المثقف - قضايا
سليم الحسني: العراق.. وَهْمُ الدولة (15): قوة الخرافة في الواقع الشيعي
- التفاصيل
- كتب بواسطة: د. سليم الحسني
في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي أثار الاتجاه التجهيلي هجمة شديدة ضد المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، حول مسألة تاريخية غير محسومة حتى الآن برواية معتبرة، تتعلق بواقعة ضلع الزهراء عليها السلام وتوابعها، وكان أكابر علماء الشيعة قد توقفوا عندها لأنها لم تثبت عندهم بشكل قاطع منهم الشيخ المفيد والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.
دعا فضل الله الى التأمل في الواقعة وضرورة بحثها وفق المقياس العلمي للروايات التاريخية. وقد استغل اصحاب الخرافة والتجهيل هذه الدعوة، لتحويلها الى هجمة ضارية تطعن بشيعية السيد فضل الله، وتصفه بالضال المُضل، وتنعته بالانحراف والخروج على التشيع، مع أنه أحد رموز الفكر الحركي الاسلامي والنهوض الثقافي الواعي، وكان بحق مفخرة التشيع في العالم، اضافة الى المشاريع الاجتماعية والانسانية التي أنشأها في لبنان، وكان هو صاحب مشروع دولة الانسان الذي يعتبر متقدماً على زمانه في تلك الفترة، وقائد مدرسة الحوار الفكري والعقائدي في العالم الاسلامي. الى جانب تصديه الشجاع للوهابية والاتجاه التكفيري ولإسرائيل وللظاهرة الاستكبارية في العالم.
قاد حملة التشويه ضد السيد فضل الله، بشكلها الشرس (السيد علاء الهندي) رئيس ديوان الوقف الشيعي في العراق حالياً. وهذه من مصائب العملية السياسية في العراق، أن يتولى أحد قادة الخرافة مؤسسة مهمة في العراق الجديد تخص الشيعة.
استطاع اتجاه الخرافة أن ينتصر بطبيعة الحال، فهو القوة التي تحقق النصر في معظم الجولات امام حركة الوعي، طالما ان الجهل ينتشر في المجتمع.
أغرب ما في تلك الحملة الشرسة، أنها لم تهدأ حتى توفي السيد فضل الله وهو يختزن في قلبه الحزن على هذا الواقع المرير، وهو يرى بيانات التضليل والإتهام تناله بالباطل.
لكن تلك الحملة الساخنة نراها قد اختفت تماماً، مع اشخاص يسيئون الى الذات الالهية المقدسة والى الرسول الأكرم (ص) والى مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أي في أهم جوانب العقيدة.
والسبب أن الخرافة والجهل لهما انصارهما، أما الوعي فأنصاره قلة.
...
في واقعنا الراهن، يزداد الأمر سوءً، لقد صارت الخرافة والتجهيل منهجاً قوياً في الوسط الشيعي، وخصوصاً بعد سقوط نظام الدكتاتورية عام 2003، ويعود السبب الأهم في ذلك، الى ان العراق بات ساحة مفتوحة امام الدوائر الاقليمية والدولية، حيث ضخت الوهابية ونظائرها أموالها الضخمة لتدمير الوسط الشيعي من داخله، وتلاقت توجهات الوهابية المعادية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، مع التوجهات الدولية التي ترى في المرجعية الدينية كياناً مهماً ومحورياً عند الشيعة، فكان لا بد من إضعافه عن طريق خلق بدائل ومنافسين مصطنعين ينتحلون صفة المراجع. ومن خلال المال الخارجي ينشط هؤلاء في شراء الأصوات والأقلام وصناعة مجاميع المعتاشين، ومن خلال الخرافة والتجهيل يزداد الاتباع حولهم.
...
تبدو الصورة متشائمة تبعث على اليأس، لكن الخطأ القاتل سيكون فيما لو وقع المثقف والمتعلم في دائرة اليأس. فهذا ما يريده هؤلاء المعتاشون بالدين ليخلو لهم الجو وتفرغ الساحة إلا منهم.
إن العملية هنا مترابطة فيما يتعلق بمستقبل الانسان العراقي، فهو يخسر حقوقه، لأن الجهل الذي يستهدفه من اصحاب الخرافة والتجهيل، سيمنعه من المطالبة بحقوقه في بناء دولة تحقق له كرامة العيش والخدمات.
أكرر مرة اخرى، مسؤوليتنا ان نواصل الكتابة، وتعليق بسيط له دوره في إشعال ومضة.
لها تتمة
للاطلاع على جميع حلقات:
العراق.. وَهْمُ الدولة / د. سليم الحسني
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.