفقًا لرأيي فإن المساهمة الأكثر حسماً للفلسفة ستكون التعامل مع الوضع النظري الغامض للغاية لهذه التشخيصات لوضعنا المعاصر، والعجز الهيرمينوطيقي (علم التأويل) الخطير للعبارات التي تزعم الموضوعية؛ وعلى وجه الدقة، لتحديد الطابع الإبستيمولوجي (المعرفي) التفسيري المحدد لهذه المحاولات لتسمية الحاضر وتحديده، بالإضافة إلى مؤشراتها الأنطولوجية (الوجودية) من حيث التدخلات في واقع ناشئ.

مفاهيم المابعد

ظهرت شبكة مفاهيم المابعد على المشهد الفكري ابتداءً من العقود الأخيرة من القرن العشرين، مما تسبب في صراعات دائمة بشأن الوضع المعياري للحداثة في مجموعة متنوعة من المجالات مع التركيز على مناقشات ما بعد الحداثة. وهكذا، عندما لم يعد من الممكن تصور الحداثة على أنها أوضاع غير معقدة، فقد أثيرت أسئلة حول إلى أي مدى ينبغي الاعتراف بالحداثة كمشروع إشكالي أو غير منجز أو حتى أكثر خطورة ومشروع لم ينجح تماما. إنها أوضاع مثيرة للجدل في حد ذاتها بالفعل، فازداد التعقيد المتأصل لمفاهيم مثل التقليد والحداثة وما بعد الحداثة إذا تم جمعها معًا. والحقيقة التي لابد أن تؤخذ في الاعتبار هي أن الحداثة نفسها واحدة من أهم تقاليدنا اليوم. نظرًا لانخراطنا في العالم والطابع الانتقائي الحتمي لطرقنا في التعامل مع الواقع والماضي، فنحن دائمًا جزء من التقاليد، وسوف يكون هناك دائمًا نوعًا من  القانون أوالشريعة التي تحكم اهتماماتنا وتفضيلاتنا الفكرية.

ومع ذلك، فإن إحدى النتائج المهمة للخلافات حول ما بعد الحداثة هي إحداث حالة من النقد الذاتي داخل الحداثة نفسها، والتي يُنظر إليها أيضًا على أنها نوع من المواجهة الذاتية وفقًا لـ "العصر الثاني للحداثة".[2] يكشف الاعتراف بأن العرب والأقليات التي معهم والعبيد في أمريكا ربما كانوا أول البشر الذين عانوا ما من الجانب مظلم من الحداثة، أجندة خفية من العنصرية، مركزية أوروبا مركزية الولايات المتحدة، وكذلك البربرية المتأصلة وهو ما يبدو أنها تسكن في لا وعي كل حضارة.[3] إن من الحقائق المعروفة أن ملكًا أو إمبراطورًا في أوائل القرن العشرين كان يتمتع بمستوى معيشة مماثل مع أي رجل عادي من بلد متقدم في نهاية القرن نفسه - ومع ذلك ، قُتل خلال هذا القرن عدد أكبر من الناس مقارنة بالتاريخ السابق بأكمله.[4] كانت تناقضات القرن العشرين وعقدي الواحد والعشرين - التي زادت أيضًا من خلال مراعاة التجارب المتناقضة والتقدم الاستثنائي للديمقراطية وحقوق الإنسان - متوقعة من نواح كثيرة من قبل نيتشه، الفيلسوف الذي مات على عتبة القرن العشرين، حيث حدد الكثير من أجندة فلسفة ما بعد الحداثة.

ومع ذلك، ظهرت كلمة "ما بعد الحداثة" في بعض الأحيان باعتبارها كلمة طنانة ورطانة تعني أي شيء وتشير إلى كل شيء، وبالتالي لا تعني شيئًا. لقد جعل هذا الأمر مناسبًا للسؤال عما إذا كانت ما بعد الحداثة مجرد نوع جديد من المثالية المتعالية أو عودة شبح هيجل الذي يطارد توجهنا في التاريخ مرة أخرى. لكن لابد أن تُفهم الأفكار الفلسفية التي غالبًا ما يتم تقديمها تحت عنوان ما بعد الحداثة في ارتباطها ببعض التغييرات الهامة والتي تغيًر أو تحول عالمنا بطرق عميقة بالفعل. وتشمل هذه التحولات الجيوسياسية الدراماتيكية، التي تحول نظامًا عالميًا سابقًا لمركزية أوروبية وهيمنة أمريكية لاحقة إلى نظام عالمي ثلاثي الأقطاب ناشئًا بسبب صعود القوى العظمى في شرق آسيا.

لا يُنظر إلى اللغة أبدًا على أنها أداة بريئة ونقية، وبالتالي فإن القول: تم التعبير الفلسفة الحديثة بشكل أساس بثلاث لغات من أصل أوروبي - الإنجليزية والألمانية والفرنسية- قد يكون له تأثير هائل سيئ على تفكيرنا الفلسفي. بالتأكيد، أن أوضاع الفلسفة السائدة في الفكر العربي هي علامة تحثنا بجدية على "إعادة التفكير في الفلسفة" بطرق أساسية. وفي هذه الحالة، تُجبر الفلسفة، إلى جانب التخصصات الأخرى ايضًا، على مواجهة ومراجعة الخصوصية الفعلية للعديد من أدعاءات العالمية. لا يكمن الحل في محو هذه التقاليد، كما لو كانت محاولة بدء التفكير الفلسفي من الصفر دون أي شروط مسبقة، ولا تطوير هذا النوع من الفلسفة المتناقضة مع الذات، والتي تتجلى في مواقف فلسفية مثل "المركزية الأوروبية ضد المركزية الأوروبية". [5]

جدول الأعمال تحدده العولمة

بعد المناقشات العنيفة واللغط الكثير حول الحداثة وما بعد الحداثة في الفلسفة- وصعود ما بعد البنيوية بالإضافة إلى فلسفة ما بعد التحليلية على أعتاب الألفية - انخفض عدد "مفاهيم المابعد" كما انخفضت الطاقة الفكرية في الجدل والخلافات المتعلقة بالحداثة. تغير جدول الأعمال بشكل كبير بعد ذلك. وظهر مفهوم جديد، يتحدى الفلسفة للتعامل مع الحقائق الجديدة – أنه العولمة.

لا يبدو أن تعريف العولمة بعبارات غامضة تشير إلى الترابط العام في جميع أنحاء العالم كافٍ. فأفهم العولمة بدلاً من ذلك، وفقًا لمانويل كاستيلس، كشيء أكثر تحديدًا يشير إلى التأثيرات التآزرية والطاردة لمركزية اقتصاد عالمي غير منظم مع ميزات متزايدة عابرة للحدود الوطنية وصعود أنظمة معلومات شبكية جديدة متقاربة رقمياً تعمل في في الزمن الفعلي. بدأ يتم تنظيم الأنشطة المهيمنة في عالمنا حول شبكات مدعومة بتقنية المعلومات على نحو متزايد، وعلى مدى العقود الماضية، بدأنا نشهد للمرة الأولى في تاريخ البشرية، تزامنًا عالميًا وسوقًا يعمل في الوقت نفسه فعليًا، مع كل عواقبه غير المتوقعة.[6]

لقد أدت العولمة إلى نمو اقتصادي لا يضاهى وزيادة مستويات الصحة في العالم - ولكنها في الوقت نفسه أنتجت نموًا هائلاً في عدم المساواة بين الدول والأفراد. ونظرًا لكون التطور أحادي الجانب، حيث تكون الأبعاد التكنولوجية والاقتصادية لعملية العولمة متطورة جدًا عند مقارنتها بالبنى التحتية الاجتماعية والثقافية والسياسية الضعيفة، فإن خطر حدوث صدمات ثقافية كبير جدا. بالتأكيد ، نحن بحاجة إلى تذكير أن هناك العديد من الروايات المختلفة والمتباينة حول العولمة ، والتي تولد تدريجياً صدام العولمة.

تحدد عملية التحول هذه اليوم أيضًا قدرًا كبيرًا من الأجندة الفلسفية الحالية. فنحتاج إلى أن نسأل أنفسنا بجدية، ليس فقط ما تعنيه العولمة للفلسفة، ولكن ما هو نوع المساهمة التي تقدمها الفلسفة استجابة للتحديات التي تطرحها عملية العولمة. علاوة على ذلك، يبدو قد تم التوصل إلى إجماع في السياسة العالمية حول أنسب استراتيجية للتعامل بنجاح مع تحديات العولمة ، الأً وهي التركيز القوي على التنافسية العالمية ودعم التحول السريع إلى اقتصاد قائم على المعرفة. وفقًا لذلك، يتم تحديد المعرفة، في مجتمع المعلومات الذي حل محل الصناعة، بشكل متزايد كعامل رئيسيمع توقعات طوباوية؛ ومن ثم فقد تم تصميمها على أنها المحرك الذي يعمل على توفير الطاقة الاقتصادية. عند إعادة قراءة "كلاسيكيات ما بعد الحداثة" في هذا السياق، مثل " وضع مابعد الحداثة"[7] لجان فرانسوا ليوتارد لابد أن نعترف ببصيرته الثاقبة في تاكيده على الأهمية الاستراتيجية للمعرفة في اقتصاد المعرفة الناشئ. يمكن تمييز ثلاثة جوانب مهيمنة في هذه الرأسمالية المعرفية الجديدة، التي تم تشكيلها وفقًا لفضيلة ما يُعرف بنظام المؤسسات المرن، وهي: الكفاءة (التعلم مدى الحياة كسيناريو حياة جديد) والأدلة (التركيز الجديد على القياس والكفاءة والمحاسبة) والابتكار (الصناعات الإبداعية). ومع ذلك، تخاطر الفضيلة السائدة للمرونة، في هذه الخطابات الجديدة المتعلقة بالمعرفة بتدمير المتطلبات الثقافية المسبقة لخطاب فلسفي نابض بالحياة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو هذا النمط الجديد السائد والمرن لتنظيم المعرفة كافياً على الإطلاق لدعم تنمية المعنى والهوية. وبالتالي، من أجل مقاومة تطور إنسان مرن - إنسان بلا ذاكرة وقناعة ومسؤولية - نلجأ إلى المصادر الفكرية التي توفرها الهيرمينوطيقا (علم التأويل). وهذا سيكون الجزء الثاني من الدراسة.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

...................................

[1] فالرشتاين،إيمانويل، نهاية العالم كما نعرفه، ترجمة فايز الصًياغ، هيئة البحرين للثقافة والاثار، المنامة، 2017.

[2] Ulrich Beck, Power and counter power in the global age (Frankfurt: Suhrkamp, 2002).

[3] Cornel West, The American Evasion of Philosophy. A Genealogy of Pragmatism (Madison, WI: The University of Wisconsin Press, 1989);

Beyond Eurocentrism and Multiculturalism, I-II (Monroe, ME: Common Courage Press,1993).

[4] Eric Hobsbawm, Globalisation, Democracy and Terrorism (London: Abacus, 2007), p. 15

[5] فالرشتاين،إيمانويل، نهاية العالم كما نعرفه

[6] Manuel Castells, The lnfonnationAge I-Ill(Oxford: Basil Blackwell,1998).

[7] Jean-François Lyotard, La condition postmodern. Report on Knowledge (Paris: Midnight, 1979).

 

 

أي الأسبق في النفس: الإلحاد أم الإيمان؟

التفاصيل
كتب بواسطة: د. ريكان ابراهيم

ريكان ابراهيمفي علم النفس الديني (2)

إن الخوف هو المفردة الأولى من مفردات السلوك البشري الذي يواجه به الإنسان الكينونة من حولهِ. وأكبر الخوف هو الخوف من المجهول. ولا يستقر الخائف إلا بظهور مفردة أو مفردتين مع بعضهما ونعني بهما: إكتشاف مصدر الخوف، ووجود المطمئن من هذا الخوف.

فمعرفة مصدر الخوف تٌحدده فتَحِده فَتٌحجمٌ شأنه فيصغر فيقوى عليه الخائف. كما أن معرفة المطمئن من الخوف تقود إلى إكتشاف السند الذي يلجأ إليه الخائف فيوكل إليه آلية التخلص من هذا الخوف

يقودنا هذا الإستدراج الذهني إلى إمكان القول أن الإنسان كائن مٌنتم بالفطرة إلى الأقوى منه، ليس بحكم حٌبِ الإنتماء، إنما بحكم ضرورة الولاء لمصلحته الذاتية، التي يراها تتحقق بموالاة الأقوى.

إنَ الظاهرات الطبيعية (مصادر التخويف) التي واجهها الإنسان تشمل ما يأتي من السماء وما ينشأ من الأرض، كالرعد والبرق والإعصار مثالاً على النوع الأول، وكالزلزال والفيضان والوباء المرضي مثالاً على النوع الثاني.

وأمام هذين المصدرين للخوف (السماء والأرض) يبرز مصدر آخر لخوف الإنسان ونعني به: خوف الإنسان من نفسه. فالنفس البشرية هي (مخيف) يتهدَد الإنسان منذ اليوم الأول لولادته وحتى موتِه.

وحينما كان الإنسان جاهلاً بمصدر القوة التي تقف وراء هذه الظاهرات المٌحدثة (ما يأتي من السماء وما ينشأ من الأرض وما يعتمل في النفس)، فإنه كان يلجأ إلى عبادة الظاهرة بدلاً من عبادة مٌحدِثُها. فهو لا يعرف مصدر البرق والرعد فيعبدهما لشرِهما (العبادة الخائفة)، وهو لا يعرف لماذا يغيب المطر فيعبد الغيمة زلفى لجودها به، وسرى هذا النوع من العبادة على الزلزال والإعصار والبركان وكذلك على الطاعون وفيضان النهر.

هذا هو الإنسان المنتمي إلى مزيلات خوفه بالتعامل الحسي الفاقد لأية قدرة على التعامل اللاحسي. فما لا يُدركه لا يؤمن به، وما يُشاهده أو يسمعه يتوقاه بالتقرب إليه مباشرة أو بغير مباشرة.

***

وتدرج الإنسان الأول في البحث عن القوة (وليس عن ناتجها وهو الظاهرة) بعد أن فقدَ الرجاء في معاونة الظاهرة له على تجاوز خوفهِ. ومن هنا نشأَ تعددُ الآلهة. ووزَع وعي الإنسان القديم الآلهة توزيعاً وظيفياً فإلهٌ للنار وإلهٌ للموت وإلهٌ للحُب وإلهٌ للحياة....إلخ

إن قصور الذهن البشري عن إدراك وجود إله واحدٍ قادرٍ على إدارة كل هذه الظاهرات الكونية هو الذي قاد الإنسان إلى تَعدد الآلهة. إن عملية الإلحاد عمليةٌ أسهل من الإيمان والتوحيد ذلك لأن الإلحاد لا يحتاج إلى إعمال التفكير والتدبر والمقارنة بين السبب والنتيجة وبين العلِة والمعلول على عكس ما يكون عليه الإيمان الذي يعتمد على الفكر الإستنباطي (Abstractive Thinking)، وهو أعلى درجات التفكير. لقد أفرز التاريخ البشري أُناساً عظماء في الفكر ومبدعين في الإنتاج الثقافي ولكنهم كانوا ملحدين. والسبب في ذلك أنهم كانوا من عُشاق التعامل الحسي مع الظواهر (الظاهرات).

وبالحس المباشر لا يمكن إدراك ما هو فوق الحس. إن الإيمان بالله الواحد له معايير (Criteria) مثلما لكل ظاهرة أخرى على الرغم من تفرِد هذه الظاهرة بمعايير ها الخاصة والتي تشمل:

1- إنتفاء الزمان والمكان في تحديد مفهوم كلمات (الأزل) و(الأبد).

2- التحقق الكامل لكلمة (المُطلق) في الذات الإلهية يقابلها التحقق الكامل لكلمة (الجزئي) في ذوات أُخرى.

3- إختفاء الكلمات الوصفية وعجز اللغة عن وضع صورة نهائية للخالق.

4- الإعتراف بأنَ المُغيب لا يعني عدم وجودهِ بل يعني أيضاً قصور وسائل إدراكه عن مهمتها.

5- لا يملك سؤال "الله هو الخالق لكن من خَلقَه؟" قدرةَ على إيجاد جواب له، لأنَ هذا السؤال يصلح لمخلوقات مُدركة بالحس ومسألة الله فوق الحس ولا تكفي اللغة أن تحير جواباً لمثل هذا التساؤل.

6- العِلم الحقيقي هو الذي يُخبرك عما عَلِمهُ عن الشيء ولا يتبجَح بإنكاره ما لا يعرف وعدم معرفة الناس بالله لا يعني عدم وجودِه.

***

إن تقدُم الإنسان في إكتشاف الكثير من أسباب حدوث الظاهرات التي كانت تُخيفه ولا يملك تعليلاً أو تفسيراً لم ينتصر على إستمرار خوفه، وذلك بسبب عدم قدرته على إستخدام هذا الإكتشاف في منع تكرر هذه الظاهرة أو تلك. مثالاً على ذلك: في الإتحاد السوفيتي السابق حصل تقدمٌ كبير في الإستنباء بالزلازل في الأرض السوفيتية بإستخدام القدرات الفائقة لبعض الحيوانات (الديكة والأفعى والجرذان) للكشف المبكر عن الزلزال القادم قبل وقوعه وأفاد الباحثون كثيراً لكنَ الخوف لم يكن ليزول لأنَ المهم ليس إكتشاف الزلزال إنما المهم هو الإجابة عن السؤال الأكبر وهو لماذا يحدث الزلزال وفي هذا الوقت وفي هذه المنطقة دون غيرها ليموت هؤلاء الناس ولا يموت غيرهم. وظل الحال في هذا المثال قائِما ليُميز الباحثين الذين اضطروا أخيراً إلى فهم الأمر على أنه تدبير فوقي من قوة أكبر من المُدرك الإنساني. وأمام هذا الإعتراف (سَمه الإستسلام) نشأ الإيمان بالقوة الأكبر وهي الله.

***

بين منزلة الإلحاد ومنزلة الأيمان تقوم عند الإنسان مرحلة أو منزلة اسمها (اللاأدرية). وتنشأ هذه المنزلة من التفكير حين لا تكفي هذا الإنسان أدوات الإلحاد كما لا تكفيهِ أدوات الإيمان. فيظل يجاهد ويجتهد إلى أن يجهد فيؤول أمره إلى إستراحة عقلية من تعبه في هذه المساجلة فيفوض حالته إلى تجاهل السؤال الباحث ويقف عند اللاأدرية.

وحينما تطول لديه هذه المرحلة أو المنزلة ينشأ عنده مبدأ الإيمان بالصُدفة. والصُدفة التي يُعبر عنها في اللغة الإنجليزية ب "By chance" وبكلمات أدَق من هذه الكلمة مثل "Co-incidence" أو "Accidental". هذه الصٌدفة في التعبير الأكثر عَجزاً عن الإتيان بأية حالة إرضاء للسؤال.

فلا يمكن أن تشرح الصُدفة هذا الإتسَاق المزمن في الفسلجة والكيمياء الحيَة في الكائن الحيَ كما لا يمكن أن أن تضع شرحاً لهارمونية الكون. إن الناموس الذي يحكم الكينونة يُحيِد "دور الصدفة". وأمام (اللاأدرية) يعود الإنسان إلى دائرة القلق، فيغادرها إما إلى الإلحاد والإنكار أو إلى الإيمان. إن الإيمان الناشيء من عدم القدرة على الإلحاد خوفاً أو رهبة هو أضعف الإيمان لأنه يُمثل الموالاة ولا يٌمثل الإنتماء.

***

إنَ عظمة الإله المُطلقة التي لا يَحدُها وصف ولا ترسمها كلمات حَدت بكثيرين إلى الإلحاد بهذا الإله وقد يستغرب القارىء ذلك. ولكي نزيل عن القارىء إستغرابه نذكرِه بأنَ قصور مخيلته "his Imagination" عن التعامل مع المُطلق هو السبب في إنحسار قدرته على الإيمان. إنك لا تستطيع أن تتعامل مع كلمة " إله" على أنها تعني رئيساً لمرؤوسين أو قائداً لمقادين، أو مديراً يجلس في مكتبه في ساعات الدوام محدودة مٌقررة ليصدر أوامره إلى هذا أو ذاك. هذا لا يجوز وبمثله لا يمكن أن تدرك عظمة الله.

إن المُلحد في حيرة دائمة، حتى في محاولة فهمه للنص. فالله قد خلق الأرض والسماوات في ستة أيام ثم إستوى على العرش. يسأل هذا الملحد : لماذا لم يستخدم الله قدرته القائلة بمبدأ "كن فيكون" في خلق السماوات والأرض فلا يحتاج إلى ستة أيام؟ ثم يسأل: ما المقصود باليوم الواحد من هذه الستة، هل هي أيامنا المُقسمة على أربع وعشرين ساعة أم هي أيام أخرى لا نعرفها؟ ثم يسأل: لماذا إستوى على العرش، هل العرش مكتب للقيادة أم له مفهوم آخر؟ هذه هي الأسئلة التي تجعل الملحد في حيرة دائمة كما أسلفنا. إن حيرته تنشأ من محاولتهِ معرفة كل شي بإدراك حسي ناسياً أنه لو إستطاع إدراك كل شيء بقدراته الحسية لأتى على نهاية للإله وللكون الذي خلقه جاهلاً بأن لله الخالق حكمةً لا تُدرك بل يمكن إدراك جزء منها يظل صغيراً مهما تعاظم.

***

يُثار في علم النفس الديني سؤال يتكرر: لماذا يلجأ الإنسان إلى الإلحاد عندما يعجز عن تحقيق حالة الإيمان بالله؟ بمعنى آخر: هل الإلحاد هو النقيض الدقيق في المعنى للإيمان؟. نحاول أن نتدبر الآن الإجابة فنقول: هل يستطيع تلميذ الرياضيات أن يقول عن مسألة حسابية يعجز عن حلَها بكل محاولاته إنها غير موجودة إنطلاقاً من عجزه عن حلِها؟

إن قال ذلك فإنه يكون قد "ألحدها" أي ألحدَ بها، وهذا ما يخالف المنطق في مجال الفلسفة الطبيعية " القانون الطبيعي". معنى هذا أن الإلحاد لا يناظر الإيمان معنىَ أو مبنى. فإنك لم تكن مؤمناً فلا يعني أنك ملحد بالضرورة. إن المُلحد مؤمن مؤجل يزول إلحادُه في أية لحظه.

***

لقد عرف علم النفس خمساً من الحواس بخمسةٍ من أعضاء الحس ولكنَ هناك حاسةٌ تفوق هذه الخَمس إسمها "الحاسة السادسة"، وقد سُميت كذلك إختصاراً لأنها تشمل أكثر من حس أو إحساس، فيصحُ هنا أن نسميها "الحواس السوادس" أو " حواس ما بعد الخمس". وفي هذه الحاسة يختلف الناس فينشأ من هذا الإختلاف تفاوت الناس في " الإلهام" و "الإستنباط" و " الإستنتاج" و "الحدَس" و " الإستنباء" و" الإبداع".

إن تفاوت الناس في الحواس الخمس لا يحمل أو يملك تأثيراً فيهم مثلما يملكه تفاوتهم في الحاسة السادسة. فهناك عُميانٌ فاقوا المبصرين قدرةً على الإبداع. إن الحاسة السادسة هي ناتج صراع الإنسان مع متحدياته من الغوامض.

وأولُ الغوامض هو " السِرُ" أو " المخفي". وأعلى سرِ هو الله. فعلى الرغم من اعتمادنا في إدراكه على آثاره في خَلقه، يظل سرَاً أكبر في كيفية إختلاف هذه الآثار تكويناً وتلويناً وظهوراً وزوالاً.

إن الفص غير المُهيمن من الدماغ " وهو الفص الأيمن عند أغلب الناس" هو مركز الإلهام كما دلَت على ذلك دراسات كثيرة. إن الفص مكفوف عن عمله بحكم هيمنة الفص الآخر الذي يختص بالحساب والعقلنة والإدراك المباشر والتعامل اليومي مع الجوع والعطش والجنس والنوم.

وقد قَدر بعضهم أن ما يظهر لدينا من قدرة هذا الفص المكفوف لا يتجاوز 10% . فلو أطلق العنان له لأظهر الإنسانُ الفائقَ من خياله. وهذا ما يقودنا إلى القول بأنه من الممكن كثيراً أن يكون هذا الفص هو المسؤول عن مفردات الإلهام والحدس والإستنباء والتخيل.

إن المُبدعين من الشعراء والرسامين والموسوعيين والنحاتين هم الذين يمكلون نسبةً من إنطلاق فصوص أدمغتهم المكفوفة تفوق غيرهم من العقلانيين. معنى هذا في ضمن معانٍ أخرى أن الفص المهيمن مسؤول عن العيش وأن الفص المُتخيِل مسؤول عن الحياة. وخير طريق إلى الإيمان بالله هو طريق الفص المسؤول عن الحياة لا عن العيش. فلأنَ الحيوانات البهائم تعيش، لا تحتاج إلى الإيمان، ولأنَ الإنسان يحيا فهو يحتاج إلى الايمان بالله.

***

بعد أن تحدثنا هنا عن عوامل الخوف وعلاقته بالإيمان، نَود الحديث عن عامل آخر في تحديد أسبقية الظهور للإيمان أو الإلحاد في حياة الإنسان. ونعني به عامل العُمر.

إن نسبة من بدأوا حياتهم ملحدين وآلو في خاتمتها إلى الإيمان تفوق نسبة من بدأوا حياتهم موحدين مؤمنين ثم آلو في خاتمتها إلى الإلحاد. هل لتقدم الإنسان في العُمر أثرٌ في هذه الظاهرة؟

إن التقدم في العُمر " Aging process" يخضع لمفهومين: مفهوم النضج "Growth" ومفهوم النمو "Development". فقد ينضج دماغ الإنسان حجمَاً وتكويناً تشريحياً وأداءً يومياً ولكنه لا ينمو حيث يُمثل النضج إرتقاءاً كمياً. ويُمثل النمو إرتقاءاً وظيفياً. إن ممارسة الدماغ الإنساني لعملية النضج يعتمد على عوامل واضحة كالتغذية الصحيحة والسلامة من الأمراض العضوية والأمراض النفسية، بينما تعتمد عملية النمو على طريقة التعلُم والتحدي الإجتماعي وقراءة المعارف والحوار والنقاش.

وكُلما إزداد النمو أو إنتظم تنبه الإنسان على مسألة الإيمان والإلحاد، حتى يؤول في آخر مطافه إلى الإيمان بعد أن تهدأ فيه اللجاجة والصخب والإستعراض والتقريرية والخطابية وبعد أن يرتطم بصخرة التحدي التي رسمتها أو أوجدتها أمامه كفُ القادر الذي لا يٌقَدر عليه. إذن لماذا لم يُؤمن بالله عُلماء باهرون في علمهم ونظرياتهم وظلوا ملحدين إلى أن ماتوا؟ السبب في ذلك في ضمن أسباب كثيرة هو أنهم إنشغلوا ب " المُظهر" حيث تعاملوا مع السرِ في الشيء ذاته.

يضاف إلى ذلك أن إستمرارهم في الإلحاد كان نتيجة عدم قرائتهم للنص الديني الذي أثبتت التجارب أنه قادرٌ على لفت إنتباه أرقى العلماء مقاماً عقلياً إلى الحقائق كانت خافيةٌ عليهم. ومثالٌ على ذلك ما حدث للكثير منهم حين قارنَ ما وصل إليه من إكتشاف بما كان القرآن أشار إليه سابقاً، فآمن بالنص مروراً بالنبي إنتهاءً بالمرسل الأعلى: الله.

يعني هذا أن العقل مهما تعاظم فإنه ليس نائباً عن النص الديني في ظاهرةٍ من الظاهرات بل هو مطابقٌ له في أحسن حالاتِه.

***

لقد عالج علم النفس الديني في بعض الدراسات المتأخرة زمناً في الظهور مسألة الإشراك بالله، فوضع مرحلة " الشرك" في الوعي الإنساني في منطقة وسط بين الإلحاد والإيمان و إعتبرها خطوة تتدرج بهذا الوعي صعوداً إلى مرتبة الإيمان أو التوحيد. إنَ الدين يَعدُها في منزلة الإلحاد لأن الله لا يغفر أن يُشرك به ولكننا هنا ندرس هذه الظاهرة في منظور نفسي.

إن المُشرك بالإله يختلف عن الملحد أو الكافر. والمُشرك يؤمن بوجود الله كما حدث هذا لعرب ما قبل الإسلام في جزيرة العرب، لكن إيمانه ناقص منقوص لأنه لم يستخدم صيغة المُطلق المتنزه عن الوصف في خِطابه مع خالقه. إنَ هذا التجزيء لمفهوم الإيمان بوضعه على مراحل يُوضح لنا حاجة وعي المشرك إلى فهم الصورة الكلية لله.

ولو فحصنا إدراك المشرك وأثر هذا الإدراك في تكوين شخصيته لوجدنا الآتي:

1- شخصية المُشرك تفتقر إلى الإلهام ومن ثَمَ فهي تعتمد على الآخر في تحقيق أمانيها ورجائها (شخصية اعتمادية تستعين بالملموس من الأشياء في الوصول إلى القوة الأعلى المُهيمنة).

2- شخصية عانت من سطوة الأب في طفولتها فكانت تستعين في قضاء مطلوبها منه بالأم كمرحلة وصول إلى عطف الأب.

3- شخصية تتمتع بإدراك ساذج تتعامل مع المعلومة تعاملاً مباشراً (الكرة مقعرة لأن في داخلها ومُحدبة لأنها في خارجها لكنها ليست مقعرة ومحدبة في آن نظراً لإفتقار تلك الشخصية إلى الإدراك الكُلي (Global Perception).

4- شخصية تعتمد آلية الدفاع اسمُها (Displacement) أي الإزاحة، ومعناها أنها تُسقط إعتقادها وتُزيحه إلى أقرب محطة ممكنة كالإعتقاد بوساطة الحجر أو الأفعى أو البقرة أو العنقاء أو النجوم في الوصول إلى الغاية القصوى.

5- شخصية مضطربة المزاج سرعان ما تثورُ على القوة الأعلى (الإله) بتحطيم وسائل الرجاء (قبائل تصنع وسيلة الوصول إلى الله من التمر وتأكله عندما تجوع).

6- لا تتزامن هذه السذاجة في التفكير العاطفي، الوجداني ذي البعد الواحد مع التفكير العقلي لدى هذه الشخصية. فقد تجد رجلاً أو رجالاً في مجتمع مُعيَن أو تجد مجتمعاً كاملاً يُحققُ أداءً عقلياً باهراً في العلوم والآداب والفنون لكنه يمارس طريقة بدائية في تعامله مع المُعتقد بالههِ.

(في الأديان غير السماوية نجد رواداً في النظرية الأخلاقية والإبتكار العلمي لكنهم يمارسون طقوساً تافهةً لا توحي بأي إرتقاء في التعامل مع التوحيد).

ومن مُجمل ما أوردناه عن شخصية المُشرك من سمات نخلُصُ إلى ذكر الأعراض المرضية الآتية في تلك الشخصية:

1- العُزلة: كثيراً ما ينحسر هؤلاء الوسطيون الإرجائيون في مناخ مكاني وزماني خاصينِ بهم لأنهم لا يملكون ما يدافعون به علمياً عن سذاجة تَصورهم. فلكي لا يُحرَج أمام البرهان العلمي يميل هذا المُشرك إلى العزلة الإجتماعية (Social Isolation).

2- الضلالة الحسية (Illusions): إن المُشرك يرى في الحجر وما يُصنع منه من أصنام أو في الأفعى وما تنفئه من سم قاتل أو في وميض النجمة في الليل مالا يراه غيره حيث يعاني من فقدان الواقع في تعامله مع الأشياء.

3- الهلاوس (Hallucinations): فصوت الرعد هو صوت الحوار الدائر بين الوسيط والرب، والمطر هو إستجابة باكية من الغيم لسوط الإله الضارب له بقوة؛ والأفعى هي المسيطرة الأولى على النزوع البشري في شجرة الإغراء وتملكها إستمرار سيطرة الإنسان في لاحق أجيالهِ وسلالته على الأرض، وبذلك فلكل هذه الوسائط مذاقات خاصة في الصوت والمظهر والمذاق والشم واللمس.

4- الأفكار الواهمة (Delusions): وأجلى ما تتمثل به الوسيطية (الشرك) عنا هو إعتقادات بكرامات كثير من الأشياء والأشخاص، فيصبح الكاهن أو المشعوذ أو الساحر وسطاء وهميين بين الفرد والإله. وكثيراً ما يستشري الوهم بصاحبه فيتوهم نفسه وسيطاً خصوصاً عندما يبلغ درجة التفوق الذاتي الواهم (Manic Thinking).

***

من جملة ما أوردناه من سماتٍ يتَسم بها المشرك نصل إلى حقيقة واحدة تقول ببدائية فكر المُشرك بالأله الواحد (التفكير الإبتدائي، Primitive thinking). ولأجل أن نجعل القارىء واضحاً معنا ومع نفسه، نودُ أن نضع أمامه مقارنة بين ما يُسمى بالتفكير الإبتدائي (Primitive thinking) وما يسمى بالتفكير الناضج (Mature thinking) على النحو الآتي:

التفكير البدائي

1- قديم وأغل في القدم يمتد إلى أغوار التاريخ الإنساني

2- يعتمد في محتواه على الميثولوجيا (الخرافة والأسطورة) والتابو والطوطم

3- يعتمد البعد الواحد (البعد الزماني أو المكاني أو الشخصي)

4- يعتمد فكرة المُقدس المُحرم التي تمنع المساس بالمجهول حذراً منه.

5- يحاول أن يجعل الظاهرة الطبيعية قاهرة للإنسان.

6- يميل إلى جعل المجتمع مُثقلاً بالمزيد من الأعراف والنواميس التي تُقيد تفكيره.

التفكير الناضج

1- حديث مبتكر يعتمد على أحدث ما وصل إليه العقل البشري من إنجاز

2- لا يعتمد على الميثولوجيا وإنما ينظر إليها على أنها أوليات فكرية ظهرت كآليات دفاع ضد مجهول مخيف

3- يعتمد الأبعاد الثلاثة لأية قضية (الطول والعرض والعمق) ويضيف إليها البعد الرابع (الزمن)

4- يعتمد التفكير المفتوح الذي لا يضع نهاية لأي سؤال بأي جواب مُغلق.

5- يُحرض الإنسان بأن يجعله قاهراً للظاهرة الطبيعية.

6- يميل إلى تحرير المجتمع والإنسان من ربقة المزيد من الأعراف والنواميس ويحاول إطلاق الفكر من قيوده.

***

من الجدول الذي قرأناه الآن معاً، نجد أن سمات التفكير الإبتدائي تنطبق بكاملها على خارطة تفكير المشرك فيما ينطبق التفكير الناضج بكامل سماته على خارطة تفكير الموحد أو المؤمن. نحاول الآن أن نذكر شيئاً عن أثر الإختلاف الجنسي في الإنحياز إلى الإلحاد أو الإيمان.

نقصد بالإختلاف الجنسي حالة الإنسان بين الذكورة والأنوثة (الرجل والمرأة). إن الدراسات الكثيرة التي قرأناها تُشير إلى أن المرأة أكثر ميلاً إلى الإيمان من الرجل، ولكنها تتعامل مع إيمانها بطريقة تختلف عن الرجل في تعامله مع إلحاده.

هناك أسباب كثيرة تقف وراء هذه القضية. إنه من النادر أن تجد المرأة ميالةً إلى مناقشة الإلحاد والإيمان لأنها تميل دائماً (إلا في القليل) إلى الأخذ بالمسلَمات. إن قضية الإلحاد قضية عقلية والمرأة تضجر من الحوار العقلي وتُفضل عليه برودة الحوار العاطفي أو الوجداني.

وفي الوقت الذي غادر فيه الرجل مرحلة الإعتقاد بالميثولوجيا ما زال الكثير من النساء يؤمن بقوتها حتى في صناعة التفكير أو توجيهه. فالمرأة قدرية لا تجادل في المُغلق الشائك من النص وتقنع بأبسط الأجوبة لأصعب الأسئلة.

هذا لا يعني أن المرأة تفكر تفكيراً إبتدائياً لكنها كائن يُرجىء الكثير من المشكلات إلى عامل الزمن الكفيل بحلِها. والمرأة لا تميل إلى التحدي الفكري. كما أن المرأة يُغريها الإقناع، فإذا توفر لها رجل مُلحد يملك قوة الخطاب فإنه كفيل بإقناعها أو قل بإلباسها قناع الموافقة.

إن أقوى إيمان بالله هو الإيمان قبل المعرفة لأننا جميعاً آمنا بالله قبل أن نعرفه وهذا ما يُحسب للمرأة ولصالحها على حساب صفحة الرجل فهي تُؤمن قبل المعرفة حتى إذا برزت الأخيرة زادتها إيماناً.

ولدينا دراسة قام بها صاحب هذا الكتاب وجدت أن الكتب الدينية التي تقتنيها المرأة هي الكتب المطمئنة المليئة بالدعاء والتسبيح ورجاء الطالع الحسن، فيما يميل الرجل إلى إقتناء الكتب الدينية التي تُثير الكثير من الأسئلة القلقة الباحثة عن أجوبة تبدو أحياناً مستحيلة. والبنت المولودة لأب مُلحدٍ وأم مُوحدة تنحاز كثيراً إلى أُمها ولا تنسى أباها من الدعاء له بالعودة إلى الإيمان، على عكس الإبن الذي كثيراً يُجاري أباه.

 

د. ريكان إبراهيم

 

 

علاقة المنطق بالنحو في الفكر اليوناني

التفاصيل
كتب بواسطة: د. محمود محمد علي

محمود محمد عليتعد قضية العلاقة بين المنطق والنحو من أدق موضوعات فلسفة اللغة وأصعبها تناولا، ويهتم بها المناطقة، والفلاسفة، والنحاة منذ أقدم العصور، بل من قبل أن يصيغ أرسطو المنطق، ويضع قواعده، فلقد نشأ المنطق مرتبطا بالجدل، الفكري والنحوي الذي ساد القرن الخامس وشطرًا من القرن الرابع قبل الميلاد عند كل من المدرسة الأيلية وجماعة السفسطائيين، إذ اهتموا بالجدل، وبقوة الكلمة، عن قوة الفكر، وبفن الإقناع الذي هو بعينه فن التفكير، وكان بحثهم في اللغة بحثا منطقيا .

والعلاقة بين المنطق والنحو علاقة قديمة وحميمة، إذ يلتقيان في مصطلحيهما، وفي غايتهما. فالنحو آلة يعرف بها صواب تراكيب ألفاظ اللغة ومعانيها من خطئها، والمنطق آلة يعرف به صحة المعني وتصديقه من خطئه. وكل منهما يعتمد طرق الاستقراء والاستنباط. غير أنهما لا يتطابقان تماما، فالمنطق يستند إلى الأدلة العقلية،مفترضا وحدتها وشمولها، والنحو يستند إلي معطيات اللغة الوصفية معترفا بأن قواعدها قابلة للاستثناء والتخصيص .

ومن جهة أخرى فإن العلاقة بين النحو والمنطق تعد من الموضوعات العريقة التي تناولها العلماءُ منذ زمن بعيد، إذ لا نجد من العلماءِ القدامي أحدًا ضرب سَهمًا في مجال اللغة، أو البلاغة، أو النقد، إلا والعلاقة بين النحو والمنطق، كانت إحدى أغراضه ومراميه. ولذلك فإنه إذا ما درسنا هذه العلاقة من منظار تاريخي نصل إلي أن لفلاسفة اليونان نظراتٍ تتعلق بهذه العلاقة .

ومن يتتبع تاريخ الدراسات اللغوية في الفكر اليوناني سيدرك أن هذا الفكر قد افترض اللغة اليونانية مقياساً للغات العالم، وبنى علي ذلك اعتقادا تُخطئه الدراسات اللغوية الحديثة، وهو أن دراسة اللغة اليونانية في تراكيبها وطرقها صادقة علي كل لغات العالم، إذ أن هذه اللغات تجري علي مقياس اليونانية . وهذه الدراسات اللغوية القديمة تختلط إلى حد كبير جدًا بالنظريات المنطقية والميتافيزيقية، ولقد وصف كُتاب اللغة من الإغريق الجملة حكما منطقيا، وعدوا بها طرق الإسناد النحوي بالطريقة نفسها،ولقد عدوا الموضوع والمحمول في المنطق.

ويصادفنا في مجال التفكير اللغوي- المنطقي أعمال السفسطائيين الخاصة بالنحو والتي حملت في ثناياها بذورا منطقية أكيدة، فقد أرجعوا التصور (المعني) إلى اللفظ مما يسر لهم أن يجعلوا من الجدل وسيلة للانتصار على الخصم؛ ومعنى هذا أن السفسطائيين قد بحثوا في النحو فأدى بهم إلي المنطق؛ و” لقد قام بروتاجوراس Protagora ببعض الدراسات الأولية في النحو كأساس للمنطق”؛ حيث يعد أول من تحدث عن أجناس الأسماء gene onomaton؛ أي المذكرة arena والمونثة thelea وما نسميها المحايدة وسماها هو skeue (= الأشياء غير الحية) . واستخدم أرسطو نفس هذه المصطلحات، وإن كان يستخدم أحيانا metaxy (= ما بين) بدلًا من skeu ” .

وإذا انتقلنا إلي العلاقة بين النحو والمنطق عند أفلاطون ( 429 – 347 ق . م)، نجد أنه علي الرغم من أنه لم يسق آراءه اللغوية بشكل مترابط، ولم يجمعها في مكان واحد، فقد عده الباحثون ” رائد الدراسات النحوية وأول فاحص للمشكلات النحوية ” ؛ فهو يُعد واحدا من أهم وأشهر فلاسفة اليونان الذين جاءوا بعد السفسطائيين والذين شغلوا أنفسهم بالبحث في أقسام الكلام .

أما رأيه في أقسام الكلام، فنجده أنه كان أول من صاغ لنا تعريفًا للجملة، إذ يقول : “إن الجملة هي تعبير عن أفكارنا عن طريق أسماء Onomata وأفعال Rhemata، وهذه الأسماء والأفعال تحكي أو تعكس أفكارنا في مجرى النفس الذي يخرج من الفم عند الكلام، ثم يعرف الاسم علي أنه اسم لفاعل الفعل، أما الفعل فاسم ” للفعل نفسه” . ومن الاسم والفعل تتكون الجملة . وواضح من هذا أن أقسام الكلام عند أفلاطون اثنان هما الاسم والفعل، وهما قسما الكلام في الجملة الخبرية، ولم يكن لأفلاطون وأرسطو من بعده اهتمام بغير هذا النوع من الجمل، لأن هذا النوع من الجمل، هو الذي يستحوذ اهتمام الحكماء والمناطقة دون غيره من جمل الدعاء والسؤال والأمر .

وهنا يرى بعض الباحثين أن أفلاطون يعد بذلك أول من فرق بين الاسم والفعل، كما أنه أعطانا تقسيمًا ثلاثيا للأصوات يمكن أن يكون: أصوات العلة – الأصوات الساكنة المهجورة – الأصوات الساكنة المهموسة . وأقر أرسطو تقسيم أفلاطون للكلمة، إلي اسم، وفعل، وزاد عليها قسما ثالثًا سماه رابطة، وذلك أنه شعر أن الأفعال والأسماء تؤدي معاني مستقلة، في حين أن سائر الكلمات ليس لها إلا الوظيفة النحوية فقط .

وبصفة عامة كان منطلق أفلاطون الاقتناع بأن الكلمة هي الشكل المادي للفكرة، وأنها تمكن بدايات معرفتنا عن العالم . وقد تولدت المحاولات الأولى لتعريف المحاولات النحوية الأساسية من هذا الموقف الفلسفي وتطبيقا للمعايير المتصلة بعمليات المنطق عرف أفلاطون “الاسم بأنه شيء يخبر عنه، وعرف الفعل بأنه ما يخبر به عن الاسم “.

وإذا انتقلنا إلي أرسطو، فنجده أنه قد دعا إلى الأخذ بأساليب معينة، وطرق خاصة، للهيمنة على التفكير الإنساني، والسيطرة على ما يدور في الأذهان. وقد جعلوا تلك الأساليب والطرق في صورة بديهيات لا تقبل النقاش، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نزاع، ثم اتخذوا من تلك البديهيات مقدمات لقضايا عقلية، ينتهون منها إلى حكم خاص، لا يتردد العقل في قبوله. وكان من نتيجة هذا النهج العقلي في الأحكام أن ابتدعوا لنا علما سموه المنطق بينوا حدوده، ونموا موضوعاته، حتى أصبح على يدي أرسطو علماً، واضح المعالم، يتدارسه الناس، ويفيدون التفكير بحدوده، فلا يكاد الحكيم منهم يتعدى تلك الحدود، بل يلتزمها في تفكيره ويتمسك بها في كل نواحي النشاط الذهني .

ولم يتخذ أرسطو لهذا العلم رموزا، كالرموز الرياضية والهندسية. ولكنهم صاغوا قضاياه ومسائله على نهج لغوي شبيه بكلام الناس، اعتقادا منهم أن أساليب اللغة ليست إلا وسيلة للتعبير عما يدور في الأذهان، ومثل الفكر الإنساني قبل النطق بمضمونه مثل الصورة الشمسية قبل تحميضها، فإذا عولجت بقدر خاص من الأحماض، اتضحت معالمها، وتكشفت خطوطها وملامحها. وهكذا شأن التعابير اللفظية مع العمليات الذهنية، ولا يكاد يعدو مهمة التوضيح، وإبراز المعالم والملامح للأذن الإنسانية. ولما انتهى أرسطو من تأسيس منطقه، وتحديد تعاليمه، رغب في حمل عامة الناس على انتهاج هذا المسلك في التفكير، والتزام تلك الحدود بعد أن صب تعاليمه في قوالب لغوية، وصاغها في صورة ألفاظ وأصوات،كالتي يألفها الناس في أحاديثهم .

وهنا بدأت الصلة بين اللغة والمنطق، وظل المفكرون بعد أرسطو قروناً طويلة يربطون بين اللغة والمنطق، ويحاولون صب اللغات في تلك القوالب المنطقية التي ابتدعها لنا أرسطو: طورا يوثقون هذه الصلة فينكرون من كلام الناس ما لا يتفق وحدود المنطق، وأخرى يقتصدون في هذا فنرى، منهم من يجعل للمنطق حدوده وللغة حدودها. ولكن الحدود مشكلة متداخلة. فهناك ناحية من المنطق تنطبق تمام الانطباق على ناحية من اللغة، كما أن هناك من المنطق ما لا يمت للغة في صورتها المألوفة الشائعة على الألسنة بصلة ما. ولبث المنطقي يغزو ببحوثه بعض مناطق اللغات، كما ظل اللغوي يقتحم ببحوثه بعض نواحي المنطق.

ولو أن أرسطو قد اتخذ لعلمه رموزا أخرى لا شأن لها بما يدور على الألسنة من ألفاظ وعبارات، ما احتاج المنطقي إلى البحث في اللغة، ولا احتاج اللغوي إلى النظر في المنطق، ولما كان ذلك الصراع بين المناطقة واللغويين في بعض العصور المتأخرة، فقد استطاع أرسطو أن يقرب بين منطقه واللغة اليونانية، إن لم يكن قد جعلهما منطبقين تمام الانطباق، متآلفين تمام التآلف؛ وأعجب المفكرون في الأمم الأخرى بمنطق أرسطو، وحاولوا صب لغاتهم في تلك القوالب موفقين في هذا تارة، وبعيدين عن التوفيق تارة أخرى، يجدون من لغتهم ما يواتيهم ويطاوعهم حيناً، ويتعثرون ويتكلفون حينا آخر .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

ترامب.. تضخم الأنا اطاح به

التفاصيل
كتب بواسطة: ا. د. قاسم حسين صالح

قاسم حسين صالحيعني (الأنا).. الفكرة او الصورة التي يحملها الفرد عن نفسه، وتكون على ثلاثة انماط:موضوعية، تكون فيها احكام الفرد عن نفسه وقدراته مطابقة لما يمتلكه فعلا.. وهذا ما يتصف به الأفراد الذين يتمتعون بالصحة النفسية.وتبخيسية، يتم فيها الحط من قيمة الفرد وقدراته ويصل فيها الحال الى ان يصف نفسه بأنه (تافه) في الأكتئاب الحاد. وتضخيمية، يحصل فيها ان الفرد ينظر الى نفسه بانه يمتلك قدرات استثنائية، ويعتبر نفسه بأنه (فلتة زمانه) ان وصل مرحلة النرجسية المرضية.

والغريب في شخصية "الأنا المتضخم" إنها تجمع صفات في "توليفة" من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية . فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب.. أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء، فحالها في الإعجاب كحال جهنم، يسألونها: هل امتلئت؟ تقول: هل من مزيد !. وتأخذ أيضا منها شعار النرجسي: "أنا مميز"، وخاصيتها الأساسية المتمثلة في الإحساس بتفخيم أهمية الذات، والتظاهر بامتلاك قدرات فريدة، وان على الآخرين أن يتعاملوا معه على أساس أنه مميز. وتأخذ من الشخصية التسلطية، انفعالاتها الغاضبة واندفاعيتها، وتصنيفها الناس بثنائيات، في مقدمتها ثنائية الأصدقاء مقابل الأعداء، أي من كان معي فهو صديقي وما عداه فهو عدّوي. وتأخذ من الشخصية الاحتوائية السعي إلى السيطرة على الآخرين واحتواء وجودهم المعنوي وأفكارهم، سواء بالإبهار أو بأساليب درامية أو التوائية.

 وواضح لدينا نحن المهتمين بدراسة الشخصية ان ترامب لديه تضخم أنا عال، ولكنه ليس من النوع المرضي او الذي يدّعيه الفرد بل ناجم عن انجازات استثنائية في ميدان المال والشركات والعقارات وناطحات السحاب.. اوصلته الى ان يكون مليارديرا مميزا واستثنائيا فعلا. وبالتعبير العراقي فان الرجل حقق ما عجز عنه آخرون (بزوده) وليس ادعاءا او هبة من آخرين.فضلا عن ذلك فأنه يمتلك جسما رياضيا بمواصفات (البطل) الأمريكي في السينما الأمريكية، ويتصرف بطريقة البطل الخارق الهوليودي!

والخطر في المصاب بتضخم الأنا يتعلق بـ(المعتقد) الذي يعني الفكرة التي يكّونها بخصوص شيء او موضوع ما اذا كانت عقلانية ام غير عقلانية، واقعية ام وهما. ولأنه يتصف بالعناد فانه يرى في معتقداته غير العقلانية وافكاره غير الواقعية بأنها حقائق مطلقة. ومن هنا كان خوف العالم.. ان يتخذ ترامب قرارات غير عقلانية ويجبر الآخرين على تنفيذها. والأشكالية، ان القائد المصاب بتضخم الآنا يكون مستبدا برأيه، واذا ما اضفنا لها أن مزاج النرجسي لا يراهن عليه، وان من يحاول عقلنة ترامب لم تلده أمه بعد!، وانه لن يكترث حتى بالمؤسسة الأمريكية، فان المتوقع أنه لن يهنّأ بايدن على فوزه، ولن يحضر مراسيم تنصيبه كما تقتضي الديمقراطية الأمريكية.. وستبقى (الحرب) مفتوحة بين رئيس يرى في نفسه انه الرئيس الشرعي لأمريكا الفائز بأكثر من سبعين مليون صوتا، مدعوما بيمين متطرف، وبين ديمقراطية لا تصلح سوى لأميركا!

 * كنا، بعكس كبار المحللين السياسيين، تنبئنا بفوز ترامب .. ووضع غوغل صورتنا بين صورتين لترامب، وحللنا شخصيته في ثلاثة مقالات، وصدرت ايضا في كتاب .

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

فاتن عبد السلام بلان الضلع الرابع

التفاصيل
كتب بواسطة: سردار محمد سعيد

سردار محمد سعيدأنا لا اجيد المديح والثناء، وغير متمرس فيه، إنما أقول ما أشعر وما اعرفه حتى ولو كنت ابدو قاسياً لمن يتوجه اليه الخطاب، وانا اليوم بصدد الحديث عن شاعرة متمكنة هي فاتن عبد االسلام بلان ولقد دهشت من كثرة التعليقات والمديح الذي انهمرعليها كالمطر مع قلة التحليلات، وأرى ان نصوص فاتن تستحق المدح ولكنها تستحق أيضاً التحليل والنقد، واعتقد ان فاتن ترغب في الجانب الأخير أكثر من جانب المدح والثناء، ولو ان الجانب الأول يشجي الكثير من الناس بل ويبحثون عنه، وفاتن لبست من الباحثات عن الشهرة وتبحث عن النقد الرصين الذي ياخذ بيدها إلى جعلها تحتل المساحة التي تستحقها .

شواعر النساء قليلات العديد نسبة للشعراء الذكور ولو انهن في زيادة متفاقمة بعد اتخاذ الشعر المنثور وسيلة وطريقاً قد يكون الأسهل تعبيراً، في حين أن شواعر القصيدة الموزنة المقفاة "العمودية" على وفق علمي في وقتنا الحالي يقرب من الصفر، على انه قديماً ذُكرت اسماء شواعر بنسبة اكبر ويمكن قراءة هذا في الكتب المعروفة مثل كتاب أشعار النساء للمرزباني وكتاب أخبار النساء لإبن قيم الجوزية وعلى وفق معرفتي بفاتن من خلال ما نشرته فأعتقد زاعماً أنها مشروع لتكون الضلع المكمل للمربع المكون من الشواعر 1 ليلى الأخيلية 2 علية الاميرة العباسية 3 ولاّدة بنت المستكفي الأميرة الأموية .

الشواعر اللواتي ذكرت رموز كبيرة ولها صفة الإنسانية وهن مفخرة الأنوثة العربية ولي أمل في أن يتصدى أحد الآكاديميين لدراستهن دراسة رصينة في مجتمع أبوي قاس، هن عاشقات لا يخفين حتى اسماء ممن يعشقن فليلى الأخيلية صاحبة أو حبيبة توبة وعلية حبيبة الخادم طل وولادة حبيبة ابن زيدون أما فاتن فحبيبة من ؟

إن الأبيات

حب يزلزلني ويجذبني وقليله خطر بأضرار

 رجل يقامرني على قدح سيجاره حلقات اسرار

والله ذي غمازة صلبت اجفان قلبي دون مسمار

لا يمكن أن توحي بغير الحب، أقول الحب وهل في هذا من عيب؟ الحب الشريف العفيف وإن لم تذكرالإسم صراحة في مجتمع أبوي مقيت ينظر للأنثى على أنها عورة .. وإن كيدها عظيم ... وتهجر في المضاجع، ولكني لشديد الثقة في قوة فاتن وجرأتها سيستدعيانها لتغرد يوماً، ولتتذكر القول "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال إني أريد أن انكحك احدى ابنتي هاتين ...".

فليس من المعقول أن نتجه الى وراء بعد حادثة ابنة شعيب وموسى وبعد عصر ليلى وعلية وولادة بمئات من السنين .

إن فاتن لم تتخذ سبيل التغطية والتمويه في شعرها مثل الكنى أو تقمص شخصية ذكورية فقد سبق وأن اتخذ أو تقمص مثلاً نزار قباني شخصية الأنثى ببراعة مثل صار عمري خمس عشرة

صرت احلى ألف مرة

ومتل

أيظن التي غنتها نجاة الصغيرة

لقد مدحت ليلى الأخيلية أمام الحجاج وفي مجلسه حبيبها توبة بن الحمْير بكل صراحة وجرأة

فتى فيه فتيانية اريحية بقية اعرابية من مهاجر

وقالت فيه بطلب من الحجاج

كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ قلائص يفحصن الحصى بالكراكر

وقالت

فإن تكن القتلى بواء فإنكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر

في حين أن علية العباسية بسبب الضغوط عليها كانت تكني أحياناً

ففد قاسمت اخوتها على أن لا تذكر اسم " طل" وعندما كانت تقرا القرأن كما يروى

وهارون يستمع من خلف ستار بلغت " فإن لم يصبها وابل فطل " فتجبجبت وقالت فإن يصبها وابل فـ فـ فالذي نهانا عنه امير المؤمنين .

وهي التي تقول في "طل"

قد كان ما كلفته زمناً   يا طل من جد بكم يكفي

حتى أتيتك زائراً عجلاً  أمشي على حتف إلى حتف

وقالت فيه

طل ولكني حرمت نعيمه  ووصاله إن لم يغثني الله

ومن كناها أنها كنت طل بـ "ظل" فقالت بعدغيابه

أيا سروة البستان طال تشوقي   فهل لي إلى "ظل" لديك سبيل

متى يلتقي من ليس يقضى خروجه  وليس لمن يهوى إليه دخول

وقالت فيه وغنته بعد أن صحفت اسمه إلى "غل "

سلم على ذاك الغزال  الأغيد الحسن الدلال

سلم عليه وقل له   يا غل ألباب الرجال

وكنته "بزينب "

وجد الفؤاد بزينبا     وجداً شديداً متعبا

أصبحت من كلفي بها   أدعى سقيماً منصبا

وغيرها كثير يمكن مراجعته في ديوانها وهنا لابد لي من أن أنبه لكثرة التصحيف فقد صحفت اسم طل إلى ظل وغل وكنته بزينب، فيا لهذا الحب العظيم

أما ولادة بنت المستكفي

انا والله أصلح للمعالي   وأمشسي مشيتي وأتيه تيها

أمكن عاشقي من لثم ثغري  وأعطي قبلتي من يشتهيها

و

اسامر في ليلي سنا طلعة البدر  لبعدك عن عيني وإن كنت في صدري

هواك له شغل بقلبي شاغل   به ضقت ذرعاً وهو- إن حققوا -عذري

 

إنني اتوقع في فاتن التي بلغ صدحها مرتبة متقدمة أن تكون الضلع الرابع إن سعت لذلك فالأرض خصبة ولديها البذروعذب الماء، وآمل أن يمد الله في عمري لكي ارى ذلك متحققاً .

وأذكّر اخيتي فاتن أن تعيد قراءة شواعر النساء للمرزباني و أخبار النساء لإبن قيم الجوزية وتراجع بعض الكلمات فيما إذا كانت مولدّة في المعاجم الكبيرة كلسان العرب والقاموس المحيط " وليس الوسيط" مثل لفظ مُشط بضم الميم ولفظ زغرودة

ولفظ حلقة .

تمنياتي للشاعرة المتصاعدة فاتن بالموفقية، راجياً أن أكون قد أفلحت.

 

سردار محمد سعيد

 

فايروس الكورونا.. والسلالة الجديدة

التفاصيل
كتب بواسطة: د. عامر هشام الصفار

عامر هشام الصفاريوجد في قلب كل فيروس كورونا تركيبه الجيني الوراثي الخاص، وهو ببساطة خيط ملتوي مما يقرب من 30000 "حرف" من آر أن أي (مادة وراثية). حيث تجبر هذه التعليمات الجينية الوراثية الخلايا البشرية المصابة على تجميع ما يصل إلى 29 نوعًا من البروتينات التي تساعد الفيروس التاجي على التكاثر والأنتشار.

وبينما تتكاثر الفيروسات، تظهر أخطاء نسخ صغيرة تُعرف بالطفرات بشكل طبيعي في جينوماتها او تركيباتها الوراثية. وعادةً ما تتكون سلالة من فيروسات كورونا من خلال طفرة أو طفرتين عشوائيتين كل شهر.

ولكن بعض هذه الطفرات ليس لها تأثير على بروتينات الفيروس التاجي أو الكورونا التي تصنعها الخلية المصابة. ولكن الطفرات الأخرى قد تغير شكل البروتين عن طريق تغيير أو حذف أحد أحماضه الأمينية، وهي اللبنات الأساسية التي ترتبط ببعضها البعض لتكوين البروتين.

ومن خلال عملية الأنتقاء الطبيعي، فقد تنتقل الطفرات المحايدة أو المفيدة قليلاً من جيل إلى جيل، في حين أن الطفرات الضارة تكون أكثر عرضة للموت.

الطفرات ب 1.1.7

يحتوي أحد أنواع فيروس كورونا التي تم الإبلاغ عنها مؤخرا لأول مرة في بريطانيا على 17 طفرة حديثة، تغيّر أو تحذف الأحماض الأمينية في البروتينات الفيروسية.

ويشعر الباحثون اليوم بقلق بالغ حيال الطفرات الثمانية من النوع  بي 117 والتي تغير شكل نتوءات أو أشواك الفيروس التاجي (السبايك)، والتي يستخدمها الفيروس للتعلق بالخلايا والأنزلاق إلى الداخل.

فكل شوكة عبارة عن مجموعة من ثلاثة بروتينات متشابكة، حيث يحتاج بناء أحد هذه البروتينات الشوكية عادةً إلى 1,273 من الأحماض الأمينية. 

وتغيّر هذه الطفرات شكل بروتين  الشوكة أو النتوء (السبايك) عن طريق تغيير كيفية تماسك الأحماض الأمينية معًا في شكل معقد.

 طفرة سبايك N501Y

يعتقد العلماء أن طفرة واحدة، تسمى ن 501 واي ، أنما هي مهمة جدًا في جعل فيروسات كورونا أكثر عدوى. ويشير أسم الطفرة هذا  إلى طبيعة تغييرها: تحول الحمض الأميني 501 في بروتين سبايك من :

(الأسباراجين) إلى (التيروزين).

ويتسبب التغير أو الطفرة  في الحامض الأميني بالقرب من أعلى كل بروتين سبايك، بجعله يتصل بمستقبل خاص على الخلايا البشرية. ونظرًا لأن البروتينات الشوكية تشكل مجموعات من ثلاثة، فأن الطفرة تظهر في ثلاثة أماكن على طرف النتوء أو الشوكة الفايروسية.

وفي فيروس كورونا النموذجي، يشبه طرف بروتين النتوء أو الشوكة كأنه جزء من لغز غير مناسب، يمكن له  أن يلتصق بالخلايا البشرية، ولكنه فضفاض لدرجة أن الفيروس غالبًا ما يسقط بعيدًا ويفشل في إصابة الخلية.

ويبدو أن طفرة  ن تعمل على تحسين شكل قطعة اللغز هذه، مما يسمح بتناسب أكثر إحكامًا ويزيد من فرصة الإصابة الفايروسية للخلية البشرية بنجاح.

ويعتقد الباحثون أن طفرة ن هذه قد تطورت بشكل مستقل في العديد من سلالات فيروس كورونا المختلفة. بالإضافة إلى النسب، فقد تم تحديده في متغيرات من أستراليا والبرازيل والدنمارك واليابان وهولندا وجنوب إفريقيا وويلز وإلينوي ولويزيانا وأوهايو وتكساس الأميركية.

ومن الممكن أيضًا أن تكون هناك طفرات محايدة، ليس لها تأثير بطريقة أو بأخرى. فقد تنتقل هذه الطفرات ببساطة من جيل إلى جيل مثل الأمتعة القديمة، حيث يجري العلماء تجارب لأكتشاف حالة كل طفرة وراثية في فايروس الكورونا أو الكوفيد19.

فقد أظهرت التجارب أن  الطفرات الوراثية تمكّن الفيروس التاجي (الكورونا) من إصابة الخلايا بنجاح أكبر. فمن الممكن أن يتغير شكل بروتين الشوكة (سبايك) بطريقة تجعل من الصعب على الأجسام المضادة أن تلتصق بالفايروس للقضاء عليه.

وقد ظهر الفايروس بطفرته الوراثية بي 117 لأول مرة في المملكة المتحدة في أواخر  شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2020. ولكن الباحثين نظروا إلى عينات سابقة فوجدوا أن الدليل الأول على ظهوره بين المصابين أنما يعود إلى 20 أيلول/سبتمبر 2020، وذلك في عينة مأخوذة من مريض بالقرب من لندن.

 أما اليوم فأن هذا الفايروس بطفرته المعروفه بي 117 أنما يتواجد في أكثر من 50 دولة حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد أستجابت بريطانيا مثلا للزيادة الحاصلة في عدد الأصابات بالسلالة الجديدة لفايروس الكورونا من خلال إغلاق صارم للمدن وتحديد لحركة الناس. وقد حاولت دول أخرى منع أنتشاره من خلال قيود السفر على المواطنين. ورغم أن هذه السلالة الجديدة من الكورونا هي ليست أكثر فتكًا من الأشكال الأخرى لفيروس كورونا، ولكن نظرًا لأنها يمكن أن تسبب الكثير من الإصابات، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من الوفيات.

 ولا يُتوقع أن يساعد أي من هذه المتغيرات أو الطفرات الوراثية فيروس كورونا في التهرب من العديد من اللقاحات المضادة في التجارب السريرية حول العالم، فقد تمكنت الأجسام المضادة والتي تم تكوينها بواسطة اللقاح المضاد من الألتصاق بطفرات الفيروس التاجي،  مما يمنع الفيروس من إصابة الخلايا في المختبر.

ويؤكد الخبراء اليوم أن الأمر قد يستغرق سنوات عديدة، والعديد من الطفرات، حتى يتطور الفيروس بما يكفي لتجنب اللقاحات الحالية، ويبقى العلماء على أهبة الأستعداد.

 

الدكتور عامر هشام الصفّار

 

في التاريخ وكتابته

التفاصيل
كتب بواسطة: حمزة بلحاج صالح

حمزة بلحاج صالحأتكلم عن هواة من المشتغلين بكتابة التاريخ من دكاترة وأساتذة وأصحاب مؤلفات وكتب وباحثين وطلابا بالتبعية.. لم تظهر في القديم بوادر كتابة ممنهجة إلا عند ابن خلدون في مقدمته لم يلتزم بها عند كتابته تاريخه وديوان عبره...

في كل الاحوال عندما يخضع التاريخ لفحص دقيق عند الغربيين وتظهر مثلا مدرسة مثل مدرسة التاريخ الجديدة.... ecole de la nouvelle histoire وأيضا يتم الإشتغال بموضوع فلسفة التاريخ وبمناهج كتابة التاريخ وفق ما يسمى بالمنزع التأريخي historiographie أو الاعتبار السوسيو تإريخي socio historique ومدرسة القيم القديمة والتاريخ الوقائعي واللحظي او الحادثي.... l'événementiel

وتتخلص مدرسة التاريخ الغربية من هيمنة الأسطرة خارج التاريخ والتقديس وإضفاء القداسة على حركة الإنسان والمجتمعات في التاريخ وهيمنة التفسير الديني والتقديسي لفعل الإنسان في التاريخ ويكتبون عن العقل في التاريخ ويتناولون السيرورات التاريخية...

نعجز نحن عن إقامة حصائل تقييم عميقة للمنجز التاريخي الغربي وأدواته ونعجز عن استيعابة وعن فهمه وعن توظيفه وتجاوزه وعن تأسيس مدرسة تاريخية عربية إسلامية بأبعاد كونية...

نحن مشغولون للأسف بجمع الوقائع وتدوينها وتبويبها وسردها كما سردها علينا الرواة ولازال فحصنا للوثيقة التاريخية باهتا أركائكيا باليا تجاوزه الزمن...

التاريخ يحتاج إلى أدوات وعلوم أخرى ربما للأنثربولوجيا والإثنولوجيا والإثنوميتودولوجيا والأركيولوجيا وأركيولوجيا المعرفة وحتى إلى الجغرافيا والجغرافيا البشرية والجغرافيا السياسية أحيانا والفللولوجيا وكل الأدوات النقدية التحليلية وأدوات الفحص الأمبيريقية والتجريبية...

لقد حاول الماركسيون العرب ان يستخدموا أدوات الماركسية والجدلية المادية والتاريخية وقدموا منجزات لا تخلو من فائدة غزيرة لكن عجزهم عن استيعاب أدواتهم داخل التراث وفرط أدلجتهم جعلهم يعزلون ولا يكتب لمقارباتهم الديمومة والنجاح الباهر...

فليست منجزات مثلا حسين مروة وابراهيم بيضون والطيب تيزيني وجواد علي..الخ بالهينة والتافهة كلا.. وليس عمل جواد علي ايضا من جهة اخرى بالهين والهامشي والتافه.. قد يطول القول في هذا الموضوع ولعلني نقلت لوحة عامة توجد فيها بعض الأجوبة لبعض الأسئلة...

التاريخ ليس سردا ولا انتصار للأشخاص ولا تأريخا للبطولة ولا مسحة قدسية تضفى على فعل الانسان في التاريخ وسيرورة حراك الأمم في التاريخ....

ولا يخضع للادلجة واضفاء منزع القيم عليه واخفاء سقطاته وكبواته لانه فعل البشر لا يسيس ولا يدين بدين ولا له لون...

بل يخضع للقراءة النقدية التي تفضح اسراره وكبواته وقوماته وفضائحه بلا تحيز ايديولوجي او ديني او سياسوي...

ولا يؤسس مدرسة للتاريخ فرد او دكتور او كاتب انه عمل شاق بعيد عن الشعارات والتحيزات يتطلب بناء المفاهيم والنظريات والأفكار  والأسس والمرتكزات والنواظم المنهجية ..الخ...

التاريخ ليس طائفية تمتد فينا تفتت وحدتنا وتقسمنا الى امم ونزعات تكفير وتفسيق واخراج من الملة ...

ولا هي بالمذهب وتعصب له ولا بالخصوصية والاستعلاء بها...

دار الإنسانية قبل دار الإسلام والإيمان لكي تتحقق الثانية يجب ان نعلم ان للاولى توجه خطاب القران الكريم....

دار السلم أولى من دار الحرب...

لا إكراه في الدين رأس عقيدتنا...

 

حمزة  بلحاج صالح

 

أزمة الطالب بين مطرقة التخرج وسندان التدّرب

التفاصيل
كتب بواسطة: د. محمد بنيعيش

محمد بنيعيشلكل مجهود ثمرة ولكل مسار نهاية ولكل نهاية بداية، هذه هي الحياة ودورتها الطبيعية السليمة، بل اللائقة بأن يستمتع بها ويجتنى محصولها ويستمرأ مرقها ويستنشق عبيرها.

وأعظم وأجمل المسارات في هذه الكرة الأرضية والكوكب الأزرق يوجد مسار العلم بلا منازع !. والعلم علوم، والعلوم عوامل وعوالم، وهكذا لو أردنا أن نمطط وننطط ونتفلسف ونسفسط .

فطالب العلم لا حدود لطلبه ولا ثمن لتعبه، ولا تعويض يمكن أن ينوب عن سهره وقلقه وتوتر أعصابه وتقلبه في الدارسين، وتخبطه مع المشاكل والمعادلات والحلول والحذف والشطب، وربما قضم وتقليم الأظافر بالسن وخدش أو لطم الجبين، والتصبب عرقا عند استعصاء الدرس وغموض المعنى وانفلات القياس، وقس على هذا.

ومن هنا فقد كان من المفروض مكافأته من جنس كفاءته، ومجازاته في مقابل منجزاته، سواء أكانت مادية أم معنوية .وحتى إن لم تكن مادية فيكفيه فخرا وشرفا أنه حامل للعلم ومتفرغ لساحة الوغى ضد الجهل، ومدرب على القلم والتزام السطر :" ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".

وحتى لا نسبح في المحيط ونترك الشطوط، فقد رأيت من المفيد أن أثير مسألة من ضمن آلاف المسائل والمشاكل التي تعترض طالب العلم في عصرنا، وخاصة في بلداننا وديارنا العربية أو لنقل دولنا النامية وفي طريق النمو، ألا وهي مطلب التدّرب (الستاجstage) عند نهاية الدراسة بالمعاهد والمؤسسات، وخاصة التقنية والهندسية منها والاقتصادية وما شابهها .

وهذا المطلب الإلزامي ربما قد يعتبر في بعض المعاهد، سواء أكانت عمومية أم خصوصية، من المواد الموجبة للرسوب، أو بالأحرى المؤثرة على ميزة الطالب والمنعكسة على تحصيله وطموحه فيما بعد التخرج من هذه المؤسسة أو تلك.

وهذا الهم الخاص بالتدرب، نظرا لثقله وهاجسه، قد يؤثر في بعض الأحيان بالسلب على تحصيل الطالب النجيب في دراسته الموازية لهذه المرحلة . فيترك مواده وحرصه على المتابعة بالانشغال بمسألة التدرّب من أين سيحصل عليه وفي أي مؤسسة سيقبل، بل في أي مدينة وإقليم سيكون حصوله عليه، وهكذا .

والمؤسف المكلف والمحرج في هذا من جهات متعددة، نذكر من بينها :

أ‌- في غالب المؤسسات قد يبقى الحبل على الغارب في تعيين محطات الاستقبال للطالب حتى يجري تدريبه ويقبل فيه، أي أن المؤسسات المؤطرة له لا تكلف نفسها العناء لمساعدته على اختيار مقر تدربه، ولو برسالة رسمية تشعر مدراء المؤسسات المستقبلة، كعمومية أو شركات، بأن هذا البرنامج ملزم ومكمل لتكوين الطالب، وأنه يدخل في ضمن حقوقه العلمية والقانونية كنهاية لتحصيله العلمي الذي به تقيم الكفاءات والاستحقاقات.

ب‌- في الغالب قد لا توجد اتفاقية شراكة بين المؤسسات، وخاصة الجامعية، مع المؤسسات المستقبلة، سواء على مستوى الوزارات المركزية أو الجهوية وأيضا المحلية . وبهذا فيبقى الطالب منتظرا ضربة حظ أو وساطة قريبة إن وجدت، وإلا فتدربه قد يكون في مهب الريح أو المريخ.

ت‌- في كثير من الأحيان، حتى إن وجد من يقبل هذا المتدرب، فقد لا يكون الميدان والمؤسسة المستقبلة له من نفس تخصص الطالب، لا من قريب أو بعيد.وبهذا فيكون تدربه عبارة عن روتين وتضييع للوقت، مع إحداث انقطاع غير مبرر في تحصيل الطالب والزيادة من تعمقه ودراسته.

ث‌- وأيضا، وهذا في حالة قبول بعض الطلبة لدى بعض المؤسسات، فقد تكون مقراتها خارج المدينة التي درس فيها الطالب، وربما تكون بعيدة عنها بمئات الكيلومترات، وهذا يتطلب مصاريف مرهقة ومكلفة ومجحفة، من بحْث عن سكن ومواصلات وغير ذلك .وهذا قد يأتي بمثابة الضربة القاضية في آخر دورة من دورات الملاكمة، حيث يكون المتباري منْهكا فتنزل عليه اللكمة من خصمه كالصاعقة التي لا يستطيع بعدها حراكا.وفي هذه الحالة فقد يتفاوت الطلبة بين الموسرين والمعسرين، لكن المعسرين قد يزداد عسرهم درجات فوق درجات رِشْتر.هذا إذا علمنا بأن الغالبية لا منحة لهم ولا مساعدة اجتماعية أو وقفية وغيرها.وعند هذه الحرج ربما قد تتغير نفسية الطالب وتتذمر وينزلق سلوكه، ويضيع تحصيله وتكوينه، وقس على هذا.

وحيث إن الوضع بهذا التصور أو أسوأ فقد يكون من اللازم على المسؤولين في قطاعات التعليم والتكوين والشغل، ولم لا الداخلية، أن يبادروا إلى حل هذا المشكل الذي يتخبط فيه كثير من الطلبة، و يمثل بالنسبة إليهم هاجسا أكثر قتامة من هاجس التحصيل والسهر والصبر على القليل وهم معتصمون في الحرم الجامعي، أو قريبون من مؤسساتهم التي كانوا يتلقون فيها تكوينهم ودراستهم لبناء مستقبلهم ولخدمة وطنهم بالعلم والمثابرة.

وأرى كاقتراح متواضع، أن الحل لهذه المشكلة في كل المؤسسات ذات الطابع التقني والهندسي والطاقي وما والاه قد يتمثل مبدئيا في إصدار قوانين ملزمة للمؤسسات المستقبلة للمتدربين بحسب طاقتها وتخصصها، مع إضفاء طابع الشراكة وإمكانية التوظيف من خلال هذا التدرب إن تبينت الكفاءات، هذا مع إحصاء جدي لعدد المتخرجين وتوزيعهم بالتساوي عليها، سواء في المؤسسات العمومية أو الخصوصية على حد سواء.

كما تنبغي مراعاة القرب والبعد من الجامعة، أو المدرسة العليا التي تخرج منها الطالب، وبالموازاة مع ذلك يكون من الضروري رصد مساعدات للطلبة الذين سيكونون ملزمين بالسفر والإقامة خارج مدينتهم . وهذه المساعدات إما أن تكون على حساب المؤسسة المرسلة أو المستقبلة أو هما معا، باعتبار أن هذا الأمر قد يدخل في إطار الواجب الوطني الذي يقتضي تكوين الطالب الصالح من أجل خدمة الوطن والمواطن الصالح "وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".

 

الدكتور محمد بنيعيش

كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب

 

الرسام الجزائري شمس الدين بالعربي يواصل تألقه

التفاصيل
كتب بواسطة: احمد الحاج

2160 بالعربي 1ويحلق في طريق العالمية بعلبة رسم للاطفال !

الأمم المتحدة ومجلة مؤثرون الأميركية وعدد من نجوم هوليوود يحتفون به ..

اذا غامرت في شرف مروم، فلا تقنع بما دون النجوم، قالها الشاعر العربي يوما فصارت نبراسا للعديد من المثابرين والمجتهدين في عالمنا للوصول الى مبتغاهم من خلال الصبرالمتواصل على الأذى وتذليل جميع الصعاب التي تعترض مسيرتهم لتحقيق أمانيهم المشروعة وتجسيد الحلم، ويبدو أن رسام الافيش الجزائري شمس الدين بلعربي، وهو فنان تشكيلي متخصص بتصميم ملصقات الأفلام العالمية (الأفيش) من مواليد 1987 بعين تادلس التابعة لولاية مستغانم الجزائرية، يعد واحدا من هؤلاء المجتهدين ولكل مجتهد نصيب كما يقولون، فهذا الرسام المثابر الذي يطور مهاراته وينمي موهبته بإستمرار قد بدأ حياته راعيا للغنم قبل أن يمارس حرفة الرسم داخل منزله القديم الذي يضم بين جنباته عائلة مكونة من ستة أفراد هو أكبرهم سنا، ليشق طريقه بعد ذلك بهمة حديدية وعزيمة لاتلين حتى وصل الى العالمية، وقد سبق لي أن تشرفت بإجراء حوار معه قبل عامين، الا أن ما إستجد مؤخرا في مسيرته الواعدة من تطورات وتكريمات حملني على إجراء حوار جديد معه، ولعل نشر مسيرته الفنية في موقع تابع للامم المتحدة كان من أبرزها فكان هذا الحوار معه :

* نشرت قصة مسيرتك الفنية الرائدة من قبل مبعوث الأمم المتحدة لرعاية الطفولة في افريقيا والشرق الأوسط في موقع idirzs8.wixsite التابع لها، كيف تم ذلك ومتى تعرفت على النجم الهوليوودي فينسنت لين وهو أحد مبعوثي السلام في المنظمة حاليا؟

- معرفتي بالنجم فينسنت لين، بدأت عندما كنت أشاهد أفلامه في صالة السينما وانا طفل صغير مع أن طفولتي كانت صعبة وتدريجيا بدأت اطلع على تأريخ النجم فنسنت لين، فوجدته يمتلك اطلاعا واسعا على الثقافة الشرقية ولاسيما العربية منها فأرسلت له رسالة مشفوعة بلوحة له ولوالديه وقصصت عليه قصتي فأعجب بها ثم اخذ يكتب عنها وقام بنشرها في الموقع التابع لعمله في الأمم المتحدة وهذا شرف كبير لي.

* انت القائل بعلبة ألوان أطفال ثمنها 50 دينار جزائري وصلت أعمالي الى مراتب راقية بفضل الله تعالى ولقد سعدت جداً بالمقال الذي كتبه نجم هوليوود الشهير Vincent Lyn عن مسيرتي الفنية في Magazine mudeum العالمية في مقال بعنوان ( صرخة فنان إفريقي مزج الألوان بالدموع )، نود منك ان توجز لنا جانبا مما جاء في هذا المقال وماذا قال عنك لين؟

- لاشك ان الثقة بالله تعالى هي نجاح بحد ذاتها، لقد كنت فقيرا ولم تتوفر لي سوى علبة ألوان مخصصة للاطفال فنجحت بالصبر والمثابرة والتوكل على الله من إيصال صوتي ولوحاتي الى العالم ليكون ذلك التحدي والاصرار بمثابة رد على بعض من يتنصلون من معقتداتهم ودينهم وينسلخون عن هويتهم مقابل تحقيق الشهرة المذلة، وقد قلت صراحة للسيد فينسنت لين بأني اقرأ القرآن الكريم وأصلي وببركاتهما حققت نجاحي والحمد لله، ولم اجد حرجا في ذلك البتة، فعندما تحترم نفسك يحترمك الآخرون.

*صنفت كشخصية مؤثرة في (مجلة مؤثرون الأمريكية ) الشهيرة لعام 2020، كما تم تكريمك من قبل وفد سينمائي اجنبي جاء الى بلدك خصيصا لهذا الغرض اضافة الى تلقيك رسائل تهنئة مع التشجيع المستمر من وزراء ثقافة أجانب، نود ان نتوقف قليلا عند محطة التكريمات هذه لنطلع على طبيعتها وشخوصها؟

- نعم لقد صنفت من قبل مجلة مؤثرون الأمريكية الشهيرة INFLUENTIAL PEOPLE MAGAZINE كشخصية مؤثرة لعام 2020 وقد كتبت المجلة عن مسيرتي الفنية تقريرا مطولا في ثلاث صفحات مرفقة ببعض رسوماتي التي نشرت مع التقرير فضلا عن غلافها، فيما تلقيت رسالة خاصة من وزيرة الثقافة البلجيكية وبعض الشخصيات السياسية من مختلف أنحاء العالم اعترافا بما أبذله من جهود حثيثة ضحيت من اجلها بالكثير والكثير، لقد بذلت مجهودا كبيرا لمواجهة الانحطاط والرداءة التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، فانا سائر على خطى الاوائل من المثابرين والمناضلين والمبدعين والمجتهدين من تلكم النبتات العنيدة التي تنمو وسط الصخور ولا تأبه لها .

2160 بالعربي 2

* في اليوم العالمي للغة الضاد حققت أكبر إنجاز في حياتك تمثل بإدخال اللغة العربية في كتاب هوليوود العالمي BUKS OF AMERICA حيث طلبت نشر قصتك باللغة العربية وهذه هي المرة الأولى في تاريخ هوليوود التي تكتب فيها قصة باللغة العربية ضمن مطبوع سينمائي مكتوب كله باللغة الإنجليزية، والسؤال هنا، هو كيف نزل الهوليوديون عند رغبتك تلك وانت ضيف عليهم حتى انهم كتبوا سيرتك بلغة غير لغتهم الام؟

-ذلك بتوفيق من الله عز وجل وحده، فقد طلبت منهم نشر قصتي باللغة العربية في كتاب هوليوود العالمي المكتوب باللغة الإنجليزية الى جانب نجوم وعمالقة الفن العالمي أمثال Éric Robert و Robert Gatewood و Aki Aleong وغيرهم كثير، ولعلها أول المرة في تاريخ هوليوود !

*حدثنا عن أبرز اللوحات والنشاطات والأفكار التي في جعبتك والتي تعتزم انجازها ورسمها في المستقبل القريب؟

 - الحقيقة أود تخصيص جزء من وقتي وجانب من عملي لرسم رموز الثقافة والفن والدين والأدب في عالمنا العربي، كما انوي رسم جدي الحبيب والذي يعد واحدا من علماء الجزائر وأعني به الحاج قدور بلعربي، الذي تتلمذ على يد العالم و الفقيه لعجال بلطرش، اضافة الى مشاريع اخرى سأتركها مفاجأة لجمهوري الحبيب في وقتها ولكل مقام مقال .

*هل عرضت عليك هوليوود تمثيل أحد أدوارها في بعض افلامها، وماذا لو جاءك عرض منهم بهذا الصدد، هل ستوافق أم أن هناك مانعا ما؟

- حتى الأن لم اتلق دعوة لتأدية دور ما في فيلم هوليوودي، ولكن والحق يقال اذا ما سنحت لي الفرصة ووجدت بأن الدور يتلاءم مع شخصيتي ولا يتعارض مع قيمي الدينية ومبادئي الأخلاقية فمرحبا به وأهلا .

* يتساءل الكثير من القراء والمعجبين، عن عملك في مجال الرسم، هل تراه مقصورا على نجوم السينما وبعض الشخصيات الفنية، أم أن هناك في مسيرتك لوحات أخرى تندرج في مجالات بعيدة عن السينما كالانسانية مثلا، الاجتماعية، الثقافية منها على سبيل المثال؟

- انا ارسم من أجل الحياة والسلم والتعايش والطفل، ارسم للمجتمع وللإنسانية جمعاء شريطة أن لا يضيق ذلك على حريتي الدينية ومبادئي الوطنية و الأخلاقية والاجتماعية.

* هل سبق لك ان أقمت معرضا لمجمل لوحاتك في احدى القاعات الثقافية داخل أو خارج الجزائر؟

- مؤخرا تلقيت عرضا بهذا الشأن من مدير مهرجان وهران للفيلم العربي، الاستاذ أحمد بن صبان، وهي مبادرة جميلة ورد اعتبارولاريب، اضافة الى ذلك فقد وقف الى جانبي وساندني وزير الصناعات السينمائية يوسف السحري بإقامة المعرض المذكور واتوسم خيرا من تلكم الدعوة وذلكم الاسناد الذي اتلقاه في هذا المجال .

2160 بالعربي 3

تجدرالإشارة الى أن بدايات الفنان الجزائري شمس الدين بالعربي، كانت في مرحلة الطفولة حيث كان مهتما بالرسم، وفي طريق عودته الى المنزل يوميا كان يرمق بعض الصحف وهي ملقاة على جانب الطريق وكانت تجذبه صور نجوم السينما فيها فيلتقطها ويتأبطها ليرسمها في منزله القديم ولعل عيشه بكنف عائلة فقيرة جدا إضطره لإمتهان الرسم كحرفة بدأت بتزيين المحال التجارية والديكور أولا وهكذا كانت البداية، فالسينما بالنسبة له كانت حافزا كبيرا لرسم ملصقات ولقطات الأفلام حتى عقد العزم على بناء ورشة عمل صغيرة الى جانب المنزل وبدأ يبعث برسوماته الى شركات الانتاج السينمائية الامريكية برغم ان تلكم اللوحات كانت مرسومة بأدوات بسيطة وهكذا لسنين حتى تبسم له القدر وتواصل المنتج الارجنتيني خوان مانويل اولميدو معه بعد أن شاهد أعماله وأعجب بها وطلب منه عمل ملصق لفيلمه (الضربة القاضية ) من بطولة الممثل العالمي محمد قيسي، الشهير بدور ( Tong po ) والمعروف ضمن الشخصيات السينمائية في عقد الثمانينات، وهكذا حتى تم تسجيل إسمه في القاموس العالمي للسينما العالمية IMDB

وأردف بالعربي " بحمد الله لقد نجحت في إعادة فن الافيش التقليدي الى الساحة الفنية أما بالنسبة الى الاضافات التي اسهمت فيها لإثراء هذا الفن فكانت عبر الرسم الزيتي والتركيز على المبالغة الفنية في الظل والنور والكتابة بخط عصري جميل واستعمال الالوان الجذابة الممزوجة بطريقة الذوبان اللوني لإبرازها قريبا من الصورة الواقعية، لقد أعدت تركيب الملصق المرسوم وأخرجته من دائرة اللوحة التشكيلية الى رسم مركب بأبعاد مختلفة لتقريب فكرة الفيلم للمتلقي والتعريف بمضمون الفيلم، وفي بعض الأحيان استعمل الصورة الحقيقية واضيف لها تزيينات فنية بالريشة بما تعجز الآلة الرقمية عن اضافتها "، مشيرا الى، ان" الوصول الى نجوم هوليوود كان صعبا جدا بحكم التعقيد في كيفية الاتصال بهم نظرا للكم الهائل من الرسائل التي تصلهم من المعجبين و كيفية عرض اعمالك و كيفية إقناعهم بعمل جديد مختلف وأنه سينال إعجاب الناس، زد على ذلك أن لهم فريق عمل خاص بهم، كل هذا شكل عائقا امامي ولكن وبعد الاتكال على الله وبالصبر والتكرار والعمل المستمر لسنين تم التوصل إلي النتائج المرضية، وأهم النجوم الذين تعاملت معهم jean claude van damme و Jimmy Gourad و Qissi و Harrison page ".

وتابع رسام الافيش الجزائري " لاشك ان الأفيش الأقرب إلى قلبي هو افيش فيلم : Chinese Hercules The Bolo Yeung Story وهو فيلم وثائقي يروي قصة الممثل الأسطورة بولو يونغ، ويتناول مسيرته الفنية و كان لي شرف تصميم ملصق هذا الفيلم الوثائقي التأريخي، أما عن أحب الملصقات التي لم اصممها وتمنيت لو انني صممتها فهي فيلم (قلب الاسد) الذي صممه الفنان جون الفين، وملصق فيلم (ليجيونير)، " منوها الى، انه " يتمنى افتتاح مدرسة عالمية للشباب العربي بغية إبراز مواهبهم وأنه على استعداد تام لإعطاء كل ما عنده من عصارة خبرة وتجربة في ذلك الى الموهوبين الشباب لإنتشال الكثير من تلكم المواهب الشابة الحالمة والواعدة من برك الركود والبطالة الخانقة ".

 

حاوره / احمد الحاج

 

 

 

الصفحة 1 من 146

  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • ...
  • 6
  • 7
  • 8
  • 9
  • 10

hewar2

(195)،(196)،(197)،(198)

84 mahmod mohamad ali200

اقرا ايضا

  • السطر الاول من روايتك
  • صلاح عبد الصبور ومحاولة التناول المتكاملة
  • سلمويه بن بنان طبيب المعتصم!!
  • الغزو الثقافي للعراق
  • «حياة جديدة» إصدار جديد للكاتبة حوا بطواش
  • عود على الامثال الروسية (37)
  • الإنتخابات ثقافة لا يمتلكها الشارع العراقي
  • بايدن وعاصفة من القرارات التنفيذية
  • ما بعد الحداثة
  • انتصار الديمقراطية
84 mahmod mohamad ali200

القائمة البريدية



العدد: 5254 المصادف: السبت 23 - 01 - 2021م


العودة لأعلى

تابعونا على:

الحقوق محفوظة صحيفة المثقف 2006 - 2021 ©

تابعونا على: